تراث العنصرية في الولايات المتحدة… نضال ضد أفكار أميركا العميقة

واشنطن – فاطمة غزالي

6 ديسمبر 2018

تعرضت العشرينية الأميركية يتني أليس لأول حادث تمييز عنصري على يد زميلتها البيضاء في مدرستها بمدينة فيلادلفيا الواقعة في الساحل الشرقي للولايات المتحدة، عندما نعتتها بـ”العبدة” وهو ما لم تكن تتوقع حدوثه بهذا الشكل بعد النضال المستمر منذ ستينيات القرن الماضي ضد سياسات التمييز العنصري، والذي افتتنت بالقراءة عنه منذ صغرها، كما تقول لـ”العربي الجديد” مضيفة: “المجتمع بكامله لا بد أن يوجّه جهوده لوقف التمييز ضد السود”، وهو ما يؤمن به البرفيسور الأميركي من أصل أفريقي، موليفي كيتي أسانتي، أستاذ الدراسات الأفريقية الأميركية بجامعة تمبل في مدينة فيلادلفيا، والذي قال لـ”العربي الجديد”: “تراث الرقّ في أميركا باقٍ، بعض البيض لديهم نزعة الشعور بالاستعلاء، وأنهم أفضل من الأسود، ونتيجة لذلك، يتعرض السود للعنف والتمييز على أساس اللون”.

ويرجع تاريخ نظام العبودية في أميركا إلى القرن السادس عشر، قبل أن يتم حظره في عام 1808 من قبل الكونغرس، وإلغائه فعليا في فبراير/شباط 1865 بتوقيع الرئيس الأميركي أبراهام لينكولن على “التعديل الثالث عشر في الدستور الأميركي” والذي حرر الجميع من العبودية بحسب أسانتي، ورغم مرور 152 عاماً على إلغاء العبودية في أميركا، إلا أن التنميط العنصري ما زال يشكل قاسماً مشتركاً في مأساة الأمريكيين من أصل أفريقي، كما يقول.

وينص التعديل الثالث عشر من الدستور الأميركي على: “تحرّم العبودية والخدمة الإكراهية، فيما عدا كعقاب على جرم حكم على مقترفه بذلك حسب الأصول، في الولايات المتحدة وفي أي مكان خاضع لسلطاتها”.

تراث العنصرية

يتجلى تراث العنصرية من خلال تعرض الأميركيين من أصل أفريقي للعنصرية في مختلف مناحي الحياة مثل المدرسة والجامعة، وعند التقدم للوظائف والترقية في العمل، وعند محاولة استئجار، أو شراء مسكن، وعند الذهاب إلى الطبيب، أو العيادة الصحية وعند محاولة التصويت، وفقاً لاستبيان “التمييز في أميركا” الذي أجرته مؤسسة الإذاعة الوطنية العامة خلال الفترة من 26 يناير/كانون الثاني حتى 19 إبريل/نيسان 2017، لكن أبرز مظاهر الاستهداف الممنهج، يتمثل في تعامل الشرطة معهم، إذ قتلت الشرطة الأميركية 1147 أميركياً، من بينهم 25% من الأمريكيين من أصل أفريقي، في عام 2017 وفقاً لمسح mappingpoliceviolence خريطة مراقبة العنف الشرطي، الذي أجرته حركة (TheProtesters) “نحن المتظاهرون” المناهضة للعنصرية والذي يجمع البيانات عبر مصادر FatalEncounters.org وقاعدة بيانات الشرطة للشرطة الأميركية و KilledbyPolice.net إضافة إلى إجراء بحث شامل لتحسين جودة البيانات واكتمالها؛ في وسائل الإعلام الاجتماعية، وإعلانات النعي، وقواعد بيانات السجلات الجنائية، وتقارير الشرطة وفق ما جاء في قاعدة بيانات المسح ذاته.

ومنذ بداية عام 2018 وحتى أكتوبر/تشرين الأول الماضي يقدر موقع statista الدولي المختص في البيانات عدد القتلى من الأميركيين من أصل أفريقي على يد الشرطة بـ 158 شخصاً من إجمالي 1.056 أميركياً متعددي الأجناس قتلتهم الشرطة خلال الفترة من يناير/كانون الثاني حتى بداية ديسمبر/كانون الأول من عام 2018 بحسب بيانات خريطة مراقبة العنف الشرطي.

