أين أزرع نخلتي ؟؟

سالم سمسم مهدي

ما أن تسمع بكلمة نخلة حتى تتراءى لك صورة خارطة العراق وأسمه وتحديداً يذهب بك الخيال إلى جنوبه الذي كانت له لؤلؤة يقال لها البصرة فبلاد الرافدين والنخلة توأمان لا يفصل بينهما إلا الموت يعيشان معاً ويذهبان إلى الفردوس الأعلى متلازمين وقبل هذا فأن حمورابيأفرد في مسلته خمسة أو ستة مواد قانونية تنظم عملية التعامل مع النخلة وحتى أجور الأجير الذي يعمل في مزارعها …

متى ما رأيت نخيل العراق يُذبح فأعلم أن العراق ذاته يحتضر هذه هي العلاقة المرسومة تفاصيلها على ضفاف دجلة والفرات وذرات رمل ابا الخصيب وجزيرة السندباد …

كثر هم الذين كتبوا عن نخل العراق وطعمه الفريد وانواعة التي لا يستطيع ان ينافسه عليها بلد مع ان أغلب ما موجود من نخيل في البلدان المجاورة مصدره من هنا ولكن أستولى الطمع على البعض وأخذوا يبيعون فسائل نخيله خارج الحدود وأحسنوا التربية فأخذوا يتنافسون مع المصدر الأم ولولا الإطالة لتطرقت بالتفصيل لما دار بين نوري السعيد ووزير الزراعة عندما طلبت الكويت خمسين فسيلة نخيل في ثلاثينات القرن الماضي …

هيج عندي الشجون وأثارها ما شاهدته قبل مدة من مجزرة وإعدام مقصودة ترتكب بحق هذه المخلوقة التي أوصى بها النبي الكريم خيراً عندما قال ( أكرموا عمتكم النخلة ) لأنها شقيقة أبونا أدم شئنا أم أبينا ولكننا لم نتخلى عن إكرامها فقط بل أخذنانذبح بها وهي المعطاء التي كانت تُغذينا من تمرها وعسلها …

شاهدت كل ذلك الذبح يحصل في بساتين الدورة التي كانت تزهو على جانبي الخط السريع باتجاه بغداد الجديدة مع انني كنت اعرف عنها خصلتين الأولى هي كلما هبت ريح هوجاء مغبرة في بغداد وكل العراق فأن المرء ما أن يدخل منطقة البساتين يشعر وكأن هذه الأتربة المتطايرةقد اضمحلت وخف غبارها ووجدت من يقف بوجهها انه نخيل تلك البساتين التي استطاعت تصفيتها ( فلترتها ) أما الخصلة الثانية فأن من يمر بتلك المنطقة ليلاً تلفح وجهه نسيمات باردة منعشة تبعث النشوة تشجع على الاسترخاء خلافا لما يحصل على مسافة قصيرة عنها …

ما يحصل اليوم يتناقض وقوانين الطبيعة وأخلاق الخلف الذي لم يبدي أي معروف لما زرع السلف بل اننا نقتلع ما بذل السابقون من جهد وعرق كي تشمخ النخلة باسقة تعانق العلالي من أجل أن تطعمنا من عصارة قلبها فكان رد الاحسان من البشر مخزيا ظالما …

لقد بدأت عملية إبادة النخيل بقطع المياه عنه ولأنها أصيلة ذات جذور راسخة في تربة العراق أخذت تمد هذه الجور بعيدا حتى ترتشف من مياه الاعماق مما ينضح به دجلة رفيق حياتها رغم أنه هو الأخر محكوم عليه من قبل الذباحين الذين أهملوا كرمه وتركوه بلا خزانات اسنادوسواقي تنظم جريان ماءه …

بعد أن فشلت عملية الاغتيال عن طريق قطع المياه عمد منفذي عملية الإعدام الى صب سوائل قاتله في جذور النخيل ومنها النفط بأنواعه وسموم أخرى وكل هذه العمليات تجرى في وضح انهار وتحت انظار السلطات وخصوصا امانة بغداد والبيئة والمحافظة ومن دون ان يرفع احد اصبعاعتراض او استنكار …

مع أنني أكره أن أتطرق إلى أسم أحمد حسن البكر لأنه هو الذي ابتدأ عملية التآمر على عبد الكريم قاسم ومن ثم أوصل العراق إلى ما هو فيه من فوضى ولكن هناك أشياء لابد أن تذكر إذ أصدر هذا الخبيث في سبعينات القرن الماضي أمرا أو توجيها يتلخص بزراعة نخلة أو زيتونهفي كل بيت وهذا الشيء يحمل معاني كثيرة وتعكس الاهتمام بالنخلة على عكس ما يحصل اليوم …

أن هذا السكوت المقصود جعل الكثيرين يتحدثون عن رشاوى تدفع لتمرير هذه الجريمة الشنعاء وإلا فما هو تبريره ومع كل هذا قررت أن أزرع نخلة ولكن لا أعرف أين أزرعها حتى تسلم من هذا الذبح الهمجي ؟؟ .

سالم سمسم مهدي

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here