سوانح وبوارح .. حول بدعة المولد النبوي .. الجزء الخامس

بدعة المولد النبوي .. ليست مسألة خلافية إطلاقا ..

لا يقول بهذا .. إلا الذين يريدون أن يدلسوا على الناس إيمانهم .. ويضلوهم على غير علم .. ويفسدوا عليهم دينهم ..

لأن الخلاف بين الفقهاء .. له سببان فقط …

خلاف في تفسير القرآن الكريم ..

ومثاله :

الخلاف بين الشافعية والحنفية .. في نقض الضوء حين لمس المرأة ..

اعتمادا على الآية الكريمة ..

( فَٱطَّهَّرُواْۚ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَآءَ أَحَدٞ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَآئِطِ أَوۡ لَٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ ) ..

فالشافعية فسروها بمجرد ملامسة النساء .. ينتقض الوضوء ..

بينما الحنفية .. فسروها بالمعاشرة الزوجية ..

خلاف في سند الحديث وقوته .. والطرق الموصلة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ..

ومثاله :

الشافعية يبيحون النفرة من مزدلفة بعد منتصف الليل ..

بينما الحنفية لا يسمحون بالنفرة إلا بعد طلوع الفجر ..

وكل من الفريقين يعتبر الحديث الذي اعتمد عليه .. هو أقوى من الآخر ..

وعليه ..

فإن الخلاف .. يستند إلى وجود أصل قرآني أو نبوي ..

بينما في المولد النبوي .. لا يوجد له أصل قرآني ولا نبوي .. بتاتا ..

لذلك لا يوجد خلاف بين العلماء البتة ..

كل ما في الأمر .. أن المولد صناعة عبيدية فاطمية .. أيدها صغار العلماء المغفلين .. الجاهلين .. على غير بصيرة .. وبتزيين من الشيطان ..

ولحقهم غوثاء المسلمين .. لأنهم يحبون الهرج .. والمرج .. والابتداع ..

فقام الذين أوتوا العلم .. والمتقون .. بإنكارها والعمل على إبطالها ..

إذن ..

لا خلاف في أنها بدعة شيطانية .. بل ويقر بذلك مؤيدوها .. ولكنهم يستحسنونها !!!

قل هل يستوي كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .. مع كلام العبيد ؟؟؟!!!

قل : لئن اجتمعت الجن والإنس .. على أن يأتوا بتاريخ ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم .. باليوم .. والشهر .. والسنة .. من كتاب الله .. او من أحاديثه الشريفة ..

وأن يأتوا بدعوة صريحة .. واضحة .. من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .. إلى الاحتفال بهذا اليوم التاريخي العظيم .. الفريد .. المميز ..

فأنا أول المحتفلين …

فإن لم يأتوا به .. ولن يأتوا به .. فاحتفالهم بالمولد .. باطل .. باطل ..

وعلى المحتفلين به .. أن يتوبوا إلى الله تعالى .. وأن يقفوا عند حدوده .. ويلتزموا كليا بكلامه الصريح .. الواضح .. وليس بكلام عبيده (وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ ) ..

وإن لم يلتزموا .. فيُخشى أن يحل عليهم عقاب الله .. وسخطه ..

أرسل لي أحدهم صورة حشد ضخم للمسلمين في أندونيسيا .. يحتفلون بالميلاد النبوي ..

ويبدي فرحه .. وسروره بهذه الصورة ..

فأجبته …

يا أخي الكريم .. يا أخي الحبيب …

لا تغرنك تلك المظاهر …. ولا يخدعنك تلك الجموع الغثائية .. التي ذكرها حبيبنا .. وقائدنا محمد .. الرسول .. النبي صلى الله عليه وسلم …. ( ولكنكم غثاء كغثاء السيل ) ……

هل منعت هذه الحشود الضخمة .. من انفصال المنطقة الشرقية من أندونيسيا .. وتكوين دولة نصرانية صليبية مستقلة ؟؟؟؟؟؟ …..

وهل منعت من انفصال جنوب السودان .. وتكوين دولة نصرانية صليبية أيضا ؟؟؟ وهل منعت من احتلال أفغانستان .. ثم العراق .. ثم سورية .. وتقتيل الملايين من المسلمين؟؟؟

يا أخي العزيز ..

ألف مسلم ملتزم بالإسلام كليا .. ومجاهد في سبيل الله …. خير من ألف مليون من هؤلاء الحشود الغوغائية ..

تعال لنلتزم بما أمر الله به ونهى عنه فقط .. دون زيادة ولا نقصان ….

ونعتز به فقط … ونعتمد عليه وحده فقط ……

وسترى كيف ستتبدل الدنيا …… ونصبح نحن أسيادها …. وليس عبيدها كما نحن الآن …

إن الذين ينادونك من وراء الحجرات .. محتفلين بتاريخ ميلادك المزعوم .. الكذوب .. ومستغيثين بك .. وهاتفين باسمك ..