وتبلغ نسبة السكان الأميركيين من أصل أفريقي 12.6% من إجمالي عدد الأميركيين البالغ عددهم 327.16 مليون نسمة وفقًا لبيانات مكتب الإحصاء السكاني الأميركي، ويرجع الأكاديمي أسانتي سبب استهداف الشرطة لهم إلى النظرة النمطية للسود، والسبب الثاني يتمثل في رفضهم للسلوك العنصري الممارس ضدهم، وهو ما تؤكده بينا بروكينز الناشطة في جمعية تمكين المجتمع (منظمة معنية بالتعليم والتوعية) التي تعرضت للكثير من المضايقات العنصرية كما تقول، مضيفة لـ”العربي الجديد” أن “البوليس يستهدف السود بسبب الخوف والصورة النمطية التي رسمها الإعلام عن الأسود، باعتباره عنيفاً ودائما يحمل السلاح، ما زاد من حوادث القتل بحق السود”.

وساهم الإعلام في تعميق الصورة النمطية السيئة عن السود وسط المهاجرين إلى أميركا، الأمر الذي أدى إلى تخوفهم من السكن في مناطق الأميركيين من أصل أفريقي، بحسب بروكينز التي قالت إن صديقتها النيجيرية تلقت تحذيرا من السكن في أحياء السود، خشية تعرضها للاعتداء.

ويتفق المحامي موثي ويلبيك المحاضر في جامعة تمبل الأميركية مع بروكينز، مؤكدا لـ”العربي الجديد” أن البوليس غالبا ما يستخدم القوة ضد السود، بحجة أن عددا كبيرا من البوليس قتلوا في العمل، مشيرا إلى أن البوليس يتعرض للقتل من قبل البيض، لكن نشرات الأخبار لم تتناول قتل البيض للبوليس.

صعوبة الإثبات

بموجب قانون الحقوق المدنية الأميركي الصادر عن الكونغرس في عام 1991 يحق لأي مواطن أن يرفع دعوى في مواجهة أي مصلحة، أو وكالة حكومية إذا مورس ضده التمييز في العمل أو التعليم وغيره بحسب ويلبيك، مؤكدا أن القانون أدخل تغييرات كبيرة في القوانين الفيدرالية ضد التمييز في التوظيف الذي فرضته لجنة تكافؤ فرص العمل في الولايات المتحدة (EEOC) (وكالة اتحادية تدير وتفرض قوانين الحقوق المدنية ضد التمييز في مكان العمل تأسست في 2 يوليو 1965).

ويجيز القانون التعويضات التعويضية والعقابية في حالات التمييز المتعمد، والحصول على أتعاب المحاماة وإمكانية إجراء محاكمات أمام هيئة محلفين. كما أنه يوجه لجنة تكافؤ فرص العمل لتوسيع نطاق أنشطتها في مجال المساعدة التقنية والتوعية كما يقول ويلبيك، لكن قضايا الحقوق المدنية صعبة الإثبات، ومكلفة ماليا، لذا فإن الأغلبية من السود لا يذهبون للتقاضي، بسبب بعض الممارسات العنصرية وفق مصادر التحقيق.

لكن الأكاديمي أسانتي يرى إضافة إلى ما سبق أنه لا يوجد في أميركا قانون مكتوب فيه كلمة “عنصرية”، ولكن التمييز موجود عملياً، مضيفا أن العنصرية في أميركا لم تحرم ولم تجرم بقانون كما هو في جنوب أفريقيا “صحيح أنه لا توجد قوانين عنصرية في أميركا، لكن العنصرية تأتي في سياق الممارسة”، كما يقول.

