منذ زمان والعالم يحكي عن العراق وعن معنى الدولة الفاسدة ، ونحن معشر العراقيين نفسر الفساد بيننا تفسيرات محلية ، فنقول : – تارةً إنه بفعل السياسة و العمل السياسي ، ونقول أخرى إنه بفعل الفساد في الإدارة والمديرين ، وثالثةً نقول إنه بفعل سطوة أهل الجريمة والمجرمين والإرهاب والإرهابيين وغياب القانون – ، لكن للفساد في العراق وجه قبيح أخر يتعلق بالتبديد المتعمد للثروة والسرقات ، وغياب منهاج الضبط في المجالين الإقتصادي والمالي ، وكنت قد نبهت منذ فترة لذلك عبر مقالات كنت أظن إن لها – أذنٌ واعيه ، تستمع القول فتتبع أحسنه – ، وكان ظني خاطئ ( إذ لا يصلح العطار ما أفسد الدهر ) ، وهنا أشير لجملة أعمال وممارسات وتشريعات ما أنزل الله بها من سلطان ، فالتشريع المثير والفاقد للشرعية هو ذلك الذي : – أعطى لجماعة رفحه السعودية رواتب لا أعلم لماذا ؟ وعن ماذا ؟ – ، ومنحهم دور وأراض سكنية ، مع إن الغالب العام منهم يعيش خارج العراق ويتنعم برواتب ومعيشه لا بأس بها في دول الإغتراب – ، والمغتربين ليسوا بحاجة لهذا المال ولهذه الدور وكلكم تعلمون ذلك ، ولا أدري لماذا سن البرلمان قانون في ذلك ؟ ، فهل للمجاهد في سبيل الله ثمن ؟ ، أم إنهم من المؤلفة قلوبهم ؟ ، أم إنهم مرتزقة ؟ ، أم إنهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ؟ ، وفي هذه بالذات لا يحتاجون إلى فدية ولا إلى جزاءات دنيوية ، طالما كان المراد والهدف هو مرضات الله ، إنه القانون السيء الفاسد الذي يتعمد تبديد الثروة في مجال وفي محل لا يستحقه من يعطى له ، جماعة رفحاء إنتفضوا ضد الظلم ودعوا للعدالة الإجتماعية ، وهذا شيء ليس له ثمن في حالتهم التي هم عليها الآن ، إذ ليس فيهم إلاَّ القليل من فضل العراق على بلاد الإغتراب ، هذه واحدة من الموبقات التي جاء بها نفر من عديمي الضمير مخالفين الطبيعة والحاجة وطلبات المجتمع ، وإن كان المراد هو جلب المهاجرين للعراق فهذا لم يحصل فالكل فضل البقاء خارجاً ، ثم إن كان في العراق فائض مال فلماذا لا ينفق ويصرف على عوائل الشهداء ؟ وعلى النساء المطلقات وعلى الأطفال الذين لا معيل لهم ؟ ، لماذا لا يصرف هذا المال على البنية التحتية للعراق مدارس مستشفيات وصرف صحي ومراكز تعليميه وشوارع ؟ ، لماذا تحول العراق إلى بلد فاشل وفاسد ، ودائماً مثله الأعلى في التربية والتعليم بلدان فاشلة وساقطة ؟ ، لماذا لم يُعاد له نظامه التعليمي المجاني والضمان الصحي للمواطنيين ؟ ، لماذا لا يعتنى بالجيش والشرطة والحشد ؟ فهؤلاء أولى من هذه الجماعة المغتربة .
هذا واحدة وثانية الفساد هو إعطاء رواتب للمتقاعدين من الدول العربية الأخرى ، هل سمعتم في ذلك في الملة الأخرى ؟ ، وهل هناك تقابل بالفعل يكون للعراقي ما يكون لغيره من الذي يعملون في الخارج ؟ أخص الدول العربية ، أية قوانين هذه التي تتعمد إفقار العراق وجعله متخلفاً ؟ ، ثم لماذا تتباكون عليه وعلى مظلوميته ؟ ، أي رجال أنتم إيها !!!!! لمن هب ودب ؟ ، بئس الرجال أنتم وبئس القوانين تلك ؟ ، هذه دول الخليج جارتكم ليس فيها مثل هذه القوانين مع قدرتها على ذلك ، لماذا أنتم سباقون للشر نزاعون لجعل العراق بحاجة على طول الخط ؟ ، لماذا لا تنتظرون حتى يتعافى العراق ويسدد ما عليه من فواتير الحروب والدم والموت ؟ ، لا أدري من أقترح ذلك ومن سعى إليه وعمل به ؟ ، إني يائس منكم جميعاً لا أستثني أحداً منكم ، فجميعكم عمل القبيح ومارسه ودعا اليه ، جميعكم سوآءاتكم كسوءة عمرو بن العاص معاصرة وتقبح وجه التاريخ ، وأنتم خير من يمثل هذا القول : – إنتم شر مكانا – ، ويحكم أرجعوا إلى أنفسكم وحاسبوها ، هل يحل لكم ذلك ؟ ، في تبديد ثروة العراق والمشاركة في تخلفه ، يا أشباه الرجال ولا رجال ..وعقول ربات الحجال ، كما قال الإمام علي عليه السلام : – وددت إني لم أركم ولم أعرفكم ..- ، أما فيكم رجل رشيد ، يعيد للعراق بعض ألقه ووزنه وكرامته وطعمه ولونه ، أما فيكم من نعتمد عليه حين تدلهم بنا الخطوب ، أما فيكم من نرجوا الله فيه معينا وناصرا ، أرجوكم لا تدفعوا العراقي ليقيس بينكم وبين من سبقكم ، إنها إذن قسمة ضيزى ..
راغب الركابي
Read our Privacy Policy by clicking here