رسالة باتريس لومومبا الأخيرة

ترجمة و تقديم: ا.د. كاظم خلف العلي
استاذ اللسانيات و الترجمة – كلية الآداب – جامعة البصرة
[email protected]
ترجمة و تقديم : د. كاظم خلف العلي

ولد لومومبا و هو مناضل من الكونغو في الثاني من تموز 1925 و اغتيل في السابع عشر من يناير 1961. و خاض لومومبا و رفاقه نضالا شاقا و مريرا من أجل استقلال بلاده من السيطرة الاستعمارية البلجيكية التي كانت تنهب ثروات البلاد ، و أصبح أول رئيس وزراء للكونغو بعد الاستقلال . و تم أسقاط لومومبا بعد ثلاثة أشهر من حكمه و قتله على يد الاستعماريين البلجيكيين و بدعم من الولايات المتحدة الأميركية (CIA) و المملكة المتحدة (M16) و الفاسدين من رفاقه و مسؤولي الأمم المتحدة.

زوجتي العزيزة

أكتب إليك هذه الكلمات و لا أعرف إن كانت ستصلك، أو متى تصلك، أو فيما إذا كنت حيا أم لا حين تقرأينها. لم ينتابني الشك لحظة واحدة في جميع مراحل نضالي من اجل استقلال بلادي بالنصر النهائي في القضية المقدسة التي كرست و رفاقي أرواحنا لها، غير أن ما تمنيناه لبلادنا و بحقها في حياة عزيزة و مشرفة و بكرامة ناصعة و باستقلال من دون قيود لم يمثل أبدا رغبة الإمبرياليين البلجيكيين  و الحلفاء الغربيين الذين كانوا يتلقون دعما مباشرا و غير مباشر ، مقصودا و غير مقصود على السواء، من بعض المسؤولين الرفيعي المستوى في الأمم المتحدة ، المنظمة التي نضع فيها كامل ثقتنا كلما طلبنا مساعدتها.

لقد أفسدوا بعض رفاقنا و قدموا الرشى لبعضهم الآخر، و ساعدوا بتشويه الحقيقة و حطوا من استقلالنا . كيف لي أن أتكلم بغير هذا. ليس المهم أنا سواء كنت ميتا أم حيا، حرا أم سجينا بأمر الإمبرياليين ، بل الكونغو ، و شعبنا الطيب الذي تحول الاستقلال بالنسبة له إلى قفص ينظر إليه العالم الخارجي من أسواره، بعطف كريم أحيانا ، و ببهجة و سرور أحيانا أخرى. لكن إيماني لن يتزحزح. أعلم و أحس في أعماق قلبي بأن شعبي سيتخلص من جميع أعدائه إن عاجلا أو آجلا، و أنه سيقف وقفة رجل واحد ليقول كلا لذل الاستعمار و عاره و يستعيد كرامته في ضوء الشمس الساطع.

لسنا وحدنا يا عزيزتي فأفريقيا و آسيا و الأحرار في جميع زوايا العالم سيقفون دوما إلى جانب الملايين من شعب الكونغو الذي لن يتخلى عن النضال حتى يأتي اليوم الذي تخلو فيه بلادنا من جميع الاستعماريين و المرتزقة. و أما بالنسبة لأطفالي ألذين أتركهم و قد لا أراهم ثانية أبدا فإنني أحب أن يقال لهم أن على عاتقهم، مثلما هو يقع على عاتق كل  فرد من أفراد الشعب ، أن ينجزوا المهمة المقدسة في إعادة بناء استقلالنا و سيادتنا: فمن دون كرامة ليست هناك حرية ، و من دون عدالة ليست هناك كرامة ، و من دون استقلال ليس هناك أحرار.

لا الوحشية و لا القسوة و التعذيب ستجعلني أطلب الرحمة ، لأنني أفضل أن أموت و رأسي مرفوعا و إيماني مستقرا و ثقتي عظيمة بمصير بلادي من أن أعيش في ظل الخضوع و هوان المبادئ المقدسة. سيذكر التاريخ يوما ما كلمته، لكنه ليس التاريخ الذي يدرس في بلجيكا و باريس و واشنطن أو الأمم المتحدة، إنه التاريخ الذي سوف يدرس في البلاد المتحررة من الإمبريالية و دماها المتحركة. ستكتب أفريقيا تاريخها ، و سيكون تاريخا مجيدا و معززا ، من شمال الصحارى إلى جنوبها.

لا تبكي من أجلي يا زوجتي العزيزة. أعرف أن بلادي، التي تعاني الكثير جدا، ستعرف كيف تدافع عن استقلالها و حريتها.

عاشت الكونغو ! عاشت أفريقيا!

باتريس لومومبا

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here