حجاب المرأة، موروث بدائي عمره 114 الف سنة !

(*) د. رضا العطار

ظهر الحجاب في تاريخ البشر قبل اكثر من مئة الف عام، لكن لماذا وكيف نشأ، وما هي الدوافع والاصول الاولى لظهوره ؟ :

ان البواعث هذه تهدينا الى مفردة، هي في غاية الخطورة والأهمية، انها كلمة – الدم – فمن لفظة الدم اشتق العرب البدائيون في العصور السحيقة لفظة الدمامة و الدميم والدميمة، بمعنى الوجه القبيح.

كانت عائلة الانسان الهمج تشبه عائلة الحيوان في وقتنا الحاضر، حيث انها كانت تتكون من الأم واطفالها في سن الرضاع او ما يتجاوزه بقليل، ولم يكن هناك مكان للأب في هذه العائلة، لأن العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة لم تكن تزيد عن اشباع الشهوة. وكان الاعتقاد السائد ان الام وحدها هي التي تنجب الاطفال.

ويذكر الباحث الروسي مالينوفسكي في كتابه ( الحياة الجنسية بين المتوحشين ) ان هؤلاء كانوا يعتقدون بان المرأة تحمل بعد ان يزورها طيفُ وهي نائمة فيلقي في رأسها بذرة الطفل التي تنحدر الى رحمها وتستقر وتنمو حتى يولد الجنين.

واللغة العربية تدلنا على هذا الاعتقاد. فان كلمة ( حيا ) تعني عضو التناسل في المرأة وقد اشتقت منه كلمة ( الحياة ) وذلك للأعتقاد بان اصل الحياة نشأ عن طريق الحيا عند المرأة. وعلى هذا الاساس نشأت في الهند طائفة تقدس فرج المرأة، اما الرجل فلا شأن له في ذلك واتصاله بالمرأة لا يزيد على ان يكون للذة العابرة والمتعة ليس إلا.

وبقاء الاطفال في حاجة الى الرضاع والحمل نحو سنة او اكثر، ثم حاجتهم بعد ذلك الى من يحميهم من الحيوانات الضارية. جعل بقائهم مع الام ضروريا نحو عشر سنوات بل ربما اكثر ثم حاجتهم بعد ذلك الى تعلمهم كيف يتقون شرّ الحيوانات المفترسة وكيف يتفاهمون بالكلمات القليلة التي ياخذونها عنها. وكان قوت هذه العائلة يتكون من جذور الأشجار والديدان والحشرات والثمار البرية ولم يكن لها من آلات سوى الأحجار المستدقة يستخدمونها في اعمال الحفر.

لكن هذه العائلة تغيرت بعد ذلك من عائلة الأم الى عائلة الأب حين عرف الانسان البدائي الصيد الذي كان يتطلب من الرجال ان يتعاونوا على ترصد الحيوان الذي يراد صيده بان يكمنوا له في جملة مواضع مختفين. حتى اذا ظهر هجموا عليه بما في ايديهم من آلات حجرية جارحة يمزقونه، ولكن اذا كان الحيوان ضخما قويا كالفيل او الجاموس، فأنهم كانوا يهيئون له حفرة يتردى فيها، عندها يسيطرون عليه ويقتلوه.

ولم يخرج للصيد سوى الرجال لأن المرأة كانت على الدوام حاملا او مرضعا، يتبعها الصغار. فكان الخطر عليها من الصيد كبيرا ولذلك اقتصر الصيد على الرجال الذين بتجمعهم ظهرت اولى المجتمعات الانسانية في تاريخ التطور البشري.

كانت المرأة لعجزها عن الصيد ترضى بالأستجابة الجنسية للرجل، مقابل ان يمنحها شيئا من لحم الصيد. ومن هنا نشأت سلطة الرجل على المرأة، هو يصيد ويأتي باللحم وهي تكافئه بما حصلت عليه في الغابة من جذور النباتات والحشرات والديدان والثمر. هكذا نشأ البيت ونشأت العائلة الأبوية واصبحت للزوج سلطة على زوجته اذ هو الذي يرزقها.

