الأختباء وراء الأصبع ليس حلاً.

توفيق الدبوس
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ.ما أغنى عنه ماله وما كسب.سيصلى ناراً ذات لهب.وامرأته حمالة الحطب.في جيدها حبلٌ من مسد هكذا خاطب الله عزَّ وجل المتسلطين والكافرين بدين الله المنهمكين بجمع الأموال السحت الحرام.
غالباً ما تستفيد الأمم والجماعات والأفراد من تجاربها.فتتدارس أسباب الفشل ونتائج الحروب والصراعات والأزمات وعواملها وتداعياتها. فتضع الحلول والبرامج ووسائل تنفيذها للخروج من الحال التي وصلت اليها. وتعالج نتائج الكوارث والمحن.وبخاصة تلك النكبات التي اجتاحت البلدان, كالأرهاب والخروج على القانون وتفشي الفساد والتراجع الحضاري والمدني وارتفاع معدلات البطالة وتفشي الفقر وتردي الخدمات وثالثة الأثافي فقدان السيادة الوطنية وتراجع احترام الدول لشعبنا وأمتنا.
رغمَّ إن كل الدلائل تشير الى فشل التجربة الديموقراطية وفشل العملية السياسية في العراق الا أن الكتل السياسية المتحكمة بقرار الشعب العراقي والأفراد يختفي كلٌ منهم وراء اصبعه كما تدفن النعامة رأسها في الرمال كي لا يراها الصياد. ويتهرب هؤلاء الساسة من الواقع ورؤية الحقيقة. ولا يجرؤ أحدهم على طرح البدائل والحلول للخروج من المحنة والنكبة الكبرى التي غرقنا بها منذ عقد ونصف من الزمن.
صورة النكبة أصبحت جلية واضحة تماماً ومنذ سنة 2003 وكل يومٍ يمر والصورة تزداد وضوحاً .فهل من متعظ؟هل ممكن أن يستيقظ الضمير الوطني عند مَنْ مات ضميره وتلخطت يداه بدماء الشعب أو ممن فسدت ذممهم و بطونهم وبطون عيالهم بالمال الحرام؟
جرت الأنتخابات في الشهر الخامس من هذا العام وتشكلت وزارة جديدة غير مكتملة ومع هذا تأملَ العراقيون منها خيراً وابتعاداً عن المحاصصة, التي زرعت الفساد ورَعتْه وشرعنته.لكن خاب الظنُّ فلم يتمكن الرجل عادل عبد المهدي من التخلص من هيمنة تلك الكتل والأشخاص الذين نكثوا العهود والوعود باطلاق يده .و مارسوا العكس من ذلك. فآذته الكتل ولطخت تأريخه وتأريخ عائلته الكريمة بضغوط وتدخل سافر ومستور
لقد مارسوا كل الضغوط لتعجيز السيد عبدالمهدي وسلب ارادته وافشاله ليخلوا لهم الجو من جديد والعودة للسلطة وان كان الثمن التفريط بمصلحة الشعب العراقي والغرق في مأساته التي تسببوا بها.
انجلى الموقف بوضوح اليوم الثلاثاء 18 ديسمبر في المهزلة التي جرت في مجلس النواب لتمرير منح الثقة لبقية الكابينة الوزارية, وعدم حضور السيد عبد المهدي لهذه الجلسة, اعتراضاً منه على ما يجري من ضغوط غير مشروعة, وخلافاً لما وعدت به الأحزاب والكتل من اطلاق يد السيد عبد المهدي بحرية اختيار الوزراء.
و لم يخفَ على الشعب ولا على المتابعين ما يجري في الخفاء ووراء الكواليس من تآمر على الشعب وتهرب واضح من نصائح وتوجيهات المرجعية الرشيدة.أوالألتفاف عليها.
فهل من المعقول أن سبب تأخير اكمال الكابينة الوزارية هوشخص معين, مهما علتْ مرتبته ووزنه السياسي والأجتماعي.وهل من المعقول عدم اعتماد الكفاءة والمهنية والأخلاص للعراق والنزاهة في اختيار وزيري الدفاع والداخلية والركون للتبعية والطائفية أو الرشى؟ كما سمعنا من البعض.وهل من المعقول اتهام وزراء بالفساد أوالأنتماء للأرهاب بعد أن منحهم مجلس النواب الثقة .فأي وزارة هذه؟ وأي مجلس نواب هذا الذي يمثل هذا الشعب الذي منح الثقة على العمى ودون تأكد؟.
فلا أمل يرتجى في بناء دولة حديثة مدنية في ظل هكذا مجلس نواب, ولا هكذا حكومة مكتوفة الأيدي. تهزها رياح الكتل والأحزاب الفاسدة .فباتت فاقدة لحرية اتخاذ القرار وتفنفيذه بالوقت المناسب.مع فائق تقديرنا واحترامنا للدكتور عادل عبد المهدي الذي بذل كل الجهد للخروج من الأزمة والنهوض بالمجتمع العراقي وقيادته لبر الأمان.
وهل ممكن لمثل هذا المجلس الذي تمخض عن مقاطعة 70% من الشعب للأنتخابات التي شابها التزوير وحرق صناديق الأنتخابات ,أن يخطط لبناء وطن وينقذ أمة من الفساد وتردي الأمن وانحسار الخدمات .وكيف يتمكن من النهوض بالأمة من الرماد ومستنقع التخلف وهو مشكوك بشرعيته.
