كتب المحرر السياسي:أين الحقيقة؟

يشعر المواطن بقلق متزايد وهو يتابع مسار تشكيل الحكومة الجديدة، ويرى انها جاءت على غير ما كان يتوقع. فهي يطلب منها الكثير، ويراد ان تتعامل مع العديد من الملفات بحيث لا تبقى نهاياتها مفتوحة، الى جانب تلك الملفات التي يريد البعض ان يطويها النسيان .
وفي الوقت الذي لم تكتمل فيه التشكيلة الوزارية بعد، ظهر ان بعض الاسماء التي جرى استيزارها، هي موضع عدم قبول ونقد لأسباب مختلفة .
على ان الامر المقلق اكثر هو حالة الجمود في استكمال تشكيل الحكومة، لا سيما ما يخص وزارتي الداخلية والدفاع، والدفع في اتجاه وصولها الى حالة استعصاء، او فرضها كأمر واقع من دون حساب للتداعيات المحتملة. ويحصل هذا في وقت تمس فيه الحاجة الى استكمال التشكيلة، والى شروع الحكومة في خطوات تنفيذية تقنع المواطن بان المياه تحركت، وان هناك آخر المطاف ضوءا في نهاية النفق.
وما يزيد المشهد إحراجاً وغموضا، واستخفافا بمشاعر الناس وبإرادتهم وتطلعهم الى التغيير والى تحقيق انعطافة اصلاحية مهمة في الاوضاع، ما يجري تداوله عن صفقات بيع الوزارات في التشكيلة الحكومية الجديدة. وهناك قصص اقرب الى الخيال عن انفاق ملايين الدولارات، تتردد اليوم على كل لسان. وفيما البعض ما زال يبحث عن ادلة، يتم التأكيد ان احدا لم يقل بمعالجة الامر اعتباطا وخارج سياق القضاء وإجراءاته. ولكن هل يصح ان تبقى الشبهات تحوم حول الحكومة الجديدة، وقبلها بخصوص مجلس النواب الذي وعد رئيسه بإجراء تحقيق في شبهات مماثلة، ولا تتخذ اجراءات ملموسة؟
ان هذا الواقع المؤلم المحزن الذي قل نظيره في دول العالم، يثير مجموعة حارقة من الأسئلة الباحثة عن اجابات مقنعة، وليس تبريرات تذر الرمال في العيون. فمن اين للبعض هذه الملايين من الدولارات التي يتم الحديث عنها؟ وإذا كانت مواقع الوزارات وغيرها هي أساسا خدمة عامة، فلماذا يشتريها البعض وبهذه الملايين؟وهل يتوقع من احد يحصل على موقعه بهذه الطريقة المعيبة للدولة والمواطنين والشائنة، ان يقدم شيئا نافعا ؟ وأي اصلاح وتغيير يتوقع من مثل هؤلاء الذين يشترون مناصبهم ويبيعون ضمائرهم؟
من المؤكد ان الكتل والأفراد الذين يمارسون هذا الفعل المخزي، هم من يتحمل المسؤولية الاولى عما يحصل. ولكم يجدر بالسيد رئيس الوزراء ان يخرج عن الصمت ويقول شيئا، ويتخذ إجراء ما دفاعا عن حكومته ومرشحيه. وهل تستطيع الحكومة ان تنجز شيئا والشبهات تحيط ببعض أعضائها ؟
ان الواجب يقتضي فك الاشتباك، وتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود .
وان ما يحصل هو مسؤولية الجميع في نهاية المطاف: مجلس النواب، السلطة التنفيذية، القضاء والمدعي العام الذي تقع عليه قبل غيره مسؤوليات كبيرة في التحرك في كل القضايا ذات الصلة بالشأن العام، كذلك هيئات واجهزة الرقابة والنزاهة، وهي جميعا مطالبة بإماطة اللثام عما يحصل، وكشف الحقائق كاملة ووضعها امام المواطنين .
ومن جانب آخر فان الرأي العام العراقي بكافة مؤسساته مطالـب بمواصلة الضغط لوقف ما يجري إن كان صحيحا، وكشف وتعرية فرسانه وجعلهم، وفقا للقانون، عبرة لغيرهم.
وكفى استهتارا بمصير الشعب وتلاعبا بارادته وضحكا على الذقون تحت عناوين ومسميات شتى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الاثنين 26/ 11/ 2018

لولاالسعودية لما بقيت (اسرائيل)!

محمد سيف الدولة

[email protected]

يا له من قول كبير وخطير وصادم يصدر من رئيس الولايات المتحدة الامريكية الراعى والحامى والداعم والحليف الاول لهذا الكيان الصهيونى المسمى باسرائيل، حين قال بالنصفى مؤتمر صحفى مؤخرا ان:

((الحقيقة هي أن السعودية مفيدة جدا لنا في الشرق الأوسط. لو لم يكن لدينا السعودية لما كانت لدينا قاعدة ضخمة. وإذا نظرت إلى إسرائيل بدون السعودية فستكونفي ورطة كبيرة. ماذا يعني هذا؟ هل على إسرائيل أن ترحل؟هل تريدون رحيل إسرائيل؟))(1)

وقال فى بيانه الرسمى الصادر عن البيت الابيض بتاريخ 20 نوفمبر 2018:((تنوي الولايات المتحدة البقاء شريكا ثابتا للمملكة العربية السعودية لضمان مصالح بلدنا وإسرائيل وجميع الشركاء الآخرين في المنطقة.))