ما هو الصيد ؟ — الصيد هو ان نقتل حيوانا فينزف دمه ويموت ثم نمزقه ونأكله.

ففي زمن الفراعنة كانت كلمة (قتله) مرادفة لكلمة (أكله). وظني ان الكلمتين في اللغة العربية تعودان الى اصل واحد وتقاربهما في النطق والقلب واضح. واننا متى قتلنا اكلنا ولا نستطيع ان نأكل بلا قتل اثناء الصيد.

وعصر الصيد بدأ قبل 114 الف سنة، ولم ينته الا بظهور مراحل التطور الانساني الذي بدأ بالالتقاط، ثم الرعي، ثم الزراعة. ولكن عصر الصيد هذا لا يزال حيا الى يومنا هذا في امم متوحشة واخرى متحضرة. وكان الصيد في هذا العصر خطوة ارتقائية اذ هو اوجد مجتمعا بين الرجال واوجد آلات للصيد كما اوجد كلمات جديدة خاصة بالصيد، فتقت الذهن وولدت ثقافة بدائية واوجد العائلة والبيت ولكنه مع ذلك كله، كان بمثابة نكبة كبرى على المرأة. ذلك انه جعل الصيد الوسيلة الوحيدة للقمة العيش. فان هذه اللقمة قد جعلت الرجل سيدا عليها، يستغلها بهذه الذريعة ولكن هذه السيادة لم تكن شيئا خطيرا، انما الخطير في هذا كله هو كلمة الدم.

لم يكن هناك صيد بلا دم، اي بلا نزف، اي الموت. فكلمة الدم في عصر الصيد كانت تعني الشر والنحس بعينه. كان الانسان المتوحش ينفر من رؤية الدم او حتى سماع اسمه. اذ كان الدم شؤما ونذيرا بالهلاك. اذا رأه احد فانه يجب ان ينتظر سفك دمه وموته. ومن هنا جائت كلمات الشؤم واليمن والفأل ومن هنا ايضا ظهرت الطلاسم والتعاويذ والتمائم ثم السحر. وبهذا الأسلوب اصبحت لفظة الدم اسوأ كلمة في عصر الانسان السحيق في القدم.

ولما كانت المرأة تزورها العادة الشهرية وتنزف دما يبقى بضعة ايام ولما كانت تنزف دما اكثر وقت الولادة فانها اصبحت انسانا (نجسا) في نظر الصيادين من الرجال وعليهم ان يتجنبوها قبل الذهاب الى الصيد ببضعة ايام، بل يجب الاّ يروها ابدا ناهيك عن مضاجعتها، لكيلا يتلبسوا بشؤم الدم — ومن هنا ايضا ظهرت التعاويذ التي يرددها البدائيون لكي يتطهروا من نجاسة المرأة وهم يخرجون الى الصيد — ولهذا السبب كانت المرأة تخفي نفسها عن الرجال حتى لا يتشائموا من رؤيتها وحتى اذا لم يكن عليها دم، اذ لا يدري الرجال بانها ملوثة بالدم الذي لا يرونه — هذا هو سب الحجاب البدائي الحقيقي في اول ظهوره.

وشبيه بهذا ايضا نجاسة الأرملة بعد موت زوجها، سينتقل هذا الشؤم الى اي امرأة بل الى اي رجل تصادفه. ولذلك يذكر الزمخشري في كتابه (غريب الحديث) – ان الأرملة نجسة ! ما مست شيئا الا وافسدته.

اصبحت المرأة في عصر الصيد عنوان الدم اي شؤما، ومن هنا نشأ الحجاب اي الانفصال بين الجنسين. ونشأت فكرة النجاسة من الاتصال الجنسي ونشأت بدعة التطهير (الغُسُل) بعد هذا الاتصال وبعد الولادة وبعد الحيض عند المرأة وعمّ الحجاب جميع الجماعات التي كانت تعيش في عصر الصيد، علما ان الحجاب وقتئذ كان مقتصرا على جلد حيوان.

.

