فرانز فانون و الترجمة ما بعد استعمارية

ترجمة: ا.د. كاظم خلف العلي
استاذ اللسانيات و الترجمة – كلية الآداب – جامعة البصرة
[email protected]
بقلم : روبرت جي سي يونغ
((إذ تذبل الصورة و تبلى
ثمة ريح قوية في القلب
و يتلاشى الرجال المُترجمون
فيما يترجمونه))
روبن بليزر
إن إستراتيجية هذا الكتاب (1) هي التقديم لما بعد الاستعمارية دون اللجوء إلى تجريدات نظرية ما بعد الاستعمارية. على أية حال و عند هذا الحد، أريد محاولة تقديم مفهوم يجمع بعض القضايا و المواقف المتنوعة التي واجهتنا و أبين المعنى للسياسات المتعارضة المتراكمة: الترجمة. فالترجمة ، من دون شك، ليست شيئا مجردا – إنها تنطوي دوما على الممارسة.
لا يقترب شيء من الفعالية الرئيسة و الداينمية السياسية لما بعد الاستعمارية كمفهوم الترجمة.  ربما تبدو فعالية ترجمة نص ما من لغة إلى أخرى و هي فعالية محايدة ظاهريا و فنية على أنها تشتغل في واقع مميز جدا عن الواقع المشحون سياسيا بصورة عالية لعالم ما بعد الاستعماري. على أية حال فإن الارتباطات حتى عند المستوى الفني يمكن أن تكون هامة. حرفيا، و بحسب جذرها اللاتيني تهدف الترجمة إلى نقل أو حمل (شيء – المترجم) إلى مكان آخر. و هكذا فإن معناها الحرفي  متطابق مع معنى الاستعارة الذي بحسب جذورها اللاتينية تعني نقل أو حمل (شيء – المترجم) إلى مكان آخر. تبدأ المستعمرة كترجمة، نسخة عن الأصل الموجود في مكان آخر من الخارطة.اسبانيا الجديدة.أمستردام الجديدة. يورك الجديدة. كلها نسخ استعمارية. إعادة إنتاج بعيدة ستبرز دوما و بصورة حتمية بشكل مختلف.
الترجمة أيضا نوع من إزاحة نص من لغة إلى أخرى.و إذا ما انطوت الترجمة على نوع من  الاستعارة فإنها، مثلما أوضح الفيلسوف الإغريقي القديم أرسطو، تستعمل معنى حرفيا بصورة بلاغية بحيث لا يعد صحيحا من الناحية الأمبيريقية : “حبيبتي. أنت ملاك!”.إن خلق استعارة يعني صنع كذبة خلاقة بالحديث، مثلما عبر أرسطو عن ذلك، عن كينونة شيء بما هو ليس فيه. و حتى الحقيقة، مثلما أقترح فيلسوف القرن التاسع عشر الألماني نيتشة، هي مجرد استعارة على أننا نسينا  . و يمكننا القول ان التحليل ما بعد استعماري معني بصورة مركزية بهذه الأنواع اللغوية و الثقافية و الجغرافية من النقل و بتحويلات من الأنواع الإيجابية و السلبية: تغيير الأشياء إلى أشياء هي ليست كذلك ، أو تبيان أنها ليست بتلك الحال مطلقا في المقام الأول.
و لأنها تمثل نفيا منظما للآخر و تصميما قويا على حرمانه من جميع صفاته الإنسانية فإن الاستعمارية تجبر الناس الذين تهيمن عليهم ليسألوا أنفسهم السؤال الآتي باستمرار: في الواقع ، من أنا؟
فرانز فانون
و في حالة الترجمة، فإن هذا التغيير صحيح حرفيا: فتغيير نص من لغة لأخرى يعني نقل هويته المادية.و مع الاستعمارية فإن تحويل ثقافة محلية إلى الثقافة الثانوية لنظام استعماري، أو فرض المنظومة الاستعمارية بحيث يتوجب إعادة بناء جميع جوانب الثقافة الأصلية، يعمل مثل عمليات  اللا تشيؤ الترجمي. . و مع ذلك، فإن جوانب معينة من الثقافة المحلية قد تبقى غير مترجمة في الوقت عينه.