أدركنا .. أنجدنا .. أنقذنا .. ساعدنا ..

أكثرهم لا يعقلون .. بل أكثرهم لا يؤمنون ..

ولو أنهم عظموك كما عظمك الله .. ولم يشركوك مع الله .. وأنت في عالم الأموات .. لا تملك لهم ضرا .. ولا نفعا .. ولا تسمع نداءهم .. وآمنوا بالله الواحد الأحد .. واعتزوا بعبوديتهم له وحده .. لا شريك له ..

وائتمروا بأوامره ونواهيه .. ووقفوا عند حدوده .. ولم يتعدوها .. وتخلقوا بأخلاقك ..

واتخذوك قدوة .. وأسوة حسنة في كل أمر من أمور حياتهم ..

وجاهدوا بأموالهم .. وأنفسهم .. وحرروا بلادهم من المحتلين .. واقتلعوا طواغيتهم .. وحكامهم المستبدين .. الظالمين .. من جذورهم .. وأقاموا دولة الإسلام .. دولة العدل والمساواة ..

وطبقوا شرع الله فقط .. دون سواه من الشرائع .. والقوانين العبيدية الناقصة .. الساقطة .. الجاهلة .. الظالمة .. واستعادوا سيادتهم على العالم أجمع ..

لكان خيرا لهم .. وأقوم سبيلا ..

ولكنهم قوم .. لا يعقلون .. ولا يفقهون .. إلا قليلا ..

منتهى اهتماماتهم .. وأحلامهم الطفولية .. أن يركضوا وراء البدع الضالة .. المفرحة .. ذات المظاهر المبهرَجة .. المزخرفة .. الخداعة .. التي لا تطلب منهم جهدا .. ولا تعبا .. ولا مالا .. ولا أرواحا تُزهق .. ولا تملك لهم نفعا .. ولا نصرا .. ولا تهديهم سبيلا ..

وإنما تجعلهم يفرحون ساعة من النهار .. كالأطفال الصغار ..

ثم يرجعون القهقرى .. أذلاء .. صاغرين .. مستسلمين للطواغيت .. يذوقون مرارة العبودية .. والمهانة .. في كل لحظة من ليل ونهار !!!

إن دين الله .. ليس للمزايدة !!!

إن دين الله .. يا أحبتي .. ليس ساحة للعب .. والاستهزاء .. والسخرية .. والإضافة .. والتعديل .. والتبديل .. على حسب المزاج .. والأهواء ..

إنه دين كامل .. مكمل .. ليس فيه نقص .. ولا عيب .. ولا يحتاج إلى إضافة .. أو زيادة ..

( ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ ) ..

وشعارنا .. دائما وأبدا ..

قول الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه ..

( كل كلام يؤخذ منه .. ويُرد .. إلا المعصوم صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم ..) .

ولذلك ..

لا يجوز .. ولا ينبغي .. لنا أن نقبل كلام أي عالم .. مع الاحترام والتقدير له .. إذا لم يؤيد كلامه بسند إلى الله أو إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ..

تأييده بكلام البشر أيا كان هذا العالم فقط .. مرفوض .. ومردود .. وتحت الأقدام ..

كل كلام لا يستند إلى كتاب الله .. أو إلى حديث صحيح .. فهو مرود .. ويُنبذ .. ويُرمى تحت الأقدام .. ولو صدر من شيخ الإسلام .. ومن أعلم علماء الأرض ..

ولا يحل لنا أن نقبل هذه الذرائع المتهافتة .. السخيفة .. التي تبرر الأخذ بالبدع والإضافة .. مثل بدعة المولد ..

بحجة أنه حلال .. ومسكوت عنه !!!

أي سخافة هذه .. وأي مسخرة هذه ؟؟؟!!!

هذا هو الضلال المبين .. وهذا تلبيس إبليس اللعين !!!

من أنت .. ومن هذا .. حتى يحلل ويحرم على كيفيه .. ومزاجه .. وهواه ؟؟؟!!!

الأصل في العقائد والأصول والأركان .. الحرام .. فلا يحل إضافة أي شيء .. ما لم يُذكر أنه حلال ..

والأصل في الأمور الحياتية .. المعيشية .. الحلال .. ما لم يرد تحريم له ..

وبدعة المولد من الصنف الأول .. المحرم إحداثه ..

( سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ ) ..

هذا هو القول الفصل .. من سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم .. لا يعلو عليه أي كلام من البشر ..

ومن يفضل كلام العلماء البشر .. على كلام سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم .. فهو أبتر .. وأعمى .. وأصم .. وأبكم ..

الثلاثاء 11 ربيع الآخر 1440

18 كانون أول 2018

د. موفق السباعي

 

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here