وكان قد قال فى تصريح سابق له عن آل سعود انهم ((ساعدونا جدا فيما يخص اسرائيل))(2)

***

· نعم نحن نعلم ان مملكة آل سعود ومؤسسها وملوكها منذ بدايات القرن العشرين تابعون تبعية كاملة للدول الاستعمارية الكبرى،بريطانيا اولا ثم امريكا.

· كما نعلم ايضا ان حكام المملكة تواطأوا على مر العصور ضد فلسطين وقضيتها وثوراتها وحركات المقاومة فيها.

· وأنهم كانوا على الدوام مخلب قط جنبا الى جنب مع (اسرائيل) وانظمة عربية اخرى ضد تحرر هذه الامة واستقلالها.

· وأن علاقاتهم السرية بالقادة الصهاينة لم تتوقف، وكله كلام ثابت وموثق ومعلوم ومنشور منذ سنوات طويلة.

· ونعلم ايضا دورها البارز فى تمرير التسوية العربية مع (اسرائيل) من خلال مبادرة الملك فهد عام 1981 ثم مبادرة الملك عبدالله المسماة بمبادرة السلام العربية الصادرة فى مارس ٢٠٠٢ واللتان تقضيان كلتاهما باختصار ارض فلسطين التاريخية فى حدود ١٩٦٧ فقط.

· كما اننا نعلم جيدا انها القائدة الحقيقية وراء كل هذه الهرولة الخليجية الجارية اليوم على قدم وساق للتطبيع مع (اسرائيل).

· كما اننا نكاد نكون على يقين من ان استيلائها الباطل على جزيرتى تيران وصنافير المصريتين، كان بهدف اضفاء شرعية على التطبيعمع (اسرائيل) من بوابة الترتيبات الامنية فى سيناء الواردة فى اتفاقيات كامب ديفيد.

· بالإضافة بطبيعة الحال للقاعدة الحديدية التى ظهرت للعيان فى السنوات الاخيرة وهى ان القرار الحاسم والأخيرلقبول او رفض تنصيب بن سلمان او اى ملك او رئيس عربى هو فى البيت الابيض اولا وفى (اسرائيل) ثانيا وربما فى الاتحاد الاوروبى ثالثا، وان اهم مسوغات القبول والتنصيب اليوم هى التطبيع مع (اسرائيل).

· كما نعلم بالمشروع الامريكى الجديد لتأسيس ناتو عربى اسرائيلى لمواجهة ايران، تكون السعودية احد أعمدته الاساسية والممولالرئيسى له.

· كما نستمع يوميا لتصريحات نتنياهو التى لا تتوقف منذ سنوات عن العلاقات الحميمة والاستراتيجية التى اصبحت تربط (اسرائيل) بكبرى الدول العربية كمصر والسعودية.

· ونشاهد ضغوطه ودفاعاته عن آل سعود وتحذيره من ان المساس بهم يهدد الاستقرار فى الشرق الاوسط.

***

ولكن ان تصل المسألة الى الاقرار بأنه لولا السعودية لما بقيت (اسرائيل) ولأصبح وجودها ذاته فى خطر، فهذه متغيرات وترتيبات جديدة وخطيرة لم يكن كثير من المعنيين بقضايا الصراع العربى الصهيونى ليتوقع ان تكون قد وصلت الى هذا المدى.

ولو صدق ترامب فيما قاله، ولم يكن مجرد تصريحا سياسيا واعلاميا لتمرير جريمة ابن سلمان، فانه يتوجب علينا ان نبدأ منذ الان فصاعدا فى الاستنفار والبحث والتحرى الدقيقعن هذا الجانب من طبيعة وحقيقة وكواليس وتفاصيل الأدوار السعودية والخدمات الاستراتيجية والأمنية الخطيرة التى تقدمها هذه العائلة للحفاظ على وجود اسرائيل وأمنها، التى لم تكن معلومة ومرصودة من قبل.

***

ولكن الأهم من كل ذلك هو ما قد يترتبعلى تصريح ترامب من آثار ونتائج وعواقب فى الأمد المتوسطة والبعيدة، ولا أعلم هل كان يدرك الرئيس الأمريكى وهو يكشف هذه الحقيقة الصادمة أنه انما يقوم بتحريض الشعوب العربية وفى القلب منها الشعب الفلسطينى وكل المعنيين بتحرير فلسطين ومواجهة الكيان الصهيونى والقضاء على وجوده ومشروعه، ان يضعوا تحرير الجزيرة العربية من حكم آل سعود على راس أولوياتهم كشرطضرورى لتحقيق النصر فى معارك التحرير وكذلك فى معركتهم الكبرى للخلاص من النفوذ والهيمنة الامريكية؟

***

منذ سبعون عاما بعد هزيمة الجيوش العربية فى حرب فلسطين 1948، رفع الضباط المصريون الذين شاركوا فى الحرب شعار “ان المشكلة الحقيقية تكمن فى مصر وليست فى فلسطين”.

وبعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد فى مصر 1978-1979 رفعت الحركة الوطنية المصرية شعار “علشان نحرر القدس لازم نحرر مصر”.

فهل تشهد فلسطين والعالم العربى شعارا جديدا يؤمن وينطلق من أن المشكلة الحقيقية فى الرياض قبل ان تكون فى فلسطين؟

سنرى.

*****

المصادر:

1) https://www.youtube.com/watch?v=2mPFK9UU2WY

2) https://www.youtube.com/watch?v=5J2W3gmXTxc

القاهرة فى 25 نوفمبر 2018

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here