لم يعُد للعراقيين أمام الفاسدين الا الله…فهل لازال الله موجوداً….معهم..؟

د.عبد الجبار العبيدي
—————————————————
نحن لا نشك بالقدرة الآلهية .. ولا بوجودها كخالق ومراقب للكون .. لأحقاق الحق بين الناس كما في قوله تعالى : “أنه الحق” ..لكن بدأنا نشك ان ممثليه على الارض قد خانوا امانة النص وانحرفوا عن الصراط المستقيم…فأين الله ..منهم ..هل سيمحقهم ..كما محق الغابرون ..؟
ان القصص القرآنية التي وردت بأزمان مختلفة هي من الجزء المتغير..أي من تراكم الاحداث الأنسانية بعد وقوعها،وقد جاءت من وحي أمام مبين ، وليس من اللوح المحفوظ..أي جاءت من أرشيف الاحداث التاريخية ، وليست من نص ألهي مبين ..محمد شحرور- الكتاب والقرآن ص670 ..كلها جاءت على سبيل العضة والأعتبار..لبني الانسان ليس الا ..؟
القرآن يقول عنها :” نحن نقص عليك نبأهم بالحق،الكهف 13″،ويقول : “ان الحُكمَ الا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين،الأنعام 57..” أي انها تعطي خط تطور التاريخ بالمعرفة والتشريع..أي التفاعل الأنساني مع الوجود الآلهي والكوني بالعقيدة .. والتشريع بالسلوك.هذا الطرح القرآني العظيم يربط جدلية الماضي بالحاضر، وكأن الامر مستمرا رادعا لكل باطل وفي اي زمن جديد..فهل هذا الطرح الآلهي لازال موجودا الى اليوم لنرى الله فيه مراقبا ومنفذاً ضد الظالمين..؟ ليكون أيماننا بالكتب السماوية. كمعجزات آلهية..وأدلة علمية لنرى ان الله معنا في كل حين ..؟ فلسفة في غاية الاهمية يجب ان يتعلمها العرب والعراقيين.
من دراسة النص المقدس نرى ان لغته جاءت كنظام متقن لربط الكلمات لتعطينا وصفا تطوريا ووصفا تزامنياً عميقاً ، ليفهم البشر بأن الله هو راعيهم وحافظهم من كل سوء، وليس في الدنيا التي خلقها أمر لا يُعرَف ولا يُقرن الا به فهو الراعي للحق:كما في قوله:” ويحق الله الحق بكلماته،يونس 82″. وقوله :”وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما الا بالحق،الأحقاف 3″. وهذه نظرية ثابتة انه القادر القديرالذي يستطيع ان ينفذ كل أمر مخالف لقوانين السماءكما في قوله:”انما أمرهُ اذا أراد شيئا ان يقول له كن فيكون،يس 82″.فأين الله مما يحدث اليوم للأنسان العراقي والعربي من ظلم وحيف كبير..في أمةٍ ظلمها جملة من الظالمين..وهل من يحكمون الوطن اليوم يؤمنون بالنص المبين …؟.
في الصياغةالقرآنيةالعربية تظهرقمة الجدل الداخلي بين الحقيقة المطلقة والفهم النسبي الأنساني لهذا الوجود في مرحلة معينة..وهو يمثل قمة الاعجاز القرآني متمثلا في النص. وحين حوى القرآن الحقيقة المطلقة اطلق على ما ورد في النص انه الحق.
2
نعم ان القصص القرآنية من أنباء الغيب لكن الله اراد بها ليُعلم الانبياء انها عضة واعتبار لمن يخالف الحق كما في قوله تعالى:”تلك من أنباء الغيب نوحيها اليك ما كنت تعلمها،هود 49″.
نفهم من النصوص المقدسة ان نبوة موسى (ع) هي التوراة ورسالته الكتاب والفرقان كما في قوله تعالى:”وآتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون،البقرة 53″.. ونبوة عيسى(ع) الأنجيل ورسالته الكتاب والحكمة ،وهي تكملة لرسالة موسى وقد جاء التصديق للرسالتين في الآيات البينات..ورسالة محمد (ص) كانت الذِكرلقوله تعالى:”انا نحن نزلنا الذكرَ وانا له لحافظون،الحجر، 9″.وهو كتاب أحكمت آياته هود1″ ويعني ان ما جاء به تصديقا للحق..وتنفيذا له..وليس لقراءات التجويد التي يطرب عليها السامعون..اذن انه الدستور الذي يجب ان لا يُخترق…ولا يوحى منه مالم يكن فيه بنص صريح..
