لغتنا العربية واللغة الانكليزية

(*) د. رضا العطار

اذا فرضنا ان صبيين في سن واحدة شرعا يتعلمان . احدهما الانكليزية والاخر العربية دون ان يكون لاحدهما معرفة سابقة باللغة التي سيتعلمها. فان الصبي الذي سيتعلم الانكليزيةلا يحتاج لاكثر من ستة اشهر كي يتكلم ويقرأ ويكتب هذه اللغة. على طريقة اوجدين. اما الصبي الذي سيتعلم العربية فانه يحتاج الى ما لا يقل عن خمس سنوات. اي عشر امثال على ما يقتضيه المتعلم للغة الانكليزية.

وكي نفهم هذا الفرق يجب ان نذكر بعض العقبات التي سيلاقيها متعلم العربية ولا يلاقي مثلها متعلم الانكليزية. فاول ذلك ان حروف الكتابة تزيد عندنا على مئة حرف, لان لكل حرف شكلامعينا يتبع موقعه في اول الكلمة او في وسطها او اخرها. اما في الانكليزية فالحرف لا يتغير بتغيير موقعه في الكلمة.

وفي لغتنا يجب ان نميز الجنس, فنعرف ان الكرسي مذكر والشمس مؤنثة. اما الانكليزية فلغة غير جنسية ومتعلم الانكليزية يعرف ان الواحد مفرد وما زاد عليه فجمع, اما متعلم العربيةفيجب ان يعرف ان ما زاد على واحد قد يكون اثنين, فهو ليس مفردا ولا جمعا. بل هو صيغة خاصة تحتاج الى قواعد خاصة.

وقد كانت صيغة المثنى قائمة في الانكليزية ولكنها الغيت. والصبي الذي يتعلم الانكليزية يستطيع ان يعبر عن العدد من واحد الى الف بسهولة, اما في العربية فالصبي يحتاج الى شهورلكي يدرس قواعد العدد.

والصبي في الانكليزية يجد قاعدة واحدة للجميع. وعندهم شواذ قليلة جدا. اما في العربية فعندنا جمع التكسير قواعد لا تحصى. بل يكاد ان تكون لكل كلمة قاعدة. والمعرفة التامة لجمعالتكسير تحتاج الى العمر كله ولو كان مئة سنة.

وكل كلمة انكليزية آخرها سكون. ولكن الاعراب في لغتنا هو لعبة بهلوانية للذهن واللسان. ولن نحسنها الا بعد ان نربي عضلات قوية تستجيب بسرعة، وكثيرا ما راينا ان القارئ الذي يلتفتالى الاعراب, لا يفهم ما يقرأ وهو يعرب.

ومشكلة الهمزة في لغتنا ليس لها نظير في اللغة الانكليزية، كما اننا يجب ان نعرف الفرق بين الالف المقصورة والالف الممدودة. والمتعلم للانكليزية لا يجد مثل هذه المشتقات. واكثرمن ذلك حركات الحروف في الكلمة الواحدة التي ربما تتألف من ثلاثة حروف. ولكن يمكن ان تُنطق على اثنى عشر شكلا مختلفا كي نحفظ لكل كلمة شكلها. اما الذي يتعلم الانكليزية فلا يحتاج الى هذا, لان الحركات قد صارت حرفا في صلب الكلمة.

وهناك قواعد اخرى للمترفين في اللغة العربية, كالتنوين والتصغير. يحتاج الذي يتعلم العربية الى شهور لدرسهما. اما متعلم اللغة الانكليزية فلا يحتاج الى شئ من هذا.

ثم يجب ان الاّ ننسى بعد كل هذه المتاعب ان الصبي الذي يتعلم الانكليزية سيجد ان ما تعلمه يخدمه في الكلام والكتابة. ولكن الصبي الذي تعلم العربية يحتاج الى ان يعرف اللغة الدارجةللكلام, ثم اللغة الفصحى للكتابة, وهذا مجهود آخر.

ليست اللغة سوى وسيلة للفهم والدرس, واذا كانت تحتاج الى سنوات طويلة لدراستها فان هذه السنوات محسوبة علينا. وهي مقتطعة من عمرنا, في الوقت الذي كان من الممكن ان نرصده لدراسةمختلف العلوم والفنون والاداب بدلا من ان نضيعه في دراسة النحو المعقد الذي لا طائل منه. ان ذلك الصبي المسكين الذي يقضي عمره في دراسة اللغة هو بمثابة ذلك الذي يكد طيلة عمره لشراء آلة للغزل او النسيج, حتى اذا اشتراها لم يغزل ولم ينسج لان اللغة آلة. ولا يمكن اننفرح بأقتنائنا الالة ما لم نستخدمها.

واذن يجب ان تكون الغاية من دراسة اللغة هو التعبير عن علم الجيولوجيا او الطبيعيات او الرياضيات او التكنولوجيا …الخ . اما اذا كانت دراستها لاتؤدي الى هذه الغاية فهي عقيمة, وهي لن تؤديها ما دامت كثيرة القواعد والشذوات. وما دامت تحتاج الى السنين الكثيرة والجهد العظيم لدراستها. لان هذه السنين الطويلة وهذا الجهد الكبير يجب ان ننفقها في دراسة اسرار هذه الارض التي نعيش عليها, من ناسه, حيوانه, نباته, مواده, حضارته, علومه, آدابه ومستقبله.

واذا كان عالم اللغة الانكليزي – اوجدين – قد احتاج الى 18 فعلا فقط لكي يصل الى التعبير عن الحاجات المألوفة في اللغة الانكليزية, فأننا يجب ألا نفخر بان عندنا 10000 فعل. لانهذه الكثرة ليست وفرة الثراء وانما هي زحمة واختلاط.

اذن يجب ان نتجه نحو التيسير لا التعسير في تعلم اللغة العربية. نقنع بأقل ما يمكن من القواعد ونرفض كل ما يمكن من الشذوات. ونختار من هذه الالوف من الكلمات نحو الف كلمة للتعبيرالدقيق في العلم والادب والفلسفة. ونؤلف من هذه الكلمات لصبياننا كتبا في الابتدائية, ثم نرتقي من هذه الكلمات الى غيرها ولكن مع الحرص على ان تنجنب الكلمات السائبة التي يغمض معناها, لانها تضلل بدلا من ان ترشد.

وربما يكون من الحسن ان نميز بين القارئ والكاتب في تعلم اللغة العربية. فاذا كانت الغاية من التعلم هي القراءة فقط. فاننا نستطيع ان نصل الى ذلك بلا قواعد نحوية. وجمهور الامةيقرأ ولا يكتب. ثم نقصر تعلم القواعد بعد التيسير على الذين سيكتبونها. وليس لهذا التمييز شبيه في لغات العالم المتمدن، ولكن لغتنا شاذة في صعوبتها. نحتاج الى اجراء شاذ لمعالجتها.

* مقتبس من البلاغة العصرية واللغة العربية لسلامه موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here