مواجهة التمييز

نظم مجتمع الأميركيين من أصل أفريقي ذاته، للمطالبة بالحقوق المدنية ومحاربة العنصرية القائمة على أساس اللون، ووضع حد لكل الانتهاكات التي تحدث نتيجة للعنصرية بطريقة قانونية منذ القرن الماضي بحسب أسانتي، مشيرا إلى أن هناك العديد من المنظمات التي تقاتل لإنهاء العنصرية، وكيفية حماية الأفراد منها، ومنها الاتحاد الأميركي للحريات المدنية “ACLU” (وهو منظمة غير ربحية مهمتها الدفاع عن الحقوق والحريات الفردية المكفولة بموجب دستور وقوانين أميركا)، والحد من العنصرية والتمييز، وحركة “حياة السود مهمة”، التي نشأت في المجتمع الأميركي الأفريقي في عام 2013، (وهي حركة مهتمة بقضايا العنصرية على المستوى الدولي).

وأصبحت حركة blacklivesmatter شبكة عالمية ولها 40 فرعا في العالم بحسب بروكينز، والتي قالت إن أعضاء الحركة يقومون بتنظيم، وبناء السلطة المحلية للتدخل في أعمال العنف التي تتعرض لها مجتمعات السود من قبل الدولة والأمن، مضيفة أن الحركة تنظم حملات ضد العنف والعنصرية النظامية تجاه السود، والتنميط العنصري، ووحشية الشرطة، وعدم المساواة العرقية في نظام العدالة الجنائية في الولايات المتحدة الأميركية عبر التظاهرات، لأن التغيير يحتاج إلى حركة نضال مستمرة.

ويقول أسانتي إن الأميركيين من أصل أفريقي هم أكثر من حارب العنصرية ورفضها، ما جعل البوليس يرد عليهم بعنف، داعيا إلى ضرورة المقاومة المدنية لإنهاء العنصرية والتمييز على أساس اللون، وأخذ العبرة من ثورات التحرر في البرازيل وكولومبيا التي وصل فيها إلى الرئاسة مواطن من أصول إفريقية في نهاية القرن التاسع عشر هو خوسي نييتو خيل.

ونجح السود في كسب احترام البيض المناهضين للعنصرية، من خلال نضالهم المستمر من أجل الحقوق المدنية والتحرر ما دعاهم إلى مشاركتهم في فعالياتهم، بحسب أسانتي.

ومن بين هؤلاء الخمسيني الأميركي روبرت جون الذي يعد واحدا من البيض المناهضين للعنصرية ضد السود كما يؤكد لـ”العربي الجديد” قائلا:” نأسف لاستمرار تلك الممارسات ضد الأميركيين من أصل أفريقي”.

ويرى الأكاديمي أسانتي أن استمرار التظاهرات من أجل النضال ضد العنصرية، هو المخرج الأهم للتخلص من التمييز، مشددا على ألا يكون الأميركيون من أصل أفريقي في وضع دفاعي دائماً، بل يتوجب عليهم أن يكونوا مبادرين في الدفاع والنضال ضد التمييز العنصري، وتحسين أوضاعهم من حيث التعليم والمعرفة بالحقوق والواجبات، ونيل فرص التوظيف.

وترى الناشطة بروكينز أن الأميركيين من أصل أفريقي يحتاجون إلى مخاطبة المجتمع والكشف عن قضايا أساسية مثل وجود أعداد كبيرة من السود في السجون الأميركية، وإحداث تعديل في النظام العدلي لحماية السود، قائلة “جيد أن نرى السود ممثلين في السلطة، ولكننا نحتاج إلى تمثيل ينعكس بشكل حقيقي على تغيير الأوضاع”، مضيفة أن التظاهرات، وحملات التضامن ضد التمييز والعنصرية من شأنها أن تتطور وتخلق ثورة مدنية حقيقية تنهي استهداف السود الممنهج، وهو ما يتطلب دعم ووحدة كل الأقليات، والمهاجرين في أميركا، إلى جانب البيض الذين يقفون مع حقوق الإنسان، ويعملون مع الأميركيين من أصل أفريقي من أجل التغيير، لإنهاء الممارسات والفصل العنصري الذي يظهر في المدارس والسكن ومختلف الأماكن، وهو ما تحلم بتحققه يتني أليس، لتجاوز كابوس العنصرية الذي صار جزءا من حياتها كما تقول.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here