طفلان من النجف وتلعفر يعززان التلاحم بين النازحين وأهل المدينة

باتت قصة الطفلين أرجان وعلي، أنموذجا لتعزيز التعايش بين التركمان والنجفيين وذلك بعد نزوح عائلة تركمانية من تلعفر إلى مدينة النجف عقب سيطرة تنظيم داعش على الموصل صيف عام 2014.

وذكر تقريرأعده مشروع “تصالح” المدعوم من منظمتي “MICT”و”CFI”، وأعده الإعلامي حيدر حسين الجنابي، أن الطفل أرجان ذو الثماني سنوات والذي نزح مع عائلته من تلعفر بعد سيطرة داعش عليها عام 2014، ارتبط بعلاقة صداقة متينة مع علي الذي يسكن في النجف، وتوطدت تلك العلاقة حيث بات علي يفهم بعض مفردات اللهجة التركمانية، وذلك كونهما يدرسان معا في مدرسة المحبة الابتدائية.

ونقل التقرير عن والد ارجان “محمد علي ” قوله إنه “عند نزوحهم من تلعفر كان عمر ارجان أربع سنوات، عندما سقطت الموصل بعد انسحاب قوات الجيش والشرطة وقصفت الاحياء المليئة بالسكان بوابل من الرصاص وقذائف الهاون من قبل تنظيم داعش مبيحا سفك دماءنا، باعتبارنا كفارا أسوة بالايزيديين والمسيحيين والشبك “.

وأضاف والد أرجان، ان مسيرة الهروب من تلعفر الى سنجار للنجاة من الموت كانت مرعبة، سيرا على الاقدام، لافتا إلى ان ” سنجار اصبحت ملاذنا الاول لكن بعد يومين سرعان ما نزحنا الى اربيل ومن هناك توجهنا صوب مدينة النجف، بعد إن وصلتنا انباء عن تقدم داعش نحونا “.

وأوضح والد أرجان، الذي بات يعمل مراسلا صحفيا، قائلا “سكنا حال وصولنا النجف في حسينية على الطريق بين النجف وكربلاء عند عامود الكهرباء 73 ، وكنا سبعة عوائل، تعدادنا أربعين فردا ، كلنا نقيم في قاعة صغيرة، إذ بقينا لمدة شهرين على هذا الحال ” .

وتابع حديثه “لم اضطر لشراء أثاث للبيت الذي استأجرته في حي الميلاد، بعدما بادر أبناء الحي إلى التبرع بتجهيزه، عندما علموا باني نازح إذ جهزوا منزلنا خلال ثلاث ساعات بالمواد الكهربائية والغذائية، وهذا ما جعلني متمسكا بمنطقة سكننا وبجيراننا منذ أربع سنوات، ولا أريد أن انتقل لأي حي أخر”.

وأشار إلى ان “الكثير من التركمان وجدوا في النجف موطنا ملائما لهم لا سيما على الصعيد الاجتماعي، وكانت اللغة هي العائق في السابق إلا إننا ألان نجيد التحدث بالعربية إذ يتحدث غالبية التركمان في تلعفر اللغة التركمانية وحدها، وهنا أصبحت اللغة العربية دارجة الاستخدام بفضل الاندماج والتواصل بين السكان المحليين والنازحين”.

وختتم حديثه بالقول إن عائلتي تحب النجف، فزوجتي وأطفالي يقيمون علاقات وثيقة مع الجيران وزملائهم في المدرسة، فزوجتي تتعلم طبخ الأكلات النجفية كالفسنجون والقيمة ونتلذلذ بتناول ( دهين أبو علي) إحدى الحلويات التي تشتهربها النجف، ونتبادل مع الجيران أطباق الطعام ومنها الكبة الموصلية التي نعدها لزملائي في الجامعة أيضا.

من جانبه أفاد ميري فاخر حسن، الذي بات يلقب بـ “كافل التركمان” في الاوساط الشعبية النجفية ، كيف آوى بفخر العشرات من العوائل النازحة، وبين أنه “مع موجة النزوح الاولى توجهت الى حاجز الشرطة في مدخل النجف الشمالي لاستقبال العوائل الوافدة خصوصا ان في بداية الامر كان دخولهم الى المدينة مشروطا بكفالة احد السكان الاصليين”.

وذكر حسن، كيف تمكن من كفالة اكثر من 38عائلة يبلغ تعدادها ما يقارب 800 فردا، مستطرد بأريحية، اصبحت القب بمختار التركمان نظرا لضخامة الصلات التي تربطني مع المئات منهم .

كما سجلت العديد من الزيجات بين عوائل تركمانية وأخرى نجفية، منها قصة محمد حبيب احد الشباب التركمان الذي اغرم بطالبة كوفية أصبحت في نهاية المطاف زوجة له وأنجبت طفلته زهراء .

وبهذا الصدد قال الدكتور هشام السياب، اكتسبت النجف روح التعايش السلمي الاجتماعي من فكر الامام علي بن ابي طالب بمقولته: “الناس صنفان اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق،اذ تؤمن باندماج الاعراق والقوميات فالتركمانيوالنجفي هما شركاء الوطن ولهم مشتركات فكرية ومعاناة حياتية ” .

وعن طبيعة العلاقات واستقرار النازحين قال مدير قسم العلاقات والإعلام في شرطة النجف المقدم مقداد الموسوي، إن النازحين التركمان مواطنين مسالمين ولم يشكلوا اي خطر على الوضع الأمني على الرغم من إعدادهم الكبيرة فهم يؤمنون بالسلم المجتمعي وأبناء النجف احبوهم كثيرا لاحترامهم لعادات وتقاليد المحافظة .

وانخرط معظم التركمان الوافدين في سوق العمل والوظائف دون اي عوائق، سيما انهم اكتسبوا مودة وتعاطف المجتمع النجفي ، كما هو الحال مع والد ارجان الذي يعمل ويدرس الإعلام في احدى الجامعات.

وبحسب مدير الهجرة والمهجرين في النجف جواد العبودي، فان عدد النازحين من كل المحافظات إلى النجف وصل لـ(86,646) وكان نازحي مدينة تلعفر وحدهم (6709 ) عائلة ، يتوزعون على جانبي الطريق الرابط بين النجف وكربلاء والكوفة .

وعلى الرغم من استعادة مدينة تلعفر من تنظيم داعش عام 2017، الا ان اكثر من (2500) عائلة تركمانية آثرت البقاء والاستيطان واندمجت بشكل كبير مع السكان الاصليين في المحافظة .

وتشير احصائية لمؤسسة “النبع” للاسرة والطفل ان عدد التركمان المستقرين حاليا في النجف هو أكثر من 15 ألف نازح .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here