و تبدأ الترجمة بوصفها ممارسة كقضية اتصال بيثقافي، غير انها دائما ما تنطوي أيضا على مسائل تتصل بعلاقات القوة ، و بأنواع من الهيمنة.و على هذا الأساس فإنها لا تستطيع أن تتجنب القضايا السياسية، او قضايا تتصل بعلاقاتها الخاصة بالأشكال الحالية للقوة.لا يحدث أي فعل من أفعال الترجمة في فضاء محايد كلية من المساواة المطلقة.أحدهم يترجم شيئا ما أو أحدا ما.أحدهم أو شيئا ما يصبح موضوعا للترجمة، يحول من مادة إلى شيء (أو من فاعل إلى مفعول به – المترجم ) مثلما هو عليه حال المرأة العربية في الصورة رقم (12).إن الأسبانية التي تذهب إلى أمريكا الشمالية تجد نفسها تترجم من فرد من العالم الأول إلى” لاتينية ” من العالم الثالث، و تجد الأميرة من غانا التي تذهب للولايات المتحدة أنها أصبحت مواطنة من الدرجة الثانية  و تعامل كما لو أنها مجرد مواطنة  أمريكية  أخرى من أصل إفريقي.إن المُستعمَر يصبح أيضا في حالة رجل أو امرأة مُترجَمة.
و اللغة شأنها شأن الطبقات و الأمم موجودة في نظام هرمي: مثلما هو حال الترجمة ذاتها التي كان التفكير التقليدي إليها ينطلق من منظور نص أصلي و نسخة من منزلة أدنى. و تصبح النسخة الاستعمارية في ظل الاستعمارية أكثر قوة من الأصل المحلي الذي يُقلل من شأنه، بل انه يزعم ان النسخة الاستعمارية سوف تصحح النواقص في النسخة المحلية.و تصبح اللغة الاستعمارية ثقافيا  أكثر قوة مقللة من شأن اللغة المحلية و هي تسحب إلى نطاقها و تدجن و تحتوى. لقد كان الفعل الأولي في الاستعمارية يتمثل في ترجمة النصوص المحلية المكتوبة و الشفاهية البارزة إلى لغة المُستعمِر. و بهذه الطريقة ،فإن الترجمة حولت الثقافات الشفاهية إلى شبكات و أشراك الكتابة ، إلى ما يسميه الناقد الأمريكي اللاتيني انجل راما  Angel Rama  “المدينة المثقفة”، تكاثر للكتابة الذي ، بعكس التكوين الاجتماعي للثقافات الشفاهية، يكون في المتناول لنخبة محظوظة فقط. إن الترجمة تصبح جزءا من عملية الهيمنة و تحقيق السيطرة و عنفا يوجه نحو اللغة و الثقافة و الأفراد الذين تتم ترجمتهم. و لا تبدأ العلاقات الوثيقة بين الاستعمار و الترجمة بأفعال المقايضة ، بل بالعنف  و الاستحواذ و”نزع السيطرة و النظام .  و مثلما يرينا الكاتب المسرحي براين فرايل  Brian Friel   في مسرحيته “ترجمات  Translations     ” (1981) فإن فعل تسمية و إعادة تسمية الصفات الجغرافية الموجودة في موقع ما شكلت أيضا فعلا من أفعال القوة و الاستحواذ و نزع القداسة كما في ايرلندا أو استراليا حيث يصبح رسم الخرائط مساعدا ضروريا للإمبريالية.
