يوم الانتصار العراقي

عبدالله جعفر كوفلي /ماجستير قانون دولي
[email protected]
9/12/2018
اعلنت السلطات العراقية اعتبار يوم 10/12/2018 عطلة رسمية فيها ، بمناسبة الانتصار على الجماعة الارهابية (داعش) هذه العطلة التي أعلنت سلطات اقليم كوردستان بانها لا تشملها, تحمل هذه المناسبة التي تركت على قلوب القادة العراقيين البهجة و الغبطة المصطنعة والتي لا جدوى منها و تجر معها العديد من المعاني و الدلالات السياسية قبل العسكرية .
يعد العراق بلد المناسبات الوطنية و الدينية و المذهبية وتأتي بالمرتبة الاولى في هذا المجال وتتعالى الاصوات المخلصة هنا وهناك بضرورة تقليل عددها لأن ايام العطل أثرت على الحياة العامة وما اكثرها منذ تأسيسها حتى ولادة رؤساءها و زياراتهم ومشاركاتهم في الفعاليات و انتصاراتهم على شعبهم بالقتل والقهر و التدمير جعلوا منها ايام مناسبات و عطل و يعبر مؤيدوا كل نظام عن فرحتهم بتلك المناسبة على شاكلتهم ، فلا يكاد يمر اسبوع او شهر إلا و فيه مناسبات ربما يكون لاتفة الامور و ابسطها و هي عند الاخرين عادة يومية او برنامج استراتيجي او تطبيق لقانون معين و نعتقد ان تحديد يوم 10/12/2018 يوماً للانتصار على داعش ليس في محله و ذلك :
لأن اهل العراق بجميع اطيافه و قومياته و بسطاءه و قياداته على يقين بأن الجماعات الارهابية و خاصة (داعش) بات فكراً و اعتقاداً وعده ممارسةً و ان اختلفت في وسائلها و تسمياتها و اندحارها لا تخرج من اطار الهزيمة العسكرية طبعاً قبل سنة ، و ان القضاء عليها يكون صعباً في ظل وجود نفس اسباب ظهورها و استمراريتها مثل النظام السياسي القائم و الفساد و الاقصاء و قلة الخدمات الاساسية او انعدامها، فالمواطن العراقي يخاف من الصيف بحرارتها الشديدة كما في الشتاء من سيولها و رياحها وطمر البيوت بالرمال الجارفة والفيضانات وغرق الابرياء .
لا يمكن اعتبارها نصراً لأن النصر هو ان تتمكن من العدو و تسطير عليه و تحقق الفوز عليه ، و لكن ما حدث مع داعش هو استرجاع ما سيطر عليه و فرض سلطته و اسس دولته و وجد ضالته بين ابناء العراق نتيجة سياسات الحكومات العرجاء .
ان ظهور داعش من جديد في مناطق عديدة من الموصل و كركوك وصلاح الدين و القيام بعمليات متفرقة وسط تحذيرات داخلية و دولية من ظهورها من جديد ، بشراسة و قوة تجعل من هذا اليوم انتكاسة لان الحكومة العراقية لم تستطع معالجة اسباب ظهورها اصلاً و القيام بالاصلاحات اللازمة بل زاد عمقاً و تأثيراً في المجتمع العراقي .
ان السيد حيدر العبادي الذي اعلن الانتصار على داعش قبل سنة كان له علم اليقين بان داعش لم ينته و ان هذا الاعلان كان سياسياً قبل ان يكون عسكرياً ، و جواباً شافياً كافياً لخصومه في الداخل و الخارج فقد كانت الضغوطات عليه من كل جانب .
ان هذه المناسبات هي مناسبات السلطة السياسية قبل ان تكون مناسبات للشعب , لذا فأنها تلغي عند صعود التالي للسلطة بقانون او تعليمات فمناسبات البعث الغيت بعد 2003 و المالكى و الجعفري و العبادي و عبدالمهدي على هذا المنوال سائرون بخطوات متفاوتة .
ان اعلان سلطات اقليم كوردستان عدم شمول هذه العطلة للاقليم كان في محله لانهم على علم بان داعش لم تنته و بوادر ظهورها من جديد قد بدأت تلوح في الافق و قد حذرت العراق من نموها و سطواتها مراراً و تكراراً لكنه دون جدوى و ثانياً ان الجيش الذي حارب داعش كجماعة ارهابية هاجمت على الاقليم و احتلت كركوك و المناطق الاخرى فكيف للشعب الكوردستاني ان يحتفل بنصر جيش يتوجه بفوهات اسلحته نحوهم كلما سنحت لهم الفرصة على مر التاريخ ليقف بوجه تطلعاته و حقوقه المشروعة فعاملت الشعب الكوردستاني على غرار داعش بل واكثر شراسة ،فقد كان سياطاً بيد السلطة السياسية تضرب من يعارض ويخالف رايها ، و لم تستطع ان يكون جيشاً وطنياً حيادياً يدافع عن الوطن و الشعب بل حامياً للسلطة و مدافعاً عنها .
لذا نرى من الضرورة بمكان ان تبدأ الحكومة العراقية باصلاح ذاتها و معالجة المشاكل التي تعاني منها من الفساد الاداري و المالي و زرع روح المواطنة عند الشعب و الاستقلال بقرارها في ادارة دفة الحكم بعيداً عن التأثيرات الخارجية و حماية مواطنيها من الاستقلال و الاستهلاك من اجل اجندات غيره ، عندها يكون الاعلان عن يوم النصر ضرورياً و لازماً و عاماً و لكنه ضرب من الخيال و ولوج الجمل في سمّ الخياط .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here