في ادب الحياة ـ كن رجلا ممتازا وانت في الثمانين !

* د. رضا العطار
يقول بعض علماء النفس، لو كان في استطاعتنا طرد الاسطورة المشوهة للشيخوخة في اذهان الناس. لو اننا وضحنا لهم ان الرجال الذين يهرمون بسرعة انما هم اولئك الذين فقدوا مبررات وجودهم. وان ما يتعب الانسان ويضنيه انما هو التكاسل والتقاعد والجمود. لا الحياة المليئة المضطربة والانفعالات الصاخبة والجهود الشاقة المتواصلة ولا الدراسات الطويلة المستمرة والاعمال المنتجة المفيدة.

وقد كان تشرشل نموذجا للرجل الممتاز وهو في سن الثمانين او اكثر، فكان مثارا للأعجاب بذكائه، ومقدرته وحميته وحماسته، ومن الظاهر ان للشيخوخة بمعنى ما من المعاني عادات سيئة. لكن هؤلاء الاشخاص، في طراز حياتهم قد اظهروا عكس ذلك.

فأنتاج الشيخوخة حصاد وفير: وحسبنا ان نرجع الى تاريخ البشرية لكي نتحقق من صدق ما قاله شيشرون قديما من ان جلائل الاعمال لم تكن في يوم ما من الايام وليدة القوة العضلية او الرشاقة البدنية بل انما كانت وليدة الخبرة الطويلة والحكمة الرشيدة، وكل هذه المزايا لا تجي إلا مع الشيخوخة.

اما في مجال الفلسفة فلم يكن من قبيل الصدفة ان يكتب الفيلسوف الالماني الكبير كانت

( ان اجمل كتبه كانت في سن السادسة والستين. وما قدم لنا برجسون المفكر الفرنسي الشهير درته الثمينة ( منبع الاخلاق والدين) كان في الثالثة والسبعين. وان يطالعنا ديوي الفيلسوف الامريكي العظيم بكتاب هائل في ( المنطق او نظرية البحث ) وهو في التاسعة والسبعين وان يبدأ المفكر الانكليزي المعروف الفرد نورث وايتهد كل حياته الفلسفية في سن الواحدة والستين، بعد بلوغه سن التقاعد.

اما في مجال الأدب، فاننا نعلم ان فولتير قد كتب روايته الشهيرة (كانديد) في الخامسة والستين من عمره وان فكتور هيجو قد كتب اجمل قصائده في مرحلة متأخرة من حياته. وان جوته شاعر الالمان الكبير قد قدم لنا في شيخوخته (رائعة فاوست)

اما في مجال الفن: فاننا نعلم ان فاجنر الموسيقار الالماني الشهير قد فرغ من سنفونيته الشهيرة وهو في التاسعة والستين من عمره. وان مصورين كثيرين من امثال سيزان و رنوار وبراك وبيكاسو وغيرهم قد قدموا لنا اعمالا فنية رائعة في مرحلة متأخرة من مراحل حياتهم.

* مقتبس من كتاب مشكلات الحياة لمؤلفه الدكتور زكريا ابراهيم استاذ علم الفلسفة في جامعة القاهرة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here