تقرير: أبناء البشرة السمراء أنموذج للتمييز العنصري في العراق

يعاني شريحة ذوي البشرة السوداء في العراق من تمييز عنصري ونظرات دونية وتهميش سياسي، بعد اغتيال قائد حركتهم السياسية في البصرة قبل أعوام بحسب تقرير نشره مشروع “تصالح” المدعوم من منظمتي MICT و CFI.

وذكر التقرير الذي أعده الإعلامي “محمود المنديل” من بغداد أنه، في غرفة قليلة الاناره شبه معتمة يجلس “عبد الحسين” وبجانبه ولده الوحيد “جواد” الذي لم يتجاوز عمره الثامنة وهو يتحسر عليه والذي هو المفروض في هذا الوقت يكون في المدرسة يدرس ويلعب مع اصدقائه لكن لون بشرته حرمه من الدراسة.

“ظلام التاريخ ومأساوية الواقع وضبابية المستقبل المجهول”، هکذا عبر عن معاناتهم، منذ وطأت أقدامهم ارض مدينة الرحمانية في الشعلة ببغداد التي تسكنها غالبية قروية كانت قد قدمت الى العاصمة من ميسان، وأطلق عليهم “السود” أو “العبيد”.

واستطرد “عبدالحسين” المزيد من المواقف تحت عنوان “بيننا وبينهم فروق في كل شيء”، مضيفا أنه كان يسمع جارتهم تقول لزوجها “جيراننا الجدد عبيد”، ولم يكن يعرف ماذا تعني كلمة “عبيد” وفي ما إذا كانت تدل على شيء مهين أو ينصرف الى وضع اجتماعي أدنى، وعند عودته الى البيت سأل والده عن معنى هذه الكلمة الغريبة فقال ان بعض الناس وسكان المناطق الجنوبية على وجه الخصوص يعتقدون بأن السود “عبيد” اي مملوكون لغيرهم ويعملون خدم في بيوتهم ويأكلون من فضلاتهم ويلبسون ملابسهم القديمة .

لكن المفارقة التي تحز نفس “عبدالحسين” هي عدم انتمائهم الى طبيقة “العبيد” في أي وقت من الأوقات، لكنه دفع هو وعائلته ثمن الاحتقار الاجتماعي، مبينا أنه عندما كان في الثالث الابتدائي ، كان معلموه يعاملونه باحتقار مع انه كان متفوقا دراسيا.

وذكر أحد وجهاء العشيرة “أبو مبارك” أن الناس يطلقون عليهم عبيد وعندما يحتجون عليهم يقولون “كلنا عبيد الله ولماذا تنزعجون “.

وبالعودة الى “عبد الحسين” الذي قال ان هناك تسميات أكثر ايلاما للنفوس ومنها “الصخول” او “بيت ابو فسيوه” و”ابو الليل”، مشيرا الى رفض عوائل تزويجهم ابنتهم لشقيقه وقالوا لعائلته عبارة ما تزال ترن في ذاكرته وهي “انتم وين نحن احرار”.

وينص الدستور على أن العراقيين متساوون أمام القانون “المادة 14” إلا أن القانون لم يعالج التمييز على أساس لون البشرة وفي السوابق القضائية تمت إحالة إحالة بعض القضايا الخاصة للإساءة والتشهير وفق المادة 334 من قانون العقوبات وفقا لبعض الدراسات تعود أصول ذوي البشرة السمراء الى الزنوج، القادمين من بلاد الزنج، واسمها باللاتينية Zingium، والتي تعني أرض السواد، ويقصد بها إفريقيا الشرقية وقدموا الى أرض الرافدين من القرن السابع الميلادي، وتتمركز هذه الفئة في البصرة وميسان وذي قار، اضافة الى تجمعات قليلة منهم في بغداد وواسط، و تتراوح أعدادهم من 500000 نسمة حتى المليون نسمة بحسب التقديرات، ويتبعون المذهب الشيعي ويتحدثون باللغة العربية باللهجة العراقية الجنوبية.

ورغم تجريم العبودية في العراق عام 1924، في عهد الملك فيصل الأول، إلا أن نظرة الاحتقار بقيت تلاحق السود بحسب المختصين، فلم يتمكن أطفالهم من دخول المدارس الحكومية حتى العام 1960، ولم يسبق لعراقي أسود أن تقلد منصبا رفيعا في الحكومة، كما لم يكن لهم ممثلون في مجالس المحافظات أو في البرلمان العراقي، فبقوا يشغلون وظائف خدمية في المطاعم والمصانع وغيرها، و على الرغم من ندرة حالات الزواج والمصاهرة بينهم وبين البيض، فإنها وإن تمت ستسفر عن مواليد يطلق عليهم اسم “المولدين” الذين لا تقل نظرة الازدراء تجاههم حدة عن تلك التي تلاحق أسلافهم.

السود العراقيون سياسيا

يعود أقدم تحرك سياسي للسود في بلاد الرافدين إلى الفترة ما بين القرنين السابع والتاسع، حين قاموا بثلاث انتفاضات، أكبرها وأشهرها ما يعرف بـ”ثورة الزنج” بين عامي 868 و883 م، بقيادة علي بن محمد، قادت إلى تأسيس حكم ذاتي سياسي، وبروز عاصمتهم (مدينة المختارة)، التي حاصرت المدن في الجنوب، منها البصرة، وحل الدمار والخراب وقتل الآلاف نتيجة هذا التمرد، ومنه جاءت عبارة “بعد خراب البصرة”، وقد أُنهي التمرد نهائيا في سنة 883، بسحقه من طرف السلطة العباسية، التي عادت لتفرض سيطرتها في المنطقة، وكعقاب على تلك الانتفاضات، تم تشتيت وتوزيع السود بين العوائل والعشائر لطمس هويتهم وقتل روح التمرد فيهم.

وعبر هذا التاريخ الطويل المنسي، لم تقم لهم قائمة، فعقوبة ثورتهم كانت موجعة، اضعفتهم وشتت شملهم، حتى بعد سقوط النظام العراقي السابق في عام 2003، حيث ظهر مارتن لوثر كينغ البصرة “جلال ذياب”، الذي تزعم قيادة المجتمع الأفرو-عراقي، فتم تأسيس “جمعية أنصار الحرية الإنسانية” على المستوى المدني الاجتماعي، وتبلورت رؤيته السياسية بين عامي 2005 و2007 لتتأسس “حركة العراقيين الحرة” وهي حركة مدنية علمانية خاصة بالسود تحذو حذو حركة الحقوق المدنية الأمريكية لإحقاق العدالة والمساواة ورفع التمييز العنصري، والاعتراف بوجودهم وحقوقهم كأقلية والخوض في المضمار السياسي.

وانتهت هذه النهضة السياسية للسود العراقيين بمجرد اغتيال قائدهم، فقد تم اغتيال جلال ذياب في 26/04/2013 في البصرة، وأخمدت بذلك الحركة وانطفأت شعلتهم، إلا أن السود العراقيين حافظوا على موروثهم الفلكلوري الموسيقي والثقافي وساهموا في إغناء الثقافة العراقية

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here