الأخوات والأخوة البرلمانيين الشرفاء منهم فقط

تحية عطرة
من الواضح تماما أن مسألة أسعار النفط لم تعد اقتصادية بحتة، فهي تتحرك بالإتجاهات التي تريدها الولايات المتحدة بعد أن وظفت لذلك خزينها الاستراتيجي من النفط وكذلك وبدعم مباشر من حلفائها في الخليج تحديدا للإغراق الأسواق للتلاعب بأسعار النفط كما يشاؤون.
لذا فإن الموضع سياسي لكن بأدوات اقتصادية، وهذا ما يدفعني لهذا التحليل السياسي-الاقتصادي.
ترامب يواجه اليوم عددا غير قليل من الملفات المزعجة لشركائه الأوربيين والآسيويين بعد أن تنصل عن الاتفاق النووي الإيراني وتنصل أيضا عن اتفاقية التجارة الدولية وخروجه عن اتفاق الأرض واتفاقية المناخ وتخليه عن اليونيسكو ونشره الصواريخ متوسطة المدى في مجموعة غير قليلة من دول أوربا في تصعيد غير مسبوق مع روسيا، حيث أن المتضرر الأكبر سيكون دول أوربا وكذلك دول الشرق الأقصى، وهناك الكثير الملفات الأخرى المفتوحة أمام الأوربيين والآسيويين من السبعة الكبار ومجموعة العشرين أيضا.
لذا كان لابد لترامب أن يجد مخرجا يرضي به شراكائه ويخفف عن نفسه الضغوط السياسية وذلك من خلال خفض كبير بأسعار الطاقة خصوصا وأن العديد من الاقتصادات الأوربية تعاني كثيرا من الناحية الاقتصادية، فكان الضحية لترامب االغريب الأطوار هم منتجوا النفط كون أمريكا لا تتأثر بإرتفاع أو إنخفاض أسعار الطاقة لكونها تمتلك أصول كبيرة جدا في الدول المنتجة للنفط في قطاع الصناعة الاستخراجية وكذلك لديها إنتاج مدعوم من قبلها للقطاع الاستخراجي في الولايات المتحدة، وبذات الوقت هي تعتبر المستهلك الأكبر للطاقة في العالم، فهي ستربح كمستهلك كما ستخسر كمنتج في معادلة واضحة المعالم للاقتصاديين، أما الباقون فهم إما مستهلك أو منتج للنفط.
مما تقدم نستطيع تفهم بعض الحقائق وهي أن الأزمات الاقتصادية سوف لن تنتهي في دول أوربا خلال فترة قصيرة من الزمن، ولا أزمة التجارة بين الصين وأمريكا ستنتهي قريبا، ولا مسألة نشر الصواريخ المتوسطة المدى ستحل عن قريب، ولا مسألة أتفاق الأرض ستكون ذات جدوى مادامت أمريكا الملوث الأكبر للبيئة وغير موجودة بالاتفاق، ولا…. ولا….. القصد هنا أن مجموعة الملفات الكبيرة التي دفعت ترامب إلى التضحية بمصلحة شركائه من المنتجين الخليجيين ودفع أسعار النفط نحو الهبوط لمستوى قد لا يصل إلى حدوده الدنيا قريبا، ولكن بالتأكيد سيصل لها، فقد تهبط الأسعار إلى مستوياتها التي حصلت خلال اسنوات من2014 ولغاية2017 حيث هبطت الأسعار إلى مستوى28 دولارا.
كما وأن جميع التوقعات لوكالات الطاقة والبنوك العالمية أصبحت متغيرة يوما بعد يوم نزولا عن توقعات قبل شهرين من الآن، ولم يعد هناك من هو متفائل بصعود الأسعار مرة ثانية، فلا ترامب سيذهب من السلطة ولا الأخوة الخليجيين سيكون لهم موقف مختلف عن موقفهم اليوم ولا باقي الملفات المفتوحة أما ترامب ستغلق. وهكذا إتجهت جميع التوقعات الآن نحو سعر للنفط أقل ثم أقل حتى نبلغ تلك الأسعار المخيفة التي يبحث عنها ترامب الذي لا أحد يعرف مقاصده حتى مستشاريه لأنه دائما يغرد خارج السرب الأمريكي من خلال تويتر، وحتى أنه يشكر نفسه من أنه استطاع أن يخفض الأسعار بمجرد تغريدة سمعها واستجاب لها من هم تابعين صاغرين ويستجيبون حتى ضد مصالحهم.
جميع نواب مجلس الوزراء والسياسيون الذين يظنون أنهم سيستفادون من ميزانية حجمها كبير ليترفهوا لكنهم، ونحن معهم من العراقيين الذين لا وطن لهم سوى العراق، سيدفعون الثمن غاليا بعد أن يواجهون الأمر الواقع بعد هبوط الأسعار نحو ال30 دولارا وربما أقل.
الأخوة في كردستان، وهم من المدافعين بشراسة برفع حجم الميزانية لا يهمهم فيما لو واجه العراق أزمة اقتصادية تطيح به وبوحدة اراضيه، لأنهم سيأخذون استحقاقهم أولا بأول من بداية كل شهر، إن لم يكن من بداية السنة، بعد إقرار الميزانية، وكذلك سيتمنون تقسيم العراق ليصبحوا دولة مستقلة، والذي سيدفع في النهاية هو ابناء العراق جميعا في الجنوب والغرب والعراق ككل. فالوزير الذي وضع الميزانية يعتبر من أكثر الناس شوفينية وتحزب للعنصر القومي الكردي هو الذي زاد من حجم الميزانية ومجلس الوزراء الغافل، بل الغافي، وافق على مضمونها القاتل للعراق.
لذا أجد من الضروري وضع سعر افتراضي لا يزيد عن30 دولارا للبرميل، وفي حال حققت براميلنا أسعار أعلى، يمكن أن نعمل بميزانية موازية تتجه بوصلتها فقط نحو الاستثمار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة ذات المردود السريع والمشاريع التي توظف أكبر عدد من العاملين على أن تكون الميزانية التشغيلية غير مترفة كتلك الميزانية التي وضعت لسنة2017، وحتى أرشق منها. ميزانية تفعل القاطاعات الاقتصادية الأخرى غير النفط في حال توفر الأموال عن بيع النفط، لذا يجب أن تتضافر جهود اجميع العراقيين الشرفاء لمواجهة هذا الخطر الداهم على العراق الذي سيكون المتضرر الأكبر على مستوى العالم من هبوط اسعار النفط الذي أتوقعه، ذلك لأن العراق يعتمد بميزانيته بنسبة95 على عائدات النفط في حين أن الدول المنتجة الأخرى تعتمد ميزانياتها على عائدات النفط بنسب أقل بكثير، فالسعودية والإمارات والكويت وإيران وروسيا تعمتد ميزاياتها على نسب تتراوح فيما بين10% إلى40% تأتي من عائدات النفط، لذا فإن العراق هو المتضرر الأكبر من باقي الدول المنتجة للنفط بغض النظر عن حجم الميزانية لهذه الدول.
لذا أناشد جميع البرلمانيين الشرفاء والذين لايجدون لهم وطنا سوى العراق أن يقفوا بقوة أمام هذا الخطر الداهم، وقد أعذر من أنذر، وعلى رئيس البرلمان أن يثبت لنا أنه شريف بالفعل ويذهب لما ذهبنا إليه.
تحية للجميع وتمنياتي لكم بالتوفيق ولكن على أسس علمية وليس تمنيات.
الخبير النفطي المهندس
حمزة الجواهري
20 ديسمبر 2018

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here