لقد حاول السيد العبادي سابقاً قبل السيد عبد المهدي الخروج من نفق المحاصصة والقضاء على الفساد. وقدم وزارة لمجلس النواب لكنهم التفوا عليها وأفشلوها بتحويلها للجان البرلمانية لتزكيتها. وهكذا أطاحوا بحلم الشعب العراقي.ومع هذاورغم فشل السيد العبادي. لكنه حقق العديد من الأنجازات التي أدارلها زعماء الكتل والأحزاب ظهر المجن.وتنكروا له ولها.
ومن المشاهد المؤلة في دولتنا العتيدة البهية هو تمسك محافظين فازوا بعضوية مجلس النواب.ولكنهم لم يكتفوا. فقادهم هواهم للتمسك بالمنصبين. فأشغلوا محافظاتهم بمشاكل ونزاعات ومحاكم و و و و .
سادتي الأكارم الحل موجود ولكنه بحاجة للتحلي بالوطنية المبسطة واحساس بآلام الشعب ومحنته.
لماذا لا نختصر الوقت ونعدل نقاط قليلة من الدستور؟ و لا أعتقد أن هناك من يعترض عليها, سوى الأحزاب والكتل التي لا تريد تسليم قرار الشعب للشعب, وفك رقبته من هذا الأسر وفرض العبودية عليه.كتل ترفض التخلي عن المكاسب المالية والهيمنة والسيطرة والجاه والفوز بكل شيء ولا تُعطِ الشعب أي شيء.
لكى نتحاشى أزمة الوزارة وتشكيلها وأزمات كثيرة متلاحقة. لِنُغير شيئاً من الدستور ونجعل النظام رئاسياً برلمانياً .فيُنتخب رئيس الجمهورية انتخاباً حرّاً مباشراً من الشعب ويكون هو رئيساً للوزراء .ويقدم أسماء الوزراء لمجلس النواب لمنح الثقة.ويختار هو شخصياً نائباً له قبل ترشيحه للأنتخابات.على أن يتخلى الرئيس ونائبه بعد فوزهما عن الأنتماء لأي حزب أو تكتل سياسي.
وكذلك الحال بالنسبة للمحافظين بإنتخاب المحافظ مباشرة من الشعب. والمحافظ المنتخب يعين حكومته المحلية ويطرح الأسماء على مجلس محافظته , مع ضرورة تقليص مجلس المحافظة وتحديد مسؤولياته.والأفضل أن يتكون هذا المجلس من القائمقاميين ومدراء النواحي المنتخبين مباشرة من الشعب. ومن المستحسن انتخاب مجلساً بلدياً لكل قضاء وناحية ويكون رئيسه رئيساً للبلدية ويلغى منصب مدير البلدية .على أن تشرع القوانين اللازمة لذلك أو تدرج في الدستور.
على يشتمل هذا القانون على صلاحية رئيس الجمهورية على اقالة أي محافظ أورئيس وحدة ادارية لأسباب توجب هذا.
لماذا لا نعدل فقرة مجلس الأتحاد ونحدد أعضائه ب20 عضواً يُنتَخبون من الشعب مباشرة.وتحدد واجبات مجلسي الأتحاد و النواب وفق فقرات واضحة غير قابلة للجدال والتأويل.
ومن الأمور الملحة الواجبة الأهتمام بها تغيير قانون الأنتخابات وجعل الترشيح فردياً لا قوائم وتقليص عدد أعضاء هذا المجلس وتعديل النظام الداخلي لمجلس النواب وتحديد مخصصاتهم وواجباتهم.
للخروج مما نحن فيه يتوجب على الساسة التحلي بالشجاعة وعدم الأختباء وراء الأصبع فوطنهم أغلى وأهم من المكاسب المادية.فالأختباء وراء الأصبع ليس حلاً.وإنما هو غباء سياسي .أو جريمة مع سبق الأصرار والترصد والتقصد لتدمير هذا الشعب ووطنه.
فهل هذه أمور ومطالب صعبة؟ ولماذا لا نسمع عنها حديثاً من الأحزاب والكتل التي تدعي الخوف من الله وتدعي الوطنية والنزاهة ؟
أيها المتسلطون إن لم تستجيبوا لقول الله تعالى (تبت يدا أبي لهبٍ وتهب ماأغنى عنه ماله وما كسب) فاستجيبوا لنصائح المرجعية الرشيدة على الأقل وإنْ لم تستفيدوا من تجارب الشعوب وتجربة 16 سنة من الرعب والآلام والفقر والمرض, التي عاناها الشعب. فارجعوا لضمائركم وتأريخ عوائلكم وكونوا أوفياء. وحكِّموا عقولكم بما يجري وجرى. وكفاكم الغرق في أوهامكم وغطرستكم التي لن ولم تفضِ الا الى خراب وعذاب أكبر. سيرتد عليكم يوماً في يوم حسابٍ عسير لا نتمناه لكم ولشعبنا الطيب فعودوا للرشد والصواب إن بقي منه باقية .فسيأتي يومٌ لا ينفعكم فيه سلطانٌ ولا مالٌ ولا بنون.وتبصروا وفكروا في العواقب والله انه خيرٌ من الأختباء وراء الأصبع.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here