شيئا عن الفساد في العراق

د. عبدالرضا الفائز
[email protected]

في تقاطعات الشوارع في بلد يصدّر يوميا 4 مليون برميل من النفط وغيره من خامات، يكثر المتسولون وباعة المحارم والعلكة وماسحي زجاج السيارات وأطفال ضائعون. في بيوته ترتع الخيبة والبطالة. كثير من شبابه عاطلون أو مهاجرون. مدنه خربة معدومة العمار، وللرشوة فيه سطوة وقوة، وفي شؤنه ضعيفا، يتدخل الجميع. وعن ذلك وغيره من تقصير وسيئات وسرقات، يتقاضى كل من رئيس دولته ورئيسي وزرائه ونوابه راتبا شهريا (كل على حده)، يعادل ما يتقاضاه الرئيس الصيني في ستة عشر سنة (نعم، 16 سنة)، وتبتلع رئاساتهم ما يزيد عن ميزانية دول في الجوار، وما خفي أعظم. رغم الفوارق بين الصين والعراق في المسؤولية والتحديات … لكن الحرام هنا أقوى، والكذب أشد.

مدينة مينائه (المتخلف)، يرفضها خليج غني موسر رغم إنها أغزر منه تاريخا وثراء. فقيرة تشرب الماء المالح، وإلى بيوتها الموبوءة بسرطانات غريبة يصل ملوثا، ونحن في الشتاء، فأي صيف ينتظرها قريب؟ وقليل أصبح الآن يتذكر رغم قرب العقود، كيف كانت قبل أن يحل الطغيان ويخلفه المفسدون الذين “إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون”. فجرُفّت المزارع واحترقت الحدائق، وما جزاء المفسدين في الأرض إلا أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، لكنهم في العراق … ملوك السلطة والمال والنفوذ.

ترى لو حضي العراق برجال هذه الحقبة بداية تأسيسه الحديث، هل كان يملك طرقا وسككا وموانئ ومستشفيات، أو مطارات وجامعات، ومصانع ومزارع، ومؤسسات وسدود ومنشآت، أو حتى بيوت حديثة وقاعات؟ وهل كانت تكون لأبنائه وبناته فرص التعلم والتطور؟ في كتابه قصة الفساد في العراق يذكر موسى فرج رئيس هيئة النزاهة يوما، في 500 صفحة، ما يدمي وجدان أي وطني ويقهر أي إنسان من قصص النهب العظيم للعراق. لقد تستر الفاسدون بعلي وعمر لأنهم وجدوا الدين خير مصيدة للمال والنفوذ، واتخذوا الطائفة حصانة بهما يعتاشون ومنهما يرتزقون (وإليهما يسيئون)، فتحاصصوا بالرذائل واستخفوا بالفضائل.

بعد مجزرة قاعة الخلد، مد صدام عنقه وجعل العراق في خدمة مخططات الآخرين، فصدّق إنه بطل. بعد حرب عبثية ودخول إلى الكويت في تخادم “مخدوع” أرسلوه إلى المشنقة وقد أدى أفضل الخدمات وحقق أعقد الغايات، لكن عمر خدماته، نفذ. للأسف أنهم يعيدون الدور “موظفين” ناسين إن الكبير سيقدمهم إلى محاكم الفساد فردا … فردا، والأيام بيننا. ذلك ليس طهرا في المشروع، لكن تحقيقه يقتضي ذلك. وحينها لن يأسف عليهم أحد بعد أن أساؤوا إلى روح الوطن ولوثوا ترابه.

في سفره الحزين، سأل موسى فرج “هل سيتوقف الفساد في العراق؟” بعد أن أصبح له مدرسة وثقافة وأحزاب وحراب، يستقوي بالجهل ويتغذى من الغباء؟ في هذا يجيبه آينتشاين في قول “لن تستطيع أن تحل مشكلة بنفس الفريق والطرق التي صنعتها” فبقدوات كهؤلاء لن يتوقف الفساد بعد أن حضنوه، وبينهم دوروه، وكالمخدرات أدمنوه. فوا حسرتاه عليك … يا عراق.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here