و مع ذلك، سيكون من الخطأ افتراض أن الترجمة الاستعمارية كانت على الدوام عملية ذات اتجاه واحد.فكثيرا ما كان المسافرون و الغزاة معتمدين على خدمات المترجمين و يثقون بهم من أجل فهم كل شيء تقريبا عن المحليين الذين يقابلونهم .إن المعنى الحرفي لوجود  عدد كبير من الأماكن في خرائط اليوم يشبه القول “لا أعرف ما هو اسم هذا المكان” و هو الاسم الذي حمله إلى الأبد فيما بعد.لقد عدت الترجمة الخاطئة، في معظم الأحيان، في إطار الاستشراق الذي يشتمل على تمثيل ثقافة أخرى من دون الرجوع إلى الأصل مثلما هو عليه الحال، على سبيل المثال، في التنميط stereotyping   ، حيث يمضي الكاتب أو الفنان أحيانا لكامل المدى في خلق صورة لما يتوقع المُستعمِر وجوده مثل خيال الحريم الاستعماري.و يمكن للترجمة الخاطئة أن توحي أيضا بإمكانية الدبلوماسية   diplomacy   و الازدواجية  duplicity  ،  بما يمكن الاصطلاح عليه بالازدوماسية  duplomacy   ، أو بما يسميه المنظر ما بعد استعماري هومي كي بابا    Homi K. Bhabha    بالفعالية السرية و المخادعة لأنواع مختلفة من الاحتواء و التملص التي غالبا ما تنفذ كأنواع بارعة للمقاومة يوميا. و يتطور هذا إلى ثقافة كذب و إلى المحلي الكاذب الذي يترجم نفسه أو نفسها إلى الثقافة المهيمنة عن طريق التقليد الذي يدمر الأصل و يشوهه.
إذا ما كانت الترجمة تشتمل على بنية القوى لأفعال الاستحواذ فإنها يمكن أيضا أن تسبب القوة من خلال أفعال المقاومة. و بشكل ما، يصبح هذا أقرب من الأفكار التقليدية عن الترجمة. و هنا يصبح القول المأثور “المترجم خائن”خارج دنيا الخيانة.و حيثما تصبح الثقافة المحلية  جاهزة للاستحواذ من قبل الثقافة الغازية فإن أي فعل للترجمة يصبح شاملا لفعل للخيانة و يصبح الفشل الضروري و المأسوف عليه تقليديا قوة ايجابية للمقاومة  ضد الغازي. و هناك أنواع أخرى من الغزاة: أولئك الذين يختارون الهجرة من الهامش إلى المركز. و تصبح الترجمة مركزية لتجربة المهاجر في المدينة الحضرية أو ما بعد الاستعمارية إذ يطلع بالدور الفاعل للمترجم الثقافي. و بعد أن يترجموا أنفسهم يواجه المهاجرون هناك من بعد رجالا و نساء تمت ترجمتهم، هامشيين آخرون قلقين و  يقومون بترجمة تجاربهم لبعضهم الآخر لصياغة لغات جديدة من الرغبة و توكيد الذات: جولات من النشاط و جولات من الرغبة.خذ على سبيل المثال المسالك الثورية لماركوس غارفي من سينت آنز بي في جامايكا إلى كوستاريكا بنما و نيكاراغوا وغواتيمالا و الأكوادور و فنزويلا و كولومبيا إلى لندن و إلى نيويورك فيما بعد في 1916. أو تأمل فرانز فانون في خمسينات القرن العشرين منتقلا من مارتينيك إلى فرنسا و الجزائر و تونس و من ثم إلى آكرا.
لقد كانت منطقة الكاريبي و لا تزال فضاء للترجمة بوصفها عملية ذات اتجاهين من خلال لغاتها و ثقافاتها المختلفة، بل ان لها مصطلحها الخاص بذلك : تهجين اللغات      creolization  . و بالمعنى الذي تتضمنه مفردة “لغة هجينة     creol    ” ، فإن الترجمة هنا تعني إزاحة : نقل و تحويل الثقافة المهيمنة إلى هويات جديدة تمتلك عناصر مادية من ثقافة مواقعها الجديدة. و يتهجن طرفا المقايضة كلاهما و يُحّولان نتيجة لذلك .و تقترب عملية تهجين اللغات الكاريبية من فكرة جوهرية لما بعد الاستعمارية: هي أن العملية ذات المسار الواحد التي تدرك بها الترجمة بصورة مألوفة يمكن إعادة النظر بها من منظور التفاعل الثقافي ، و كفضاء لإعادة التمكين     re-empowerment   . كيف يمكن أن تنشط أشكال تمكين الترجمة هذه؟
عندما تغادر بعيدا عن الجزائر في النهاية، بعيدا عن قناطرها الطويلة و بحرها المدهش الذي تغمره الشمس و عطورها السرية تصبح تقريبا في بوفاريك .و يهتز أمامك عاليا في الهواء، على جدار الشركة الفرنسية لمنتجات اورانجينا، الشعار الأزرق و الأصفر للأورانجينا و هو المشروب الفوار الذي أوجده مستوطن فرنسي عام 1936 و الذي أصبح محبوبا الآن من جميع أولئك الذين يجدون أنفسهم محاصرين في أي مكان في الحرارة العالية أو المغلقة لأوربا أو المغرب.
