“المختار” في العراق يواجه امراً “غريباً” وتحوّلات أمنية

لم تعد مهنة “المختار” في المدن والبلدات العراقية المحررة من سيطرة تنظيم “داعش” شمال وغربي البلاد، كما كانت متجذرة في الموروث الشعبي في البلاد، الذي يصف المختار بأنه الأب الروحي للحي أو البلدة، والأمين على أسرار العائلات وحلّال مشاكلها، والعامل على تسيير أمور الناس وأحوالهم وما يحتاجونه من الدوائر والمؤسسات الحكومية من معاملات وطلبات.

والمختار هو المطّلع على تفاصيل أصغر أمور البلدة، والعارف ببواطن العوائل وأصولها، والمتوسط أحياناً لحل المشاكل بين الأهالي بطريقة ودّية. لكن هذه المهام تبدّلت بعد المعارك العسكرية التي خاضتها القوات العسكرية العراقية ضد الجماعات الإرهابية بعد العام 2014، إلى مهنة أمنية، وينطبق الأمر على المخاتير الجدد في غالبية مناطق شمال وغرب البلاد، الذين باتوا مثل ضباط الشرطة يبحثون في أمن المناطق، ويساعدون العسكر على مداهمات البيوت ويوصلون المعلومات للجيش والأمن، وهو ما أدى إلى تراجع الثقة بالمختار الذي تبدّلت صورته كثيراً لدى العراقيين، بحسب مواطنين من محافظة الأنبار غربي العراق.

ويعمل مختار اليوم، بصفة “مخبر سري”، وهو ما كان يحذر منه عراقيو الشمال والغرب، إذ إن بلاغاً واحداً منه إلى السلطات الأمنية حتى وإن كان كيدياً بلا حقيقة، يمكنه أن يذهب بالضحية إلى “ما وراء الشمس”.

ويضيف آخرون أن “مهنة المختار لم تخرج عن إطارها السابق، ولكن أضيفت إليها مهام جديدة، فقد أصبحت أوسع نوعاً ما مع تحرير المناطق التي احتلها داعش، وأصبح المختار يُستخدم كدليل لتزكية أفراد المنطقة التي يكون فيها، وكما هو معروف فالمختار دائماً يكون هو الشخص المسؤول عن السكن وعن أهل المنطقة وشؤونهم، لذلك يكون عارفاً بكل أهل منطقته سواء عملهم أو حتى أنسابهم”، متابعين “بعد التحرير أضافت الجهات الأمنية مهمة استخبارية لعمل المختار، وهي الإبلاغ عمن كان يعمل مع تنظيم داعش الإرهابي، وهذه المهمة أدت إلى اعتقال عدد من الأبرياء، بسبب خلافات سابقة بين المختار الجديد والضحايا”.

وبالعودة إلى تأريخ مهنة المختار، تشير مصادر عديدة، إلى أنها ابتكار عثماني، إذ إن الوالي الجديد كان يحتاج إلى مُعرّفين مدنيين من غير الأفراد السريين الذين ينتسبون إلى الحكومة، كأن يكون واحداً أو أكثر من الأهالي ومن سكنة المنطقة، ويتصف بالمقبولية الاجتماعية في الحي الذي هو فيه، إلى أن تطورت الفكرة شيئاً فشيئاً، وأصبح من يمتهنها بعد انتخابه بواسطة الأهالي هو المختار.

وبحسب القوانين العراقية، الصادرة مطلع القرن الماضي، فإن لكل محلة مختارا، ضمن حدود البلدية، ولكل قرية مختارا أو أكثر يتم اختياره وتحدد واجباته وأمور انضباطه ومخصصاته، وتصرف للمختار مكافأة شهرية يحدد مقدارها بقرار من وزير الداخلية بعد موافقة الرئاسة، أي أنه ليس موظفاً. وأبرز شروط اختياره أن يكون متزوجاً وحسن السيرة والسلوك، وعمره خمسين عاماً وما فوق، ومن سكان البلدة الأصليين أو يسكن فيها منذ ما لا يقل عن 10 أعوام، وغير منتمٍ لجهة حزبية أو كيان سياسي.

وفي الأعوام التي سيطر فيها تنظيم “داعش” على محافظات العراق الغربية وبعض الشمالية، ضرب الإرهاب المخاتير ولاحقهم، فأعدم الكثير منهم في الساحات العامة، بحجة الارتباط والولاء للدولة العراقية، وهو ما يرفضه “داعش” الداعي لخلافة إسلامية لا تؤمن بحدود جغرافية. وحدث ذلك في ديالى والموصل وصلاح الدين والأنبار، ما أدى إلى انحسار المهنة، وعزوف كثير من الراغبين بها عن مزاولتها بعد معارك التحرير، لأنها ظلّت هدفاً للمنظمات الإرهابية، الأمر الذي سهّل على السلطات الأمنية والأحزاب العراقية اختيار المخاتير وفقاً لمصالحها الشخصية، أو لغايات اقتصادية أو طائفية.

وفي هذا السياق، يقول مسؤول محلي من مدينة ديالى للعربي الجديد، إن “غالبية مخاتير المحافظة من فئة الشباب، وتتراوح أعمارهم بين 28 عاماً و35، وهو أمر غريب لم تشهده المحافظة خلال تاريخها، وهو أمر ينطبق على المناطق التي احتلها داعش فقط”، موضحاً أن “خوف كبار السن من مخاطر المهنة بعد أن استهدفت الجماعات الإرهابية مخاتير ديالى، دفع القوات الأمنية والعسكرية إلى اختيار من يتناسب معها، وهو الأمر نفسه عند الأحزاب، وتحديداً منظمة بدر، التي تمارس تصفيات جسدية عبر معلومات يسربها بعض المخاتير، وليس كلهم، ولأسباب طائفية بحتة”.

