الفنانة إنعام البطاط .. موهبة أصيلة خسرها العراق !

خضير طاهر

في حياة الشعوب المواهب الأصيلة نادرة وثمينة نظرا لما تقدمه هذه المواهب من عطاء علمي وفكري وفني متميز يجعل حياة الناس بشكل أفضل ، والفنانة إنعام البطاط موهبة حقيقية في التمثيل والغناء شاركت في عدة نشاطات مسرحية وأعمال تلفزيونية ، وكانت أجمل صوت نسائي ظهر في فترة الثمانيات كان يمكن ان يسد نقص بل خلو الساحة الفنية الغنائية العراقية من الأصوات الجميلة ويتربع على عرشها بجدارة .

في صوت الفنانة إنعام وقار ورصانة ، فهي لم تخلق للترفيه ، بل لتحريك المشاعر الإنسانية وإشعال نار الوجع ..وانعام أميرة الشجن صوتها يناغيك ويربت على أهداب عينيك ويدعوك الى إغلاقهما ويفتح نافذة على بوابة عالم آخر سماوي بعيدا عن الأرض وضجيج الواقع اليومي .. انه صوت يكسر روتين اللحظة وفيه مزيج من لوعة الروح وحيرة العقل وورطة الوجود !

إنعام طاقة فنية هائلة .. كانت أكبر من الواقع الفني العراقي الذي لم يستوعبها كونه واقع محدود الأفق والإبداع ويتحرك بعقلية تقليدية بائسة عاش داخل سجن فترة سياسية كارثية حيث كانت مطحنة الحروب والقتل والخراب الشامل !

على الصعيد الشخصي كانت حياة الفنانة إنعام جميلة ومفعمة بالحيويإنسانية ومحاولة التعبير عن الذات بكل شجاعة رغم صعوبة البيئة الإجتماعية التي عاشت فيها فترة حياتها الأولى ، إذ ولدت في مدينة الناصرية التي تعتبر خزان العراق السخي بالمواهب الادبية والفنية ، ورغم الجو المحافظ الذي يسود المدينة إلا ان إنعام نجحت في التعبير عن ذاتها ومارست بعض النشاطات الرياضية والفنية وعبرت عن نفسها .

وكادت ان تهرب من موهبتها عندما أرادت إختيار قسم الترجمة في الدراسة الجامعية ، لكن القدر الجميل كان لها بالمرصاد وقادها للقبول في اكاديمية الفنون الجميلة ، وهناك ظهرت موهبتها وتألقت في أرقى مستوى السطوع ، وقدمت مزيجا من الموهبة والبهاء الروحي والحضور الآسر .

وحدثت الكارثية الجماعية بعد غزو الكويت ، وأصبح الوطن قطعة من جحيم الدكتاتورية والحروب وسفك الدماء وليس حضنا حنونا .

وغادتنا إنعام البطاط صوب عالم الغربة .. غادرتنا وتركت ذكرياتها وأحلامها .. لاأعرف كيفت ودعت الوطن .. وهل عاتبته لأنه مقبرة للمواهب وطارد لها ، ولاأدري كم دمعة سقطت منها وهي تستعرض شريط حياتها أثناء السير بالسيارة المتجهة الى الأردن.. خرجت وغادرتنا تحمل معها خيبة وطن وعذاب شعب أضاع بوصلته بنفسه طوال التاريخ !

لقد خسر العراق الفنانة إنعام البطاط .. خسر فنها الراقي .. وخسر إنسانة تحمل من النبل ونقاء الروح يلخص جمالية الفن والإنسان !

هامش : الرابط إحدى إغنيات الفنانة إنعام البطاط.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here