آه ! اورانجينا!
و حين تغادر بساتين البرتقال البراقة منتعشا تصبح في  البليدة ” مدينة الزهور” ، و هي مدينة أخرى للزهور و لكرة القدم تهيمن عليها القبة الفيروزية المشرقة لجامع بمناراته القرميدية الأربع و جبال أطلس البليدة الغريبة و غير المضيافة تعلو على  أشجار الأرز الزرقاء الداكنة التي في الخلف.
و بعد ميلين من المدينة و أنت تستدير من الممرات الضيقة المرتفعة على سهل متيجة ، تفسح العطور الجافة و غير المرئية لأشجار حلب المجال نهائيا للروائح الرطبة الحلوة للكروم و أشجار البساتين.و إذا استدرت بزاوية في الطريق ترى على البعد جدران المدينة الحجرية العالية تحيطها حقول القمح الكثيفة و مشفى البليدة-جوينفيل النفسي .و مباني المدينة المائة أو ما يقرب من ذلك مبنية بين المماشي و الجنائن و صفوف الأشجار التي توفر الظل عن حرارة الصيف.
و تلعب أم و طفلها داخل بيت كبير قوي مزخرف بالجص أثناء فترة الهدوء في الظهيرة.التاريخ هو نوفمبر 1953. و على بعد مئات ياردات قليلة  يقف مسؤول الخدمة  لقسم العلاج النفسي  مع الممرض الوحيد المسئول عن مدخل الردهة التي يسكن فيها (69) نزيلا محليا، و جميعهم مقيدين بستر المجانين بأسرتهم. و يحدق المسؤول الجديد القوي بغضب على مشهد التعذيب الهادئ و يأمر الممرض بأن يطلقهم جميعا، و الممرض يحدق فيه غير مستوعب الأمر. و بنوبة غضب عارمة، يطلق الرئيس الجديد أمره بإلحاح أكبر:واحداً تلو الآخر، و يبدأ خلع ستر المجانين مثل برتقالة ينزع عنها القشر.
 يرقد المرضى هناك دون حراك  حيث يشرح لهم فرانز فانون أنه لن يكون هناك المزيد من ستر المجانين ، و القيود، و العزل بين المستوطنين و ألمحليين في ردهات المشفى ،  و أن المرضى من الآن فصاعدا سيعيش و يعملون سوية كمجاميع.
و ربما ليس هناك في حياة فانون شيء يمثل سياسة الترجمة لديه أكثر بصورة حاسمة أكثر من دخوله إلى مشفى البليدة – جوينفيل، ناقلا المرضى من مخلوقات سلبية مضحى بها إلى كائنات فاعلة تبدأ بإدراك أنها  كانت مسئولة عن مصيرها. و ينتقل فانون من اللا تمكين إلى التمكين ،و من تجربة ” البشرة السوداء و الأقنعة البيض” إلى كتابه الثوري “معذبو الأرض”.
إن كتابي فانون المشهورين هما نفسهما عن الترجمة، أو عن إعادة الترجمة بصورة أدق.ففي البشرة السوداء و الأقنعة البيضاء يجادل فانون بأن الرجل الأسود و المرأة السوداء قد تمت ترجمتهما ليس كمواطنين مستعمرين في النظام الامبريالي الفرنسي بل أن رغباتهم حولت الى شكل آخر داخليا و نفسيا و حملت إلى رغبات البيض من خلال نوع من التقمص و التناسخ.و أن رغباتهم المحضة قد حولت بالرغم من انها لم تصبح فعليا رغبات بيضاء أبدا، فتلك الرغبات تملك بشرة سوداء و قناع أبيض.