وقبل حوالي العام، أقدم المجلس المحلي في محافظة بغداد، على ضمّ فقرات جديدة إلى قانون المخاتير العراقي، المعمول به منذ عشرات السنين، إذ سمحت بغداد للمختار بممارسة وظيفة الضبط القانوني، ومسك سجل جرد العائلات في المحلة والموقوفين والمسجونين والخارجين من الحبس والعائلات النازحة والمهجرة والمهاجرة، وكذلك الإبلاغ عن التحركات المشبوهة ومرافقة الجهات الأمنية في تنفيذ أوامر إلقاء القبض والاعتقالات والتحري، بحسب المسؤول المحلي أحمد جودة المالكي، الذي يشير أيضاً إلى أن “عمر المختار يجب ألا يتجاوز الخمسين عاماً”، وهو ما يخالف القانون العراقي الذي ألزم المختار بألا يتجاوز عمره 65 عاماً.

من جهته، يقول المحافظ السابق لمحافظة نينوى اثيل النجيفي، إن “المحافظة بعد تحريرها من تنظيم داعش، أصبحت تحت سيطرة جهات متنفذة تعمل باسم الدولة، وفي كل منطقة هناك جهة تمثّل الدولة والسلطة الأمنية وتكون هي صاحبة القرار، وبالتالي تفرض نفسها على مؤسسات الدولة ومن ضمنها المخاتير”، لافتاً إلى أن “هؤلاء يقومون بإصدار نظام العمل ومقررات إلزامية ومنها تسريب المعلومات عبر المواطنين ومعاونة الأجهزة العسكرية والاستخباراتية، وهذا في الحقيقة ليس عمل المختار”.

ويشير النجيفي إلى أن “المخاتير في نينوى يتعرضون اليوم لضغوط كثيرة، وليست لديهم حقوق كافية أو جهة تحميهم من هذه الجهات المتنفذة، وهم بحاجة إلى عناية ورعاية، لأنهم يمثلون الحلقة الأضعف في الصلة ما بين الدولة والمواطن، وبالتالي كل المشاكل الموجودة في مؤسسات الدولة التي تصل إلى المواطن، تصل عبر المختار، كما أن المواطن عندما يحتاج شيئاً من الدولة فإنه يتجه إلى المختار”.

ويضيف أنه “كان لداعش دور إجرامي في الفترات السابقة، إذ ضرب المخاتير بشكل كبير، فتعرضوا لاغتيالات كثيرة في نينوى، وأصبح المختار مجبراً على التعاون مع العصابات الإرهابية في بعض الأحيان، للحفاظ على حياته وعائلته”، داعياً مجلس القضاء الأعلى في البلاد “للاهتمام بالمخاتير وتنحية السيئ منهم والمتحزب، لأن هذه الوظيفة خدمية وليست سياسية أو أمنية”.

من جهتها، تقول البرلمانية السابقة عن “تحالف القوى”، لقاء وردي، إن “السلطات الأمنية والحكومية صارت تتحكم بملف المخاتير بعد أن كان الأهالي يختارون هؤلاء، عبر ظاهرة تشبه الانتخابات إلى حد ما”، لافتة في حديثٍ مع “العربي الجديد”، إلى أن “المختار هو جزء من منظومة الدولة ولا يعني أن يعمل لصالحها كما المخبر السري، فهو متعاون لصالح المواطن وليس ضده، ولكن يبدو أنه بات من الضروري أن تكون هناك رقابة على عمل المخاتير، ومنع استخدام سلطة الأحزاب عليهم”.

في المقابل، لا يوافق عضو المجلس المحلي في محافظة الأنبار، راجع العيساوي، على ما يردده مسؤولون عراقيون ومواطنون، بشأن تحكّم السلطات الأمنية والأحزاب بملف ومنصب المختار. ويقول العيساوي إن “عملية اختيار المختار ما زالت تتم عبر الأهالي، وفقاً لشروط أن يكون خريج ابتدائية أو متوسطة ومعروف في المنطقة، ويتم رفع اسمه إلى المحكمة للتأكد من عدم تورطه بملف جنائي أو إرهابي، ومن ثم إلى مجلس المحافظة لتتم المصادقة عليه”، لافتاً إلى أن “المختار يعمل على التنسيق بين أهالي المنطقة والحكومة المحلية، وليس كمخبر سري، ومن يشيع هذه التسمية يحاول زعزعة الوضع الأمني والاجتماعي في المناطق العراقية”.

من جهته، يؤكد النائب الحالي في البرلمان العراقي، يحيى العيثاوي أن “عمل المخاتير يحتاج إلى تشريع قانون جديد ينسجم مع طبيعة المرحلة”، مضيفاً “نحن في البرلمان بصدد تشريع هكذا قوانين تهم حياة المواطنين، وأهم فقراته ستكون التعاون مع المواطنين، وسيكون لنا دور برلماني رقابي على عمل المخاتير، لضمان عدم وجود حالات ابتزاز أو إيصال معلومات خاطئة للجهات الأمنية أو جهات أخرى”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here