إثنان ﻻ يشبعان طالب العلم وطالب المال

دكتور/ علي الخالدي
إكتسحت أوساط العراقيين في الخارج موجة الحصول على تقاعد لاسيما بعد صدور تعليمات بإحتساب سنين الغربة القسرية خارج الوطن ، لكن هذه التعليمات يبدو أنها كانت مقتصرة على من له ظهر في أحد اﻷحزاب اﻹسلامية المتحاصصة طائفيا ، (إلا ما ندر ) ، لذا هرع الكثير منهم إلى إستغلال ذلك ، مستخدما محسوبيته وإنتماءه لأحد الأحزاب الإسلامية أو القومية التي فتحت أبوابها على مصريعيها بحجة الإستفادة من خبرتهم العلمية ( أغلبيتهم لا يملكها ) ، مغطية على رغبتها توسيع قاعدتها الحزبية ، فعينوا في دوائر الدولة ما يشبه الموظفين الفضائيين ، مقدمة لهم التسهيلات في إجراءات التعيين ، وغاضة النظر عن الدوام المتقطع للبعض منهم ، بمجرد إبرازهم بين فترة وأخرى لتقرير طبي عن تمارضهم ، لحين إكتمال سني التقاعد التي تحسب معها فترة أغترابة عن الوطن بكونه معارضا للدكتاتورية خافيا من أنه مشمولا برعاية الضمان الإجتماعي في بلد الغربة .
بينما من جهد وإجتهد للحصول على شهادة علمية ومارس مهنته وإكتسب خبرة علمية من مؤسسات الدولة المقيم بها ، إصطدم بموعوقات المتحاصصين طائفيا أثناء عودته مباشرة بعد 2003 للوطن ، فوجد نفسه واقعا في روتينهم النابذ لإستفادة الوطن من خبراتهم العلمية والعملية ، تائها بين تعال بكرة وأحضار كذا ورقة من هنا وهناك ، لحين إقتراب إنتهاء إجازته ، فيهرع ليلد الغربة لمزاولة عمله خالي الوفاض ، متخلصا من إزدواجة التعامل ، نادما على الوقت الذي ضيعه وهو يتلقى من أصحاب القرار الجفاء والقسوة ، ومن مسؤولين جهلة لا يملكوا كارزمة التعامل مع من يملك المؤهلات العلمية . كان نصيب اليساريين وغير المسلمين الحصة الكبرى في تلقي المعوقات التعجيزية التي لم يكن لها أول ولا آخر
فالمحاصصة الطائفية والإثنية وإستشراء الفساد والمحسوبية بين صفوف الأحزاب المتحاصصة أباحت ما لم يكن في الحسبان ، فالكثير من ذوي المحسوبية والمناكب العريضة نصبوا في مواقع سيادية ، ومنحوا حرية قبول هذا ونبذ ذلك بالإضافة لتخصيص رواتب ومخصصات عالية لا تؤهلهم مستمسكاتهم العلمية والعملية الحصول عليها ، وكأن ما قام به العامل الخارجي بإسقاط الدكتاتورية جاء لنصرة الأحزاب الإسلامية والقومية ومحسوبيهم ، فشكلوا طبقة مرتفعة الشأن عن الشعب ، بتسكين معظمهم في قصور وفلل أعضاء أجهزة النظام الدكتاتوري المقبور ، الكثيرين منهم نال إنضم تزلفا إليهم ، بغية الحصول على التقاعد ولم تنقطع مواصلته بإيصال تقاعده وهو في غربته خارج الوطن بطريقة رسمية ليتخلص من الوكيل في الداخل ، معليا صوته مع جوقة ما نعطيها حتى لو كان ذلك ديمقراطيا ، حفاظا على ما تمتع به وقادة نهج المحاصصة ، من مواقع عليا أبعدته عن عامة الناس ، مساهما في كل ما من شأنه تسخير المال العام الذي تراكم لديهم من السحت الحرام لخدمة حملات أحزابهم الإنتخابية وتزويرها وحتى تزييفها لأجل بقاء قيادة أحزابهم وكتلهم على مواقع القرار
لقد غيبوا عن وطني المعرفة ، فألغوا ممارسة كل ما توارثه من ثقافة أدبية وفنية و فنون مسرحية ، تشرح النفس ويعشقها العراقي منذ آلاف السنين ، بعد تربعيهم على مواقع القرار ، فتحولوا الى ناهبين لرزق الشعب دون أن يدركوا الشبع ، بينما واصل من إختار الوطن وإلتزم بالروح الوطنية لخدمة شعبه ، ملتزما بما أملته عليه وطنيته بضرورة التفوق في مجال إختصاصه بدون ملل ضاننا أنه سيأتي اليوم الذي سيُحتاج لمؤهلاته العلمية والعملية .
لكن قطار الحاجة تعطل بتبني قادة الأحزاب الإسلامية لنهج المحاصصة ، فركنوا تحت ظل الزمان ولم يقدموا ما يفيد خدمة الشعب والوطن . فتأخرت البلاد ولم تلحق بمتغيرات اﻷفكار الجديدة التي تسود العالم وأصبح الشعب والوطن آخر الصف ، وهذا ما تريده لنا دول الجوار التي تسعى ليكون وطننا الحبيب سوقا لتسويق منتجاتها اليه ، خاصة بعد أن دمر العامل الخارجي بنيته التحتية ، ولم يفعل قادة الأحزاب المتحاصصة التي وُضعت على قيادة دفة العملية السياسية ما يفيد القضاء على موروثات الدكتاتورية ، وإعادة بناء ما تهدم من بنى تحتية في الزراعة والصناعة ، بل عرقلوا تنفيذ مباديء التغيير والإصلاح ، فساء التعليم والصحة وكل ما يحتاجه المواطن في حياته اليومية ، ومما زاد الطين بلة خلق إلإدمان على المخدرات للبعض من الشباب وطلاب المدارس من كلا الجنسين ( 80% من المخدرات تأتي من إيران الى البصرة كما يقول أحد مسؤوليها) . يجري ذلك في أجواء مواصلة نشر محسوبي الأحزاب الطائفية ، في دوائر الدولة الإدارية والأمنية منذ الوهلة الأولى لإسقاط النظام الدكتاتوري ، مُمعنين التنكر وعدم الإستجابة لنداءات الجماهير الشعبية المهمشة ، وبمطاليبهم العادلة ، بإعتماد أﻷفكار المستمدة من الظروف الذاتية والموضوعية السيئة التي سببوها للشعب والوطن ، بتبني طريق الوصول لبناء المجتمع المدني الديمقراطي الذي تنشده الجماهير والذي يستلزم سن قانون من اين لك هذا ، ليضع حد لمواصلة عدم شبع الميسورين من سرقة المال العام بالسحت الحرام

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here