إن مشروع فانون هو فهم هذا الأمر من اجل إيجاد طريق لإعادة ترجمتها مرة ثانية.و يبدأ هذا برفض ترجمة السود إلى قيم البيض.و مثل ما هو عليه الحال في التحليل النفسي، فإن هذا يشتمل على نسف الترجمة و ذلك نتيجة لفشلها. و بالطريقة عينها، يكتب فانون في “معذبو الأرض” عن كيفية خلق “المحلي” و ترجمته من قبل الاستعمارية إلى “محلي”  و وسمه من قبل الثقافة الأنفصامية للاستعمارية على انه آخرها القليل القيمة.و يقول:
إذا كان العلاج النفسي هو التقنية الطبية التي تهدف إلى تمكين الإنسان لكي لا يصبح ثانية  غريبا مع بيئته…فإني أدين لنفسي بأن أثبت أن العربي ، الغريب بصورة دائمة عن وطنه، يعيش في حالة تبديد مطلق للشخصية…إن الأحداث في الجزائر هي النتيجة المنطقية لمحاولة اجهاضية لمحو أدمغة الناس. 
محو الأدمغة: لقد جعل الجزائريون ينظرون لأنفسهم على أنهم آخر غريب عن ثقافته و لغته و أرضه.إن الواجب الذي يكلف فانون نفسه به في “معذبو الأرض” هو اكتساب احترام النفس من خلال العنف الثوري المعادي للاستعمارية حيث يكون العنف للمحلي المستعمر شكلا  من أشكال الترجمة الذاتية و الفعل و فهم  القوة (بالنسبة لغاندي فإن سياسة اللا عنف مساوية بنفس الطريقة). و بوصفه طبيبا ، فإن فانون كان يؤكد بصورة مماثلة على إمكانات الترجمة الذاتية من خلال نموذج داينمي حواري للتربية، تربية خاصة بالمضطهد حتى يصبح من يُترجمون مترجمين بأنفسهم و ناشطين بالكتابة.أي فواعل في التاريخ و ليس مفعولين به.و بالنسبة لفانون فإن الترجمة تصبح رديفا للكتابة الإدائية الناشطة تهدف إلى إنتاج تأثيرات جسمية مباشرة على القارئ الذي تعد كتابته الخاصة واحدة من أعظم الأمثلة.
و هكذا يصبح المؤدون و اللاعبون و بنو البشر متحررين من ستر المجانين العقلية و الجسدية.و بعد وقت قصير من وصول فانون على مشفى البليد ة- جوينفيل و ذات ظهيرة يهاتف مدير المشفى رجال الشرطة من الذعر صارخا  عبر الهاتف أن عشر نزلاء في الأقل قد فروا من المشفى و ان مسؤول الخدمة مفقود أيضا. و بعد ساعتين و حيث كان المدير مرتبكا نوعا ما يعود فانون المليء بالحماسة بحافلة المشفى يصاحبه فريق كرة قدم المشفى الفائزون بالمباراة.
و بعد ثلاث سنين يستقيل فانون من موقعه بحجة أن من المستحيل استخدام العلاج النفسي لشفاء الجروح النفسية التي هي النتيجة المباشرة من الاضطهاد المستمر للنظام الاستعماري.و قد أُمرته السلطات الفرنسية أن يغادر الجزائر في غضون يومين فإذا به يمضي ليلتحق بجبهة التحرير الجزائرية في نضالها ضد الفرنسيين و الحكم الاستعماري.
لقد أمضى فانون بقية حياته القصيرة مع جبهة التحرير الجزائرية عاملا من دون كلل باتجاه أهداف التحول السياسي و الاجتماعي للجزائر.و بوصفه مفكرا فاعلا بين فانون أهمية إمكانية تحقيق التدخلات السياسية عن طريق تطوير الصلات بين عمله الفكري و ممارسته الطبية و نشاطه السياسي الجماعي.و يبقى عمل فانون التحليلي و مثاله المتقد مترجما و ممكنا و محررا مصاحبا و ملهما أبديا لما بعد الاستعمارية .
(1) الموضوع الحالي ترجمة للفصل السابع من كتاب “تاريخ موجز جدا لما بعد الاستعمارية” لمؤلفه جي سي يونغ و قد غير المترجم عنوان الفصل الأصلي الى العنوان الحالي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here