الحشد الشعبي بين الميلشيا و الدولة

لايستطيع احد حتى أولئك الذين يكنون العداء و البغضاء و لأسباب عديدة منها ما هو مقبول و قابل للنقاش و الأخذ و الرد و من تلك الأسباب ما يدخل في خانة المقت الشديد لعوامل طائفية و مذهبية و مع ذلك فأن كل الأطراف لم تستطيع ان تغفل دور ( الحشد الشعبي ) الفعال في التصدي و من ثم ايقاف تمدد ( داعش ) التي اجتاحت اراضي واسعة من العراق و محافظاته و نشرت الخوف و الرعب في تلك الربوع التي استولت عليها في غفلة غير واضحة من الحاكم الذي كانت مهمة حماية البلاد من العدوان الخارجي و من ارهاب العصابات الأجرامية في الداخل و قد اخل رئيس الوزراء وقتها ( نوري المالكي ) بواجباته تلك كونه القائد العام للقوات المسلحة و الذي يتحمل المسؤولية المباشرة عن تلك الهزيمة النكراء التي حلت بالجيش العراقي و قطعاته المنسحبة من الموصل .

لم تكن هناك من حاجة ماسة او ضرورة ملحة تستدعي الدعوة الى تشكيل عسكري رديف من المتطوعين يساند الجيش النظامي و يقف الى جانبه لولا الأجتياح الداعشي الغاشم و حاجة البلاد الماسة الى التحرر و الحرية و مع ذلك لم يطالب احدآ من القائد العام للقوات المسلحة السابق حينها المسؤول الأول عن سقوط الموصل و احتلال ثلث اراضي العراق أن ينتحر كما يفعل عادة القادة المرموقين عندما تتعرض جيوشهم الى الهزيمة المخزية و عندها لا يستطيع القائد العسكري او السياسي من تحمل عار الذل و الهزيمة و يفضل الأنتحار على عقوبة الأعدام التي سوف تصدر بحقه حتمآ بل كانت جل المطالبة منه هو الأنزواء بعيدآ و الكف عن الظهور العلني الأستفزازي و اطلاق التصريحات و عقد المؤتمرات كما يفعل ذلك دائمآ السيد ( نوري المالكي ) .

لم يتمكن العراق و الحكومات القاصرة التي توالت على حكمه منذ سقوط النظام السابق و التي كان اغلبها من التيارات الأسلامية من بناء جيش وطني ذو عقيدة قتالية واضحة في الدفاع عن الوطن و حمايته من أي عدوان او اطماع خارجية و الأبتعاد عن المعترك السياسي و الفكري حيث كان الجنود و الضباط ينخرطون في صفوف هذا الجيش الجديد طوعآ ليس بهدف الدفاع عن الوطن و حماية حدوده انما للمكاسب المادية التي تجلبها الوظيفة في السلك العسكري فأصبح الجيش و الحالة هذه اشبه بجيش من المرتزقة الباحثين عن المال و الرواتب و المزايا فقط و ليس للبطولة و البسالة و التضحية و مفردات الحروب الأخرى في قاموسهم لها أي دلالة او معنى .

كان لابد من قوة قاهرة و متماسكة تقف بوجه التمدد الداعشي الداهم و لم يكن سوى أولئك الذين تركوا اعمالهم و اشغالهم و عوائلهم و تطوعوا استجابة لنداء الوطن الذي يتعرض الى الغزو الداعشي و بذل المقاتلون الغالي من الأرواح و الأنفس مسطرين اروع التضحيات في ساحات القتال مع عدو همجي شرس لا يتورع عن ارتكاب ابشع الجرائم و المجازر و التففن في القتل و التعذيب و تقطيع الأوصال البشرية و مع كل تلك المناظر المقززة و التي تقشعر لها الأبدان التي كان ( داعش ) يبثها للنيل من المعنويات و الهمم للمقاتلين العراقيين لكنهم لم يأبهوا لتلك المشاهد الدموية و اصطفوا في طوابير طويلة و بحماس شديد امام مراكز التطوع الى الألوية المقاتلة من فصائل ( الحشد الشعبي ) .

لقد ابلى المقاتلون في الوية ( الحشد الشعبي ) بلاءآ حسنآ في ميادين النزال و في قتال الدواعش و اوقفوا تمددهم و توسعهم لابل استطاعوا من دحرهم و ايقاع افدح الخسائر في صفوفهم و كان لفصائل ( الحشد الشعبي ) الدور البارز في تحرير المحافظات العراقية المحتلة و طرد فلول داعش منها الا ان الأشكال الذي يؤخذ على تلك الفصائل هو عدم اطاعة الأوامر التي تصدر عن القيادة العسكرية الرسمية للدولة العراقية ممثلة بالقائد العام و ان التزمت فصائل الحشد الشعبي بتلك الأوامر حينها تكون تلك الفصائل ضمن المؤسسة العسكرية الرسمية للدولة العراقية اما اذا لم ينصاعوا لتلك الأوامر و فضلوا تنفيذ اوامر و تعليمات قادة فصائلهم و كما يحدث غالبآ يصبحون حينها ميليشيات مسلحة خارجة على القانون و النظام .

ان اندماج مؤسسة الحشد الشعبي في اطار المؤسسة العسكرية العراقية بشكل فردي و ليس على شكل مجموعات و اعتبار الأوامر الصادرة منها هي التي تكون واجبة التنفيذ و الطاعة و ان لا تتدخل فصائل الحشد الشعبي في الشأن السياسي للدولة العراقية لأن ذلك يعتبر تدخلآ في الشؤون السياسية البعيدة كل البعد عن وظيفة مقاتلي الحشد العسكرية و ان تكون للقيادة العسكرية الرسمية وحدها الحق في تعيين الضباط و القادة الذين سوف يتولون مهام قيادة فصائل الحشد و عند ذلك سوف تنتفي صبغة ( الميليشيا ) التي لطالما اتهمت بها الوية الحشد الشعبي و ان تكون الرديف و الأحتياط القوي الذي يقف كتف الى كتف جنب القوات المسلحة كأحد صنوفها المتعددة المقاتلة و الباسلة و عندها سوف تصمت كل الأصوات التي تتهم فصائل الحشد بالأنصياع للأوامر الأيرانية دون الأستماع الى اوامر القيادة العراقية حينذاك يكون الحشد الشعبي الأحتياط المهم و الحاسم في اسناد و دعم الجيش العراقي عند حدوث أي هجوم مباغت او خطر داهم .

حيدر الصراف

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here