ان هذا الذي جاء في القرآن …جاء في الكتب السماوية الاخرى الزبور والتوراة والأنجيل ..مصدقًا لما بعده،انظرالكتاب المقدس..للعهدين القديم والحديث الطبعة الخامسة لكتاب الحياة سنة1994.دائرة المعارف العالمية .
نقول امر الله آدم لينزل الى الأرض عقابا له بعد ان أكل من الشجرة المعونة وخالف النص..الاسراء آية 60.وبعدها قتل قابيل هابيل وهما أول أبنين من نسل آدم وحواء..فتقبل الله من هابيل قربانه،ولم يتقبله من قابيل دلالة على عدم الرضا بالأعتداء وهي اول جريمة قتل حصلت على الارض في التاريخ..أنظر سورة المائدة 27-30…وقتلَ داود جالوت عندما طغى واستكبر..وأورث الحكم له من بعده،البقرة249-251.وجاء الامر تنفيذا لقول الحق دفاعا عن المظلومين..والا كيف سرت النبوات والرسالات عبر الزمن..؟
وحينما بدأت ايات السماء تنزل الى الارض كانت في عهد نوح..وهو بداية الاسلام وأستمرت حتى مجيء محمد (ص)..كما في قوله تعالى:”انا اوحينا اليك كما أوحينا الى نوح والنبيين من بعهد..النساء 163،ومجمل رسالة نوح هي …الأنذار…
الى قومه ان لم يكونوا مصلحين ،كما في قوله تعالى:”انا أرسلنا نوحاً الى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم،نوح1″.في عهده تعلم الناس ركب الماء وأجتياز العوائق..وبناء الكهوف ،لكن حينما رفض قومه النصيحة والأنذار اغرقهم الله وفتح عليهم جام غضبه :لقوله تعالى :”ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر..” وحيمنا تأخر ولده عن ركب السفينة وطلب نوح من الله نجاته معه.. قال الحق:”ولا تخاطبني في الذين ظلموا انهم مُغرقون ،هود37 ،أي لا نجاة للظالمين حتى ولو كانوا من الأقربين.فأين نحن اليوم من هذا النص المبين ..؟
ومن بعده جاء داود وفي عهدة نزل كتاب الزبور الذي لا زال مفقودا الى اليوم..والخوض في هذا المجال واسع لا يسعه مقال او بحث..لكن مع الاسف ان غالبية الفقهاء قد اسهبوا فيه اسهابا مملاً لا ينم عن فائدة ربانية للناس ،لكنها حققت الانسانية قفزة اخرى حين سخرت لهم الأنعام التي منحتهم العيش الرغيد والسفر

3
والترحال الى حيث يقصدون لقوله تعالى:” واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون*أمدكم بأنعامٍ وبنين،الشعراء132-133″.
وقبلهم أهلك عاد وثمودا فما أبقى، أو مدين ،لقوله تعالى:” ألم ترى كيف فعل ربك بعاد أرمَ ذات العماد،الفجر 6-7″.والارم هي الأصل ومنها جاء مصطلح الأرومة،وليس فروعها.وكانت رسالة الله الى هود التوحيد واحقاق العدل بين الناس كما في قوله:”والى عادٍ أخاهم هودا قال ياقوم،أعبدوا الله مالكم من آله غيره ان أنتم الا مُفترون،هود50″.وناداهم باسم الآله:”أني أخاف عليكم عذاب يومٍ عظيم الاعراف59″.
