استقلالية القضاء في البرنامج الحكومي

القاضي ناصر عمران

لم يأت المنهاج الوزاري للحكومة العراقية الجديدة للفترة من (2018 _ 2022 ) بجديد بخصوص استقلالية السلطة القضائية والذي سيتم اعتماده من قبل السيد رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي تطبيقاً لصلاحياته الواردة دستوريا وبخاصة في المادة (80) من الدستور والتي نصت على ما يلي (يمارس مجلس الوزراء الصلاحيات التالية: اولاً : تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة ، والخطط العامة والاشراف على عمل الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة. ثانيا: اقتراح مشروعات القوانين ……….).

بل ان المنهاج الوزاري للحكومة كان مبستراً في التطرق الى موضوعة (الاستقلالية القضائية) والتي تشكل ركنا اساسيا في استكمال بناء أسس الدولة الاتحادية ونظامها الجمهوري النيابي الديمقراطي والذي حاول المنهاج الوزاري للحكومة طرحه كسياسة عامه لإدارة الدولة وبمتابعة قراءة المحاور الخمسة للمنهاج الحكومي والتي جاءت عناوينها متماهية مع رؤى الاستقلال القضائي واصلاحه فعناوين مثل تفعيل الدستور نصا وروحاً هو اساس الارتقاء بالدولة واستقلاليتها لكن المنهاج في شرح المحور لم يتطرق ولو بالاشارة الى اهمية القضاء الدستوري ودور مجلس القضاء في ذلك ضمن الرؤى والخطط العامة لإدارة سياسة الدولة وكانت العبارات اكثر انشائية من الموضوع بالرغم من أن القضاء الدستوري لعب دورا رئيسياً في تعزيز سيادة القانون والتطبيق الأمثل لنص وروح الدستور ووردت عبارة التعاون مع مجلس القضاء والمحكمة الاتحادية لإصلاح القضاء والمحاكم والإجراءات واحترام حقوق المواطنين وإنصافهم وإعطائهم الأولوية واحترام حقوق الانسان شكلا ومضمونا وتطبيق نص وروح الدستور عند صدور اوامر القبض والاعتقال ومنع التعذيب والاهانة والاحتجاز والسجن خارج الاصول القضائية وهذه الإشارات ليست محوراً عمليا تطبيقيا بقدر ما كانت اشارات لعلاقات الحكومة بالقضاء.

وإذا كان الدستور ينص في المادة (47) منه على استقلالية السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ومبدأ الفضل بين السلطات فهذا النص هو الاولى بالمراعاة في تطبيق الدستور نصا وروحا فالاستقلالية في العمل لا تعني الفصل بين السلطات فكل السلطات بمجموعها تشكل اسس بناء الدولة والتي يقع تخطيط وتنفيذ السياسة العامة والخطط العامة على عاتق مجلس الوزراء باعتبارها اهم صلاحياته الواردة في الدستور والضامنة لمبدأ الاستقلالية والفصل بين السلطات، فالسياسة العامة المخطط لها والمتعلقة بالسلطة القضائية كانت يجب ان تتضمن تعزيز استقلال القضاء، ورفع فعاليته، وصيانة حرمته و وقاره، وتحصين كرامة وشرف وهيبة كافة مكوناته.

وبالنظر للمكانة الخاصة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في السهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة وإصدار التوصيات حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة و الآراء حول سير القضاء، فالحكومة ملزمة بضمان حسن سيره و توفير الإمكانيات اللازمة لضمان استقلاله الإداري والمالي. وفي ما يخص الجانب التشريعي فعلى الحكومة ان تعمل مع القضاء على إصدار القوانين ومراجعة المنظومة التشريعية بما يحقق تطبيق المقتضيات الدستورية المتعلقة باستقلال القاضي وبحقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة والتعويض عن الضرر القضائي، وتطوير الإطار القانوني المنظم لمكونات السلطة القضائية ومواصلة الإصلاحات الجوهرية الرامية إلى تحديث المنظومة القانونية سواء فيما يتعلق بضمان ممارسة الحريات لاسيما بمراجعة القوانين الجنائية ومجموعة القانون الجنائي لمزيد من الملاءمة مع التزامات القضاء العراقي ومنظومة حقوق الإنسان العالمية، وبما يؤمن تنفيذ برامج تأهيل الكوادر القضائية والإدارية ومواردها البشرية، وترسيخ الثقافة والقيم القانونية وجعل القضاء في خدمة المواطن، بدعم ضمانات المحاكمة العادلة مع تبسيط الإجراءات القضائية وتوحيدها، وتسهيل مراجعة المتقاضين إلى المحاكم، وتحسين ظروف العمل والاستقبال بإعداد فضاءات قضائية مناسبة، وترسيخ احترافية القضاء وتخصصه ونزاهة وجودة أحكامه عن طريق الارتقاء بالتكوين الإعدادي المستمر للقضاة والموظفين والمعاونين القضائيين بهدف تعزيز مواكبة النظام والأداء القضائي لحاجيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحسين مناخ الأعمال والاستثمار واتخاذ الإجراءات العاجلة للرقي بمستوى الإدارة القضائية عن طريق استعمال التكنولوجيا الحديثة في أفق التحديث والمكننة الشاملة للمحاكم وبخاصة ان مجلس القضاء خطى خطوات كبيرة في هذا الشأن تمثلت بالموقع الالكتروني للسلطة القضائية الذي يمثل واجهة إعلامية وحضارية وتطبيق البرامج الالكترونية لتسريع إجراءات البت في القضايا ومنها برنامج الضبط الالكتروني وبرنامج العقد الالكتروني والذي يؤدي الى ضمان جودة وشفافية الخدمات القضائية، والرفع من القدرة التواصلية للمحاكم مع المواطنين وتعميم نشر المعلومة القانونية والقرارات والاحكام القضائية.

ان السياسة العامة لإدارة الدولة والتي يشكل الاصلاح والتطور ديناميكية عملها وملخص رؤاها والتي حوى برنامجها منهاجا رؤيويا انطلق بمحاوره من الهرم الدستوري الى القاعدة وشخص مكامن الوهن في إدارة الدولة والعلل التي تنتابها فكانت محاور سيادة القانون وامن البلد الداخلي والخارجي وتفعيل عمل الوزارات ومحاربة الارهاب وتجفيف منابع الفساد الإداري والمالي بغية القضاء عليه تشكيل قوة امنية قضائية لدعم هيبة وقوة الدولة والنظام وسيادة القانون وكلها جزء من متطلبات المواطن الذي يتطلع الى تفعيلها وملامستها لأرض الواقع المعاش، ان المنهاج الحكومي ليس نصا ثابتاً بل هو استراتيجية عمل قابلة للإجراء التعديل والتطوير والاضافة بما يخدم اتساع الرؤية وشمولية التطبيق واستقلالية القضاء المحور الاهم في ركيزة الرؤيا والتطبيق في استكمال اسس بناء الدولة ونظامها الجمهوري والنيابي والديمقراطي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here