في غياب الزبدة

الهام حسين في 22-11-2018
من بديهيات الحياة إعطاء الامور قيمتها الحقيقية، وإعطاء الاشخاص حق قدرهم من اولويات العيش السليم والا صارت الحياة فوضى عارمة وتساوى الذهب والخشب وصارت قيمتهم المادية نفسها، وتساوى العالم والجاهل وتبادلوا المناصب.
على مدى أجيال عديدة والشعب العراقي يستنزف خيرة شبابه أما في الحروب المتتالية أو بالهجرة الى الدول القريبة المستقرة نسبياً أوالى الدول الاوربية وامريكا طلباً للامان والعيش الكريم. لقد عانى الشعب العراقي معاناة لم يعانيها أي شعب آخر بنفس القسوة، إذا أمعنا النظر للفترة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى هذه اللحظة أي فترة 73 سنة الماضية، نجد أن الشعب العراقي لم يتمتع بحياة مستقرة وآمنة إلا بسنوات معدودة جداً تم فيها تشجيع العلم والعلماء والادب والادباء وإنتشر الرخاء جلياً وواضحاً في شتى مناحي الحياة وهذه الفترة هي التي يطلق البعض عليها الماضي الجميل، وهذه السنوات بالتحديد هي بضعة سنوات في العهد الملكي تخللته عدة إنتكاسات سياسية مهمة كثيرة لا مجال لذكرها الان ثم سنتان في العهد الجمهوري بعد ثورة 14 تموز تم فيهما تشجيع العلماء والكفاءات وإزدهرت في هذه الفترة الحياة وأنجزت مشاريع إستفاد منها غالبية الشعب العراقي ثم سرعان ما تكالبت الضباع من داخل العراق ومن خارجه لتنهش في جسد هذا التقدم الجلي، ثم حدث استقرار أمني آخر ونسبي في منتصف السبعينات عندما تدفقت كميات كبيرة من العملة جراء ارتفاع اسعار النفط. ثم تبعتها سنوات قحط وجدب وحروب وملاحقات مخابراتية للشباب والى الكادر المتقدم في الدولة بحجة عدم انتماءهم للحزب الحاكم مما حدى بالالاف المؤلفة من خيرة الشباب ذوي الدراسات العليا والخبرات الطويلة بمغادرة البلد طلباً للأمان والخلاص من الضغوط النفسية، ثم نأتي على فترة ال 15 سنة الاخيرة بعد الدكتاتورية وما آلت اليه حالة البلد بعد التفجيرات المجنونة التي طالت البشر والحجر وكذلك تسلط حكم المحاصصة والتركيز على أهمية الانتماء الطائفي وما جره على البلد من ويلات وازداد عدد المهاجرين ليصل الى رقم قياسي لم يشهده شعب آخر في التأريخ. ومن ما سبق نستخلص أن العراقيين لم يروا استقراراً دام طويلاً في ال 73 سنة الاخيرة، ليكون كافياً لتحقيق التطور المطلوب لبناء بلد قوي مستقر ومتقدم.
ان نقص الايادي الفنية والمتدربة وتداعياتها المأساوية في كل مناحي الحياة ظاهرة للعيان فنرى المستوى التعليمي قد انخفض واصبح من ضمن أسوأ نظام تعليمي بالنسبة لبقية الدول كما أعلنته المنظمات المعنية، الكوارث الطبيعية والبيئية المتتالية إزدياد حالات الاصابة بالسرطان لدى الاطفال وازدياد التشوهات عند المواليد الجدد، نفوق الاسماك بالالاف تبعها نفوق الدجاج بالالاف، في كل العالم هنالك سيطرات نوعية تحدد الشروط التي يجب مراعاتها والضوابط التي يجب اتباعها ومن لا يتبع هذه الضوابط تتم معاقبته والقوانين ملزمة للجميع، أين نحن من هذه السيطرات النوعية والتي لا تهاب العصابات المنفلتة وعندها الجرأة بمعاقبة المخالف ومن غير الخوف من الفصل العشائري المتفشي أو الملاحقات والقتل. وهل مازال مناسباً التحدث عن سيطرات نوعية بعد كل الكوارث التي حدثت !!
إن ما يحدث من فوضى أزمات في كل الميادين وواحدة بعد الاخرى هي نتيجة بديهية لفقدان الكادر العلمي والمهني والثقافي المتمرس في البلد وبأستمرار وهم العامود الفقري لكل بلد فكيف للبلد أن ينهض من غيرهم !! والعجيب في الامر أن ثلاثة حكومات أتت في العهد الديموقراطي والذي كنا نعول عليه الآمال لم يحدث أن تكلم أي من رؤساء الحكومات هذه، عن الخسارة الفادحة التي عصفت بالعراق جراء هذه الهجرات الجماعية لزبدة المجتمع العراقي ومحاولة الاستفادة من خبراتهم وربما إستقطاب البعض منهم ليرجعوا ويساهموا في البناء والتطور، وكذلك تشجيع خريجيي الجامعات الجدد بتعيينهم وعدم تركهم يقتفوا أثر أسلافهم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here