ثم جاء زمن السحر عند الامم القديمة، وكان وقفا على المرأة، لان الخوف منها كان اكبر بما تحمل من شؤم الدم المنزوف. لكن عندما ظهرت الزراعة واستغنى بها الانسان عن الصيد ادت ممارسة الزراعة الى اشتراك الرجل والمرأة في اعمال الحقل وجمع المحصول، فعادت المرأة زميلة الرجل ولم تعد خصيمته تنقل اليه شؤم الدم ونحوسته ولكن رغم كل ذلك لم تتحرر المرأة من الحجاب لأن للعادات الاجتماعية قوة البقاء حتى بعد زوال اسبابها.

ومن خلال هذا السرد العلمي لنشوء الحجاب عبر تاريخ الانسان القديم ، يتضح لنا ان لحجاب المرأة ليس له علاقة بالدين من الناحية العقائدية، لكن معظم رجال الدين اعتبروا حجاب المرأة رمزا لعفتها وارتدائه تأكيد على حشمتها ومقامها الجليل في المجتمع المحافظ.

لقد قوي سلطان الحجاب عند العرب وسائر الامم البدوية لان الناس بقيت تعيش في عصر الغزو والصيد ولا تكاد تعرف الزراعة. ولكننا بعد ان حجبنا المرأة احتجنا الى ان نبرر حجابها تبريرا عصريا لا يعود الى عادات السحر القديمة، فصرنا نقول عنها بانها دون الرجل في العقل او انها تخلو من مهارة، لنجعل مقامها في السلم الاجتماعي يأتي في المرتبة الثانية. وان الازواج الذين يقولون بهذا، يقصدون تقديم الذرائع والحجج الواهية، لتبرير ارتداء نسائهم للحجاب وبالتالي تشديد سيطرتهم عليهن، متغافلين دورهن الايجابي وحقوقهن الاساسي في المجتمع الناهظ.

وفي هذا السياق، يروي لنا كاتب السطور انه عندما كان مقيما في العاصمة الالمانية برلين عام 1960 دُعي يوما الى امسية عراقية اقامها مجموعة طلبتنا الجامعيين هناك، فيقول :

وقد سررت عندما علمت ان ضيف الشرف كانت الدكتوره نزيهة الدليمي، التي كانت في عهد الوطني الراحل عبد الكريم قاسم. وزيرة البلديات، والتي كانت قادمة من العاصمة الفنلندية هلسنكي، في طريقها الى بغداد، بعد ان حضرت جانبا من مهرجان الشبيبة الديمقراطي العالمي من اجل السلم والصداقة بين الشعوب، والذي كان منعقدا هناك.

روت الدكتورة قائلة : كان اليوم الاخير للمهرجان، مخصصا للفنون الشعبية للوفود التي جائت من 140 دولة ومنظمات رسمية وغير رسمية. وقد وجدت نفسي اثناء تجوالي داخل مخيم الجزائر. ورأيت جمهور المحتفلين يشاهدون رقصة فنية، تؤديها شابة جزائرية محجبة، بمصاحبة فرقة موسيقية، تعبر بحركاتها المعبرة، تلهف الانسان لحياة السلم والصداقة.

ولكن بعد ان انتهت الفتاة من عرضها البديع، ورجعت الى مكانها وسط التصفيق الحاد، خلعت حجابها ورمته جانبا. فإستغربت، مما دفعني حب الفضول للذهاب اليها، بادية لها عظيم اعجابي ومستفسرا منها عن مفهوم الحجاب لديها، فأجابت الفتاة في ادب جم :

لم يكن ارتدائي للحجاب هذا بدوافع دينية – – نحن في الجزائر يدخل الحجاب بكل اشكاله والوانه وموضته ضمن ازيائنا الوطنية، فالحجاب عندنا، لا يعتبر مقياس الفضيلة، ارجو ان يكون ادائي هذا قد راق لكم.

نستنتج من هذا الواقع بان حجاب المرأة لم يقتصر استعماله على المجال الديني فحسب انما في المجال الاجتماعي ايضا.

* مقتبس من كتاب (المرأة ليست لعبة الرجل) للموسوعي سلامه موسى مع الاضافة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here