الأنسان وفضائل الاخلاق

* د. رضا العطار

يقول دعاة (النسبية) ان الاحكام الاخلاقية – في جوهرها – احكام نفسية تستند الى العواطف وترتكز على الانفعالات، فهي بطبيعتها احكام نسبية تختلف من فرد لاخر طبقا لحالته النفسية. واصحاب هذا الراي يؤكدون مع العلامة الانكليزي وستر مارك حين يقول :

( ان الانفعالات هي المصدر الحقيقي لمعظم احكامنا الاخلاقية، بدليل ان عواطف الاستهجان او الاستحسان هي في الاصل احكام اخلاقية التي تدفع بها افعال الناس)

فالناس يسوقون لذلك مثلا فيقولون اننا جينما نغضب، فاننا قد نجد انفسنا مدفوعين الى ادانة افعاله الشريرة. صحيح ان صديقنا نفسه قد يكون هو المسؤل بالفعل عن تلك التصرفات، كماان هذه التصرفات نفسها فد تكون سيئة ولكن من المؤكد ان (غضبنا) قد كان بمثابة المناسبة التي اتاحت لنا الفرصة لأكتشاف (سوء) تلك الافعال.

بيد ان كل ما يستطيع دعاة هذا الراي اثباته هو ان الانفعالات تمثل شرطا سيكولوجيا يتعذر علينا – بدونه – اصدار بعض احكامنا الاخلاقية. ومعنى هذا اننا اذا لم نستشعر انفعال (الاستحسان) نحو بعض الافعال فاننا قد نجد انفسنا – سيكولوجيا – عاجزين عن الحكم على تلك الافعال بانها (حسنة) او (خيرة) ولكن اذا صحّ ما يقوله احد الباحثين من ان (التنفس) شرط ضروري (من الناحية الفسيولوجية) للقيام بعملية اصدار الاحكام الاخلاقية فهل يكون من حقنا ان نقرر انالاحكام الاخلاقية احكام تنصب على (التنفس) واذن أفلا يمكننا ان نقول ان الاحكام الاخلاقية لا تمثل احكاما تنصب على الانفعالات او تدور حول العواطف وبالتالي فانها لا تشارك بالضرورة في الطابع المتغير الذي تتميز به الانفعالات والعواطف.

على اننا لو سلمنا بان الاحكام الاخلاقية احكام وجدانية ترتكز على العواطف وتستند الى الانفعالات فان هذا الرأي لا يدفعنا بالضرورة الى اعتبارها مجرد احكام نسبية وآية ذلك انالكثير من فلاسفة الاخلاق وعلى راسهم (ماكس شلر) قد اثبتوا لنا الطابع الاول المطلق لأحكامنا الاخلاقية في قوله ( اننا حتى لو نظرنا الى المظهر الوجداني للحياة النفسية – الا وهو ذلك المظهر الذي يتمثل في انفعالنا وتفضيلنا وحبنا وكراهيتنا ومشيئتنا – الخ لوجدنا انلهذا المظهر الانفعالي نفسه طابعا اوليا اصيلا لا يمكن اعتباره مستمدا من دائرة الفكر ولا بد من قبوله باعتبار انه مستقلا تماما من دائرة المنطق.

ومعنى هذا ان احساسنا بالقيم الاخلاقية احساس اولي مجرد عاطفة هوائية متقلبة، بل هو نشاط انفعالي حدسي ندرك عن طريقه معرفة الخير والشر. ومعنى هذا ان كل (تفضيل اخلاقي) نقوم بهانما هو تفضيل حدسي اولي يستند الى حساسية وجدانية بالقيم، فليست الافعال الاخلاقية افعالا عرفانية Cognitive ترتكز على المعرفة العقلية بل هي افعال نفسية تستند الى ضرب من الوعي الاولي او الحساسية الفطرية بالقيم.

· مقتبس من كتاب فلسفة الحياة، د. زكريا ابراهيم – جامعة القاهرة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here