اقدم الحضارات العربية الاسلامية في التاريخ ! ح 11

* د. رضا العطار

وقبل ان يعمد الخليفة الاموي عمر بن عبد العزيز الى نقل مدرسة الاسكندرية الفلسفية الى انطاكيا بوقت طويل كانت موجة عارمة من الترجمة قد اجتاحت بعض الكنائس، واذا بأولئك الذيندأبوا قبل الاسلام على ترقية العناصر الرئيسة في الثقافة اليونانية وعلى نشرها في اتجاه شرقي وبثها في مدارس الرها ونصيبين وحران وجندسابور يعملون الان على نقل هذه العناصر الى قرّاء اللغة العربية.

وقد تم نقل العلوم اليونانية الى العرب عبر خمسة وسائل:

1 – السريان الشرقيون، المعلمون الاوائل الذين نقلوا العلوم الطبية

2 – السريان الغربيون ، الذين ادخلوا الافلاطونية الجديدة والتصوف الى العالم العربي

3 – مدرسة جنديسابور الفارسية

4 – مدرسة حران التي امتزجت فيها البابلية باليونانية

5 – اليهود الذين اخذوا الطب عن السريان الشرقيين

لقد بذل هؤلاء اقصى جهدهم في الاحاطة بالتراث اليوناني فكانوا يجوبون الاقطار سعيا وراء الكتب التي وقعت تحت ايديهم ، مثلما حدث مع حنين بن اسحق في بحثه عن كتاب البرهان لجالينوس. اذ انهم كانوا يذهبون بانفسهم الى بلاد الاغريق يتعلمون لغتهم ويتصلون بعلمائهم وادبائهم ويدرسون علمهم وفلسفتهم ثم يعودون الى بلادهم مزودين بكل ذلك ليلقنوا أبنائهم وتلامذتهم في المدارس وليترجموا منها ويؤلفوا بالعربية.

وكانت لهم طريقتان في الترجمة:

الاولى: طريقة يوحنا بن البطريق وتسمى بالترجمة الحرفية، لكن هذه الطريقة كانت مشوبة لانه لا يوجد في الكلمات العربية كلمات تقابلها جميع الكلمات اليونانية ما كان يؤدي الى ادخالالكثير من المفردات اليونانية الى اللغة العربية وجعلها على حالها

والثانية : طريقة حنين بن اسحق وهو ان ياتي الى الجملة فيحصل معناها في ذهنه ثم يعبر عنها في اللغة الاخرى بجملة تطابقها سواء سادت الالفاظ ام خالفتها. وقد اعتبر ت هذه الطريقةاجود من الاولى.

ومهما يكن الامر فان المحطة السريانية، لا اليونانية، هي التي انطلق منها العرب والمسلمون في نهضتهم العلمية، فغالبية المؤلفات اليونانية لم تعرب من لغتها الاصلية. ويمكن القولان كل صعوبات التعريب من اللغة اليونانية الى العربية تم تذليلها بحسب نماذج الحلول المعتمدة وهذا يؤول الى حقيقة ان دور هؤلاء لا يمكن حصره في النقل بل هو بدلالاته الواسعة والمتنوعة. نقل للأرث الفكري الاجنبي كما فهمه ابن الشرق وكما اوّلوه بمضمونه واسلوبه ومصطلحاته. فان اثر الحضارة العربية والاسلامية بديناميتها المتحول سريعا كان فاعلا ومميزا للمسيحية العربية. ان الاطار الثقافي والاجتماعي العام في كنف الدولة العربية الاسلامية الحديثة البالغة القوة والاتساع قد وفّر فرصة لم يسبق لها مثيل بين شعوب وجماعات بشرية متنوعة الاعراقوالمعتقدات واللغات ذات تجارب ثقافية غنية بحيث غدا اطارا متسارع التحول والتفاعل يعبر عن تراثه باللغة العربية الجامعة للمسلمين من غير العرب وللعرب من غير المسلمين التي حملت بهذا الثراء والاتساع كل سمات اللغة العالمية.

* مقتبس من كتاب الحضارة السريانية حضارة عالمية لموسى مخول.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here