الوعي والموازنة بالمصالح بين القبض والبسط.

قد تفرض علينا الحياة قوانينها. وقد تفرض علينا البيئة طبائعها. وقد تفرض علينا المجتمعات أنماطها.

ولكن لكل قاعدة شواذ. ولكل زمان ومكان ظروفه ومتطلباته ونظمه.

المصالح تستدعي منا ان نفكر ومن ثم نعي كيف نوازن بالعطاء بين القبض والبسط. المصلحة تحتم علينا ان نقدم المستطاع لمن لا يستطيع. فأن نعطي المحتاج بلا وعي يكون بسطا مفرطا ومن ثم إفلاساً من الناحية المالية. رغم كونه بسطا وكسبا من الناحية الأخلاقية. وبعكسه القبض والحرمان بلا وعي يكون افلاسا اخلاقيا برغم الحفاظ على المال.

الموازنة بين الاثنين مهمة جدا.

ان تبسط يدك كل البسط فتفرّط بأموالك فتقعد ملوما محسوراً. من اجل ان يقال عنك كريم او عقائدي او غير ذلك من التسميات. يحتاج الى مراجعة سريعة لتدرك معنى الوعي بالمصلحة. مصالحنا المالية والأخلاقية تحتاج منا ان نحافظ على بقائها بالوعي والموازنة ومن ثم الديمومة والاستمرار.

ينقل لنا التاريخ عن المنصور العباسي انه كان بخيلا في العطاء. حتى لُقب بالدوانيقي لكن الرجل ثبّت ركائز الدولة العباسية. وبجهده وسياسته أصبحت اقوى دولة على الارض آنذاك.

فقبض اليد بالنسبة لقائد الدولة يعد من المطالب وليس من المثالب. لما يحقق من ضبط وعدم تفريط في المال العام. اللهم ارزق بغدادنا دوانيقي اخر !؟

وكذا قيل عن بخل المرأة في مال زوجها.

وبعكس سيرة المنصور نجد حفيده هارون الرشيد الذي تسلم الدولة الغنية المترامية الأطراف شبه جاهزة.

فقد أسرف وفرط بأموال الدولة لأسباب ترفية غير ضرورية. رغم ما أضاف لها. لكنها لم تاثر على الدولة لكثرة الأموال التي تجبى للخزانة في بغداد.

وينقل التاريخ عن غالب بن صعصعة جد الفرزدق انه نحر مائة ناقة في مكة في سنة مجاعة حدثت قبل مجيئ الاسلام لارض الحجاز. ومع وجود الحاجة والمبرر لهذا العمل الأخلاقي المهم. قد نجد ان هناك افراط في حجم العطاء الذي قدمه الرجل للجائعين. رغم ان المجاعة تستدعي الجود والبذل.

شاهدنا حجم الموائد الكبيرة المقدمة للزائرين في أربعينية الإمام الحسين ع. وشاهدنا الكرم العراقي المعهود. لكننا لم نشاهد صور الموازنة والنظام في العطاء بلحاظ قدر الحاجة وحسن التقدير.

البسط والزيادة عن الحد كان واضحا. ومن لم يرى هذه الصورة فبكل تاكيد سيرى صور أطنان من المخلفات بعد انتهاء الناس من الموائد. بجانبها الكثير ممن لو حصل التوازن المطلوب لانتُفِع بها وتحققت المصلحة بالوعي والموازنة والتكافل الاجتماعي الذي هو من اهم معاني الأخلاق.

صور أخرى لا تتأطر بإطار الموازنة بين القبض والبسط. نشاهدها بجلاء في مضافاتنا العراقية الكريمة. من كرم مفرط زائد عن الحد. بجانبها قد نشاهد ذلك المحروم القريب منا ومنها يُدعُ عن الماعون بالمعنى العام.

في السابق كانت شحة الطعام وقلة المأكول وبعد المسافات بين المدن والقرى والبوادي قد تستدعي من اجدادنا ان يجودوا ببسط وإفراط وزيادة عن الحاجة.

اما الان ومع وجود وسائل النقل السريعة و وجود المطاعم و وفرة الطعام ورخصه. في اغلب الأماكن هل هناك حاجة للبسط والزيادة عن الحد؟؟

يقول علي ع. شر الإخوان من تُكلف له.

اعرف اكثر من شيخ كريم افلس وتهاوى وضعه الاجتماعي بسبب كرمه وطيبة نفسه التي لا ترى للموازنة معنى!!

الحكومة العراقية أيضا نشاهد صورها غير المأطرة بإطار الوعي بالمصلحة بشكل اوضح وأكبر من الصور السابقة.

فقد أسرفت وفرطت بالمال العام لأسباب لو قدر للمسرف هارون الرشيد ان يطلع عليها لبكى وأبكى.

ان الوعي بالمصلحة والموازنة بين القبض والبسط في إدارة الدولة واموال البلد يحتاج الى وعي وتنظيم لا يقبل التلقائية وعدم الضبط في مشاريعها وتصرفاتها. وبقربها وتحت نظرها التجارب الناجحة المبهرة لدول الجوار والدول الأخرى. ونرى أيضا ان إدارة الدولة العراقية في الوقت الحالي لا تتعامل بالمثل مع جيرانها بمثل ما يتعاملون معها في مواضيع التجارة والصناعة والسياحة والمياه. او بمثل ما يعاملوننا نحن كأفراد عندما نذهب الى دول الجوار كسائحين وتجار وموفدين كما تعاملت إدارة الدولة فيما مضى ابان العهد الملكي والجمهوري. ولا يخفى على كل ناظر لديه ادنى رؤية معالم هذه الصور. هناك تفريط وبسط زائد لا يمكن إخفائه او التبرير له من قبل المنتفعين والمعترضين.

يجب علينا جميعا ان نوازن بين ارتفاع المصلحة الأخلاقية وانخفاض المصلحة المالية بوعي وحساب عقلي مدروس بعيدا عن العاطفة والمزايدات الرخيصة والشعارات الفارغة الخاسرة التي اصابت الخزينة العامة والخاصة بمقتل.

حيدر التميمي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here