المرجع الديني الشيخ محمد مهدي الخالصي (دام ظله) يؤكد ان النظام السياسي في العراق براغماتي ويختلف تماماً عن رؤية الاسلام للسياسة.

مبيناً ان اصل السياسة في الاسلام هو رعاية شؤون الامة بجميع ابعادها وبالوسائل المشروعة

المرجع الديني الشيخ محمد مهدي الخالصي (دام ظله) يؤكد ان النظام السياسي في العراق براغماتي ويختلف تماماً عن رؤية الاسلام للسياسة.

لفت المرجع الديني الكبير سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد مهدي الخالصي (دام ظله)، خلال خطبة الجمعة في مدينة الكاظمية المقدسة، بتاريخ7 ربيع الثاني 1440هـ الموافق لـ 14 كانون الثاني 2018م، إلى ان مفهوم السياسة عندنا هو الاهتمام بشؤون الامة بجميع ابعادها وبجميع الوسائل المشروعة، مبيناً ان هذا تكليف شرعي واخلاقي، وان المفهوم السياسي القائم في البلاد براغماتي ويختلف تماماً عن رؤية الاسلام للسياسة، مشيراً إلى ان على كل سياسي ان يحفظ حقوق الامة وثرواتها وان يقطع دابر الفساد والجريمة والآفات، داعياً جميع شرائح المجتمع إلى اليقظة الكاملة والمطالبة الصارمة بالتعويضات من حكومة الاحتلال ومن ساندها بالعدوان على العراق وعلى رأسهم المعنيين في الحكومة، مؤكداً ان المطالبة بالحقوق واجبٌ، وعلى الجميع السعي الحثيث لتوفيرها، منبهاً الجميع إلى ذلك مؤكداً ان الجميع مسؤولون شرعاً وقانوناً وأخلاقاً.

وفي بيان مسؤوليات أولياء الامور قال سماحته (دام ظله) : ان مفهوم السياسة في الاسلام هو الاهتمام بشؤون الأمّة، وهو تكليف شرعي يشمل جميع طبقات وافراد الأمّة، لما ورد عن رسول الله (ص) انه قال: (مَنْ أَصْبَحَ لا يَهْتَمُّ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ)، إضافة إلى العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى، وقد عدّ العلماء هذا الركن فرعاً ضرورياً من فروع الدين، وصفة ملازمة لكل مؤمن صادق، قال تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104).

ولم يقتصر الأمر على المسلمين فقط، بل لأهميته أثنى سبحانه وتعالى على فئات أخرى من الأمّة، فقال عز أسمه (لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ) (آل عمران:113)، (يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) (آل عمران:114)، مما يشعر بأن السياسة التي نعنيها في احاديثنا وندعو إليها هي وظيفة اخلاقية اجتماعية دينية شاملة للجميع ولمصلحة الجميع؛ وهي بهذا تختلف جذرياً عن (السياسة) بمفهومها الذرائعي (البراغماتي) الغربي التي هدفها غالباً الوصول إلى السلطة بأية وسيلة، ولخدمة فئة بالذات: طبقة، أو حزب، أو طائفة، أو عرق، والتي يرمز إليها في العملية السياسية القائمة بعبارة (المحاصصة) الفئوية بمختلف أشكالها الممزقة للأمة وثغراتها الممهدة للفساد والتخلف، يترتب على مفهومنا للسياسة انها مثل الدين ليست مهنة يرتزق بها، أو سلطة يُستعلى بها على الناس؛ إنما هما (وظيفة) و (رسالة) فردية واجتماعية، وواجب على الجميع القيام به حسب طاقته وإمكاناته في حدود الأخلاق والتقوى.

وباختصار ان (السياسة) عندنا هي: (رعاية شؤون الامة بجميع ابعادها وبجميع الوسائل المشـروعة)، وأما الوصول إلى السلطة فليس هدفاً بذاته، بل يكون من بعض الوسائل بهدف احقاق الحق وابطال الباطل، ورعاية شؤون الامة في اقامة العدل والأمن والدفاع، وتقديم الخدمات الضرورية واقامة البنى التحتية والمصانع الأساسية، وحفظ حقوق الأمة وثرواتها، وقطع دابر الفساد والجريمة والآفات.

فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ من أهم واجبات أولي الأمر من الساسة والمراجع والمثقفين وعموم ابناء الشعب اليقظة الكاملة لاسترجاع ثروات الامة وحقوقها المهضومة كتعويض رسمي للعراق وشعبه نتيجة الاحتلال والعدوان الغاشم، فالمنظمات والمحاكم والقوانين والمقررات الدولية يمكن الاستعانة بها لإثبات هذه الحقوق أولاً لأجل استرجاعها، وعبء هذه المطالبة يقع بالدرجة الأولى على عاتق السلطات الحكومية والسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ورئاسة الجمهورية، فعلى هؤلاء جميعاً المبادرة إلى تقديم طلب رسمي لاستحصال التعويضات المستحقة في ذمة حكومة الاحتلال الامريكية وذمة والانظمة والدول التي ساندتها في عدوانها، وتثبيت طلب هذا الحق عند المنظمات الدولية المعنية، فإنها ثروات طائلة، وكميات هائلة يمكن الاستفادة منها لإعادة اعمار البلاد واسعاف النازحين والمشردين واعادتهم إلى مدنهم، وتقديم الخدمات الضرورية من المستشفيات والمعامل والطرق والجسور والمدارس التي تعرضت للدمار نتيجة الاحتلال الغاشم الذي قام بحرب ضروس من غير حق ولا تخويل دولي.

وعلى الشعب من خلال استعمال حقه في استرجاع الأموال المهدورة وخلال حقه في المراقبة الشعبية على أداء الحكومة حمل الحكومة والسلطات المسؤولة على المطالبة الجديّة من الحكومة الامريكية وسائر المشاركين في تدمير البلاد، فإن هذا الحق لا يسقط بالتقادم، ولكنه قد يضمحل إذا لم يكن وراءه مطالب، فهذا الحق الذي نذّكر به ونصّر على المطالبة به هو جزء من واجبنا في رعاية البلاد واستعادة الحقوق من مغتصبيها، فإن المطالبة بحق التعويض العادل الكامل أولى وأجدى من مدِ يد الاستجداء لمعونة هذه الدويلة أو تلك طلباً للمساهمة في تعمير البلاد واسعاف المشردين والنازحين والعاطلين والمرضى واليتامى، فهذه حقوقهم، وعلى الجميع السعي الحثيث لتوفيرها، وعلى المراجع والعلماء والخطباء التأكيد الصارم على هذه الحقوق.

كذلك من واجب المؤسسات الحقوقية والنقابات المهنية للمحامين والمهندسين والعمال والفلاحين المساهمة الفعّالة في المطالبة بالحقوق المهضومة ومساندة الجهات الرسمية لحملها على الاقدام الفعلي، وإلّا فجميع المقصرين والمماطلين القادرين على المساهمة في هذه الحملة العادلة؛ مسؤولون شرعاً وقانوناً واخلاقاً.

ونعيد ونكرر: الحق لا يسقط بالتقادم، ولكنه يضيع إذا لم يكن وراءه مطالب، فموقنا هذا جزء من مساهمتنا ومسؤوليتنا في هذا الباب لإحقاق حق كبير على شرف الضياع، وقد صدعنا به ونأمل أن تنطلق الحملة العادلة هذه بجد، وعلى اوسع نطاق.

ونكرر على المراجع والعلماء والخطباء المساهمة بالتوعية والتوجيه، فالسكوت في مقام الحاجة إلى البيان إثم كبير وكتمان للحق. (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (البقرة:159)، أي لعنة اصحاب الحق المُضاع، ويعيد سبحانه تعالى في السورة نفسها مندداً بالكتمان والكاتمين المقصرين في بيان الحق واحقاقه: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (البقرة:174).

وفي الختام أكد سماحته (دام ظله) على ان مسؤولية السادة والكبراء أعظم إذا تقاعسوا واتبعتهم الدهماء في التقاعس والضلال، ويقول الله تعالى محذراً من التقاعس في بيان الحق: (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ* رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا) (الأحزاب: 67-68).

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) (الاحزاب:70-71) صدق الله العلي العظيم وصدق نبيه الكريم.

وقد أشار سماحته (دام ظله) في جانب من الخطبة إلى ما جرى أخيراً من ادانة عالمية للجريمة السعودية البشعة، وقال ان هذه الجريمة وتداعياتها واحدة من عِبر الزمان، فقد سبق ان قلنا قبل اسابيع في خطابنا في ندوة رفض التطبيع، ان موقف الرئيس الأمريكي المنحاز بلا تعقل ولا تدبر في الانحياز والدفاع عن رأس الجريمة ونظامه الظالم سيعرضه للسخط العالمي ولسخط الشعب الأمريكي ومؤسساته، وقد يعرضه للسقوط حتى قبل سقوط بن سلمان، وها انتم ترون ان الرجل يعتبر في حكم الساقط من الرئاسة بعد ان أجمع مجلس الشيوخ الأمريكي على ادانة بن سلمان في الجريمة، وأصدر فيه قانوناً في ذلك كما حصل قرار ايقاف امريكا من تسليح التحالف الذي يقوده المجرم ضد الشعب اليمني المجاهد وهو مؤشراً آخراً على سقوط ترامب عملياً، ولا ينتظر الأمر إلا صدور قرار دستوري ينتهي ازمته الخانقة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here