صدور ديوان “لم ينتبه أحد لموتك” للشاعر رامي العاشق

صدر عن دار ميسلون للنشر والتوزيع – إسطنبول، ديوان “لم ينتبه أحد لموتك” للشاعر الفلسطيني السوري رامي العاشق، وهو الكتاب الخامس له بعد سيرًا على الأحلام 2014، مذ لم أمت 2016، لابستياب السفر 2017، الرمادي؛ الوردي الجديد 2018، ويقع الكتاب في 108 صفحات من القطع المتوسّط، ويضم ثماني عشرة قصيدة تنتمي فنيّا إلى شعر التفعيلة كتبت بين العامين 2014-2016. وحملت لوحة الغلاف توقيع الفنان السوري عقيل أحمد.

قصائد الديوان تبحث في موضوعات الموت تحت التعذيب، المنفى، قوارب الموت، الموتى، والحب. تحمل القصائد بعدًا وجدانيًا، شخصيًا في بعض الأحيان، كقصيدة “فطمة تحمل جرحين بيد واحدة” وهي قصيدة كتبت لوالدة الشاعر حين ركبت قوارب الموت إلى أوروبا، وقصيدة “لا تسلني عن دمشقولا تناديني إليها” التي كتبت للشهيد همّام دياب الذي قتل تحت التعذيب في سجون الديكتاتور بشار الأسد. من جهة أخرى، هناك بعد وجداني عام، إنسانيّ، يتحدث عن المتروكين، والمنفيين، عن السوريين الضحايا والناجين. قصائد “لم ينتبه أحد لموتك” تسأل أكثر مما تجيب، وتبحثفي اللغة والأسطورة والدين، قصائد تتحدث كثيرًا عن الموت ولكنها تبحث عن الحياة.

البحر بشخصيّات متعددة
يتجسّد البحر في عدة قصائد، ويتطوّر وجوده دراميًا، وتتصاعد شخصيّاته أنسنةً وتأليهًا وشيطنةً، تشييئًا وتجريدًا وتخييلاً. مثلاً:
“كانت الأولى ككلّ الأمهات/ تصدّ عنها البحر/ تخفي ما استطاعت من أنوثتها…”، “فطمة/ ستفتح صدرها للبحر/ ترضعه”، “والبحر خان السابحات”، “للبحر عاصمة ونار”، “البحر سجّاد الصلاة”، “البحر صار ذواكر الغرقى/ ومرآة السماء/ وغاب عرش الله عنه/ وعن سواه”، “يا ربّة البحراحذري كفر القوارب”، “صار طوفًا لا طوافًا حجّ هذا البحر” قصيدة (فطمة تحمل جرحين بيد واحدة).
“أرى البحر ثقبًا”، “أرى الماء صلبًا” قصيدة (في ملعب البحر).
“ضاع البحر”، “كي يرتاح هذا البحر من ذنب الجريمة”، “كلّ ما في البحر وجهُك”، “وحدك البحر اصطفاك/على المياه فرشت عرشك” قصيدة (ظل أحمد الغارق).
“تحملين البحر في كف/ يمرّ الماء منه/ لا يمرّ البحر منه” (عكا بلاد بائسة).

الموت وحياته
أوّل من يموت في الكتاب هو القش: “كيف يمكن أن تعوم؟ / القشّ مات” ودلالة الغريق الذي يتعلّق بقشّة، واضحة هنا، يظهر هذا في القصيدة الثالثة في الديوان (ظل أحمد الغارق)، ثمّ يبدأ الموتُ بالتهام كلّ شيء. مرافعةٌ أمام الموت، كتابةً عنه، ودفاعًا عن الحياة، الحياة التيلا يكتب عنها، بل تعاش. في (كواليس حياة الموتى) ثمّة توثيق شعري لعالم تحت التراب، عالم متخيّل بتفاصيل سينمائية، يباع فيه الموت ويشترى، ويصبح حياة دقيقة الملامح. على الطرف الآخر، “إذا أردتَ الموت، مُتْ”، “مت بصوت المجزرة”، “عش طويلاً بعد موتك” في (إلى آخر الشهداء). أمّا في القصيدة المركزية التي حملت عنوان الديوان (لم ينتبه أحد لموتك)، فالموت يتدفّق بإيقاع مستمرّ “من يجيب؟ -الموت يفعل -ثمّ ماذا؟ – الموت يعرف”، وفي (لا تسلني عن دمشق ولا تناديني إليها) يأخذ الموت كلّ شيء، هذا الموت الكامل الذي لا ينقصه شيء، “الطائرات بطيئة،والموت يفعلها سريعا” (نحو ما شاء السواد)، الموت الذي ينغّص على الحب: “قالت أحبك/ بيد أنّ الموت/ أخرّني قليلاً عن ملاحقة الشفاه” (ثلاث محاولات لأقول أحبك).

الميثولوجيا والعقيدة
هناك حضور واضح للميثولوجيا في عدة قصائد، ليس بنقلها، إنما ببنائها من جديد، فعوضًا عن إله البحر في الأسطورة الإغريقية “بوسيدون” يخلق العاشق ربّةً أنثى، ثم ينفي وجودها، يفتتح عقيدةً جديدة ويبدأ بالبحث عن حقيقتها لوحده، رافضًا مصدّقين ورجالاً صادقين، “ليس عنديغير شعري من كتاب/ليس وحيًا مطلقًا”، ويبحث عن الأصل: “بحثت انتقامًا عن الأصل-أصلي/ ولم أعرف الله كي أشكره”. ثمّ يحاور المرأة فيقول: “أداعب ماء أمسك كي يطلّ الله من خلف الستار بلا ستار”، للشهيد يقول: “لتظلّ جرحًا في وجوه الله”، وعن السوريين: “لا يعبدون النار (..) لا يعبدون الشمس (..) لا يعبدون الله (..) يسألون الله أن يغدوا طليقا”. ويتابع “أنا إله عاجز”، “نحن كبّرنا الجريمة وانتدبنا الله سيفًا”، “الله وحش”، “الله يظهر في الدخان”، “لا أرى في الله ثائر”، وفي النهاية “إنّما الأعمال ليست بالنوايا”.

الشكل والتقنيّة
على الرغم من تعدد التقنيات الشعرