في التنافس

◦ حين يكتب المرء مقالة من وحي اللحظة ، قد تكون أثارت ، في لفتة من هنا وهناك ، وحتمت منطقها وأسلوبها ، فلا أظن أن المرء مطالب هنا بالدقة والموضوعية الصارمة ، فهي يجب ينظر لها على أنها كلام يلقى على عوانه ، وتستمد شرعيتها مما يقال بالذات وما يخلف من صدى في القبول والرفض . فلا نريد أن تتبع مفهوم التنافس ، هنا ، بقدر ماكان القصد منها هو ، التسأل عن سر بقاه مستمر لحد الآن ، في حين يبدو أنه من مخلفات الماضي الموغل في القدم ! وعليه لنظر له كما بدأ لنا في مباشرته الأولئ .

◦ في العالم الطبيعي يبدو كل ما فيه في حالة تنافس وصراع . فهذا العالم ، اي كائنات الطبيعة ، يتصرف الكل فيه حسب غرائزه وحفظ الوجود . لأن العقل لم يولد بعد ، العقل المستقل ، ولم يبتعد عن خدمة الغرائز وحفظ الذات ، اللذان هما تقودان الكل لحفظ حياته ، وهذا ما عناه دارون ، وهو يحلل الوجود الطبيعي ، ورأى فيه صراع في سبيل البقاء . ولكن هذه الحالة الطبيعية ، والتي تعود لفترة طويلة في تاريخ الحياة ، اصابها الكثير من التطور والتغير ، نتيجة المراحل التي مر بها الإنسان من تغير وتحول . فعالمنا ، بعد ، ما أصابه من تطور ، يبدو على اعتاب نقله تاريخية كبيرة . فالحالة الطبيعية ، التي ، كانت هي السائد ، انتهت ، في تغلب الإنسان على بقية المخلوقات وسيطرته على عالم الطبيعية . وقد رافق هذه الحدث ، تطور في كل مجالات حياة الإنسان المادية والثقافة ، فتطورت الفلسفة والعلوم ، والصناعات ، وتقدم الانتاج ، والسيطرة على الأمراض والكوارث ، وغيرها من المشاكل التي كانت تعيق حركة وتقدم البشر . هذا كله بات واضح في حياة الإنسان وأصبح أشياء ملموس للكل . بيد ، مع هذا ، رغم تلك النقلة في حياة البشر ، وانتهاء الحالة الطبيعية التي كان التنافس قوامها ، وخضوع كل ما في الطبيعة لسيطرة الإنسان ، الا أننا ، ما زلنا نرى أن الحالة الطبيعة هي السائدة في حياتهم ونظمهم في العيش ! يعني ما زال التنافس هو المسيطر على طريقة عيشهم . ولكن ما الذي نقصد هنا بالتنافس ؟ أن مفهوم التنافس ، واسع ، ويستخدم في مجالات شتئ ، فهو لا يقتصر على الاقتصاد أو البيولوجيا .وأنما بات يستخدم في كل المجالات ليدل على الفوز والغلبة واهزم الخصم . بيد أنه استخدم في البيولوجيا والاقتصاد بشكل واسع . وسوف نحاول أن نجعله يقتصر ، هنا ، على المجال الاقتصادي . فتنافس في المجال الاقتصادية هو الجذر لكل تنافس في حياة المجتمعات المعاصرة ، فمنه اشتقت واليه تعود ، كل أشكال التنافس الآخرى ، لأن الاقتصاد ، حسب تعبير ماركس هو الأساس الذي يبنى عليه المجتمعات المعاصرة ، فهو البنية التحتية التي تقوم عليها البنية الفوقية . والسؤال الذي يجب يسأل هنا ، لماذا التنافس في المجال الأقتصادي ، أو بتعبير أكثر دقه ، التنافس على السلع يعد جزء من التنافس الطبيعي ، رغم أن انتاج السلع لم يظهر سوى في النظام الراسمالي ، اعني بهذا الحجم والشكل ، من أجل السوق والشراء والبيع . ففي النظم الأقطاعي ، كان الانتاج لسد الحاجة ، وليس من اجل السوق ، فإنتاج السلعي ، لم يحدث إلى مع بدأ الثورة الصناعية ، التي قامت على تحطيم النظام الأقطاعي المكتفي بذاته ، وكان شعار الثورة الصناعية ، دع يحدث دع يمر ، أي فتح النظم القطاعية المنغلقة على نفسها . وكان هذه الثورة الصناعية ثورية في عهدها . وحققت إنجازات كبيرة ، ولذلك صورت على انها اكثر تنسجم مع الطبيعة البشرية ، لأن البشر في طبيعتهم ، حسب ما يُزعم منظروا النظام الراسمالي ، يحبون التنافس . وعليه ، فأن سؤالنا الأساسي هنا ، والقصد من هذه الوقفة القصيرة ، هل حقاً أن التنافس جزء من طبيعة البشر ؟ وأن النتاج القائم على التعاون ، أو الأشتراكي ، يقتل الحافز الإبداع والإنتاج ويقود إلى الكسل ؟ وبالطبع ، فأن مفهوم التنافس يستمد قوته من التاريخ الطويل التي قضاه الناس يحيون كجزء من الطبيعة والقائمة على المنافسه والصراع بين مخلوقاته . ولكن الأنسان ، لم يعد جزء منها وتتحكم فيه كما كان في السابق ، فهو بات سيد الطبيعة ومسخرها لخدمة اغراضه . وعليه ، بات الأنسان هو المتحكم في حياته ، ويضع لها الأغراض والاهداف التي تلبي رغباته . غير أننا ما زلنا نرى أن اُسلوب حياة البشر ما برح يقوم على التنافس والصراع على السلع أو المال ، المعبر عنها والرمز لها ! فما السر في ذلك ، وما الذي يحول دون تغير هذه النهج ، فأن التذرع بالطبيعة البشرية وأنها أنانية بالفطرة ، ولا يمكن تغيرها ، وبتغيرها يتحطم الإنسان ، ويخلد إلى الكسل ، ما عادة تصمد أمام لنقد ، بعد كل المعرفة التي تكونت عن الإنسان ، وكيف أن جوهره ، من صنع الظروف ، وأسلوب أو نمط الأنتاج الذي يعيش عليه وفيه ، والظروف التي تحيط به . فالإنسان ليس من خلق إله ، حدد له سلوك وطبع معين إلى الأبد ، كما يُزعم رجال الدين ، في تصورهم عن الإنسان وسلوكه . فالتنافس رغم أنه حالة طبيعية ، ويمتد عميقاً في التاريخ ، وتاريخ الأنسان ، إلا أن الإنسان لم يبق كائن طبيعي كما كان ، فلقد تكون كل شيء ما حول الإنسان الآن ، بفضل جهده في الخروج من الحالة الطبيعية إلى المدينة والحضارية ، وعليه ، لم يعد الإنسان كائن من صنع الطبيعة ، بل كائن من صنع الحضارة والمجتمع ، فهو تحول من كائن خاضع لسيطرتها ، لكائن مسيطر عليها . ولهذا يبدو ، مستغرب ، في عصرنا أن يعيش الإنسان وينظم إسلوب حياته ، على أقدم أسلوب في العيش ، والذي نعني به أسلوب التنافس . فهذا الإسلوب الذي كان في بداية الرأسمالية ، اُسلوب واعد وحققت إنجازات كبيرة ، حتى خَيل للناس أنه ينسجم مع ميولهم وطبيعتهم ، بات في عصرنا يهدد بكوارث رهيبة ، ويعد بما كان تنبأ به ماركس من قبل ، حينما قال ، بأن البشرية في نهاية المطاف أما تدخل في عصر البربرية ، أو تبني الجنة على الارض ، بفضل الطاقة الهائلة للعلم . فتنافس هذا، وصل ، بمرحلتنا للعصر الاحتكار ، وما عاد هناك من تنافس إلا في الهوامش والاطراف ، وفِي داخل المجتمعات ، أما على الصعيد العالمي ، فهناك الشركات الكبرى التي تمسك بكل عَصّب حياة العالم . فأن ، ما يحول دون نهاية هذا النمط من العيش ، القائم على التنافس ، وتحصيل السلع ، هو بالطبع المصالح ، إلى الطبقات المسيطرة ، ونهاية القوى التي يمكن تضع حد لهذه الدراما التي تعيشها البشرية منذ بدأ تاريخها . فوجد التنافس يرجع لمصالح أقلية مسيطرة ، وليس لأنه يتلائم مع الطبيعية البشرية ، وأن البشر سوف يصابون بالكسل والخمول ، لو قيض لناس اللغاء هذا العامل ، الذي يبدو متأصل فيهم . ويجب أن لا يفهم بأن الدعوة إلى محو التنافس على السلع وكتنا المال الذي هو بحد ذاته نوع من السلع ، على أنه ، دعوة إلى أبطال كل تنافس ، فحقيقة ، أننا تحتاج في كثير من المواقف لتنافس الذي لا يتحول في نهاية للأحتكار ، فالتنافس شجع على تحصيل العلوم والاختراعات ، والتنافس في القوى الروحية والبدنية، ليش مشمول بهذه الدعوة لأن هناك أشكال من التنافس تساهم في الخلق والأبداع . فدعوتنا ألى ازالت التنافس من الحياة البشرية ، ينصب في الأساس على اُسلوب العيش ، الذي بات خارج التاريخ وعفى عليه الزمن فيما بعد الحداثة التي تعيشها المجتمعات المتطورة خوصاً . فهذا ، الألغاء يبدو لنا حافل الوعود ، وهو يحقق اليوطوبيا التي حلمت بها البشرية طويلاً .
◦ هاني الحطاب

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here