وقصصٍ اخرى كثيرة كغرق فرعون ..ونجاة ابراهيم من النار.. وأنقاذ أهل الكهف من الموت..كلها تجسدت فيها رسالات السماء لتطبيق مبادىء الحق والعدل بين الناس..وتعتبر الوصايا العشر التي وردت في الكتب السماوية قمة الأنذار العدلي للناس في تجنب الباطل والزور والخيانة والظلم لبني الانسان أجمعين..وأختتمها القرآن بالنص المقدس :” ومَن يبتغِ غير الأسلام دينا فلن يقبلَ منهُ وهو في الاخرة من الخاسرين،آل عمران 85.
الانبياء الذين وردوا في القرآن 24 نبياً ورسولاً منهم11 نبيا و13رسولاً..وكلهم وردوا في سورة الانعام والانبياء والشعراء ومريم والصافات..الأنبياء جاؤا بكتب..اما الرسل فجاؤا بكتب ورسالة محكمة التطبيق…وكل منم له مكانة خاصة عند الله لاستجابتهم للعدل الآلهي .
نعود للاحداث التاريخية التي نفذها الله بقدرته في الرومان والفرس والمغول رغم عددهم وعدتهم حتى ابقاهم هباءً منثورا..لظلمهم للناس اجمعين..ولا زالت اثارهم باقية الى اليوم تحاكي الزمن..
نحن لن نعاصر احداث التاريخ بل قرأناها بحثا من اخرين وقد تصدق اولا تصدق ..لكن لكونها جاءت بنص قرآني مبين فنحن امامها ساجدين..ولان القصص القرآنية جاءت بتأكيد آلهي فهي ليست من اساطير الآولين كما يتهمها البعض…من الملحدين.
فهل ما عمله المرافقون الخونة للاحتلال الاجنبي لعراق العراقيين في 2003 وكل من وقف بجانبهم دون اعتراض لتدميروطنهم ..وضياع حقوقهم وخيانة للثوابت الوطنية يقل اهمية عن كل هؤلاء الظالمون الذين جاء ذكرهم في كتب السماء كمجرمين..هذه مسألة يقدرها المعاصرون اليوم لظلمهم الوطن دون تحديد.
ان الذي حدث لعراقنا العزيز هو أتفاق جرى في مؤتمر لندن عام 2002 بين الكيانات العربية والكردية والتركمانية وغيرها..ان يكون العراق ممزقا منهوبا بينهم دون شفاعة من احد..بعد ان شكلوا الحكومة العميقة التي تدير الخراب والتدمير منهم جميعا..وهذا الذي نراه اليوم.
لقد بينَ الله لنا.. ان الاسلام ليس كتابا او ايات تقرأ على الناس ..بل هي توجهات ترتبط بالمنطلقات لتحديد المسار الحياتي لتحقيق العدالة بين الناس ، وهوقانون تغير الصيرورة (التطور) حيث تكمن عقيدة التوحيد ، والقرآن هو الأطار المرجعي في التطبيق. لذا فالقرآن ليس قديما بالمعنى الزمني ، بل حديثا بالمعنى
4
الوصفي والتطبيقي ..لأنه صالح لكل زمان ومكان..بعد ان أنطلق خط السير العام لتطوره من ادراك المشخص المحسوس الى المجرد الملموس ، ولا يمكن ان يكون هكذا الا اذا كان نصه ثابت ومحتواه متحرك ليتلائم مع التطور التاريخي في الحياة ، أي مع صيرورة الزمن..
وقد يكون من المناسب ان نلاحظ ان التقوى والوقايات الآلهية من الأنحراف مع التنامي والتزكي يكون مآلها الفلاح..بينما الخيانة ونكران الحقوق وسرقة اموال الناس يؤدي الى الخيبة والتدمير..وهذا بالضبط ما يحصل اليوم بين من يحكمون الوطن والناس..ولكي يبقى الامر في كيفية تحقيق النصر على الظالمين ..يتحقق الوعي التاريخي للمجتمع والأستيعاب لهذا الوعي وتجاوز المحن والثبات على الصبر ضد من يتجاوز على الحقوق..فالسياسي الحاكم الظالم الذي ذاق طعم السلطة تكون السياسة قد اعمت بصره وبصيرته ،وضللت ذهنه وفكره،وملئت قلبه وجوارحه واحساسه بالقسوة ،وجعلته يرتكب جرائم لا توصف..كما حصل للعراقيين عبر التغيرات السياسية بين 1958-2003 وما يحدث اليوم في الاوطان التي نسميها بالاسلامية …وما دروا ان عهد السيف والسبايا وما ملكت أيمانهم قد أنتهى زمنيا دون رجعة..فهل يعقلون ..؟
ان المشكلة في الوطن العربي والعراقي هو اختراق الدساتير واهمال القوانين وفقدان الغيرة والحمية على الأوطان .حتى عادت فارس تهددنا بالاحتلال مرة اخرى لتعود زيزفون عاصمة للساسانيين ..ولكن ما دروا ان هذا مقتلهم…لذا أصبحت الشرعيتين الدينية والسياسية ..هي مسألة عنف وقسوة وغدر وغش..من قبل من يحكمون ، وهذا ما ينبغي ان نذكره دائماً..حتى لا نصيب الاسلام والمبادىء الوطنية بأذى ونلحق بهما شرور الناس..فالحكومة ومجلس النواب والرئاسة العليا ماهم الا طبقة من الأكليروس متفقين سلفاً في قتل وطن وليسوا رواد وطن؟ والا هل عرف الشعب ماذا وقع برهم صالح مع من زارهم من المجاورين..عليه ان يصارح الشعب بما عمل ووقع.زفهو الذي اختاره رئيسا للعراق وهو حامي الدستور وواجب عليه مصارحته في السراء والضراء ولا يتبع اسالب السابقين في السكوت والتغليس.. َ،فالوطن ليس مزرعة لمن لا يؤمنون به كما صرحوا سابقين.. وسمعناهم بآذاننا في دار السلام بواشنطن ..فهل ظَلمة المنطقة الخضراء يعلمون…..وان الله ليس بغافل عما يعمل الظالمون..؟
ندعو الله ان لايغيب عنا ولا ينسانا .. ولا يفرق بيننا وبين الماضيين ..وان لا يعفو عمن ظلم ..فالعفو عن الذئاب عقوبة للخراف.. وأخيراً…
ندعو الكُتاب والمثقفين الثبات على الصبر والحق…والى التوعية على الصحيح..وان لا يغريهم الذهب الأصفر والجاه المزيف وقوانين فُرقة المواطنين لأنهم هم المسئولون عن الظلم أذا سكتوا عنه ..ويصبحوا الاسرع في الخيانة الوطنية …لأنهم الأقدر على تبريرها…كما حصل لبعضهم حين ساندوا ظلم الظالمين …واليوم هم نادمون..لكن الندم لا ينفع على فراش الموت النادمين..فالأوطان لا تُخان ..والقلم هو سرالحق وبه علمنا الله الصراط المستقبم كما في قوله تعالى:..نون والقلَم وما يَسطرون…..ولا تطع كل حلافٍ مهينٍ… هَمازٍُ مشاءٍُ بنميم …مناع للخيرٍ…معتدٍ أثيم،سورة القلم..؟ فآياكم وخيانة الوطن التي جعلت من
5
ابي رغال خائن مكة ان ترميه الحجيج بالحجر في كل عام مادمت الدنيا باقية والامم تدعوا للضمير…….يارب العزة..
هل الذي فعلته ثمود فجعلتها فما بقى اكثر مما فعله المرافقون والمخططون للتدمير .. من باعة الوطن ونهب اموال الناس بالباطل وقتل شبابهم وتهجيرهم دون ذنب .. لتجعلهم مؤمنين..فالهروب منهم لن ينفع الهاربين ..نحن أكيد اليوم بأنتظار الصور….لنؤمن بأن الله وآياته حق حامية للمظلومين..
هؤلاء الكفرة الذين نسوا المظلومين من السجناء وتركوهم بلا تحقيق..والذين تركوا المهجرين والنازحين بلا ماء ولا طعام في قسوة البرد الشديد ..وتركوا المرضى بلا علاج لتربح وزيرة خائنة اموال المواطنين وتركوها بلا مسئولية التقصير.. واليوم يطلبون الشكر.. ويفعلون الشر..ويتوقعون ثواب الخير وهم للخير معاندين ..انهم قوم مسرفون..لن يبقَ لنا غيرك يا آله الرحمة ان تمحقهم كما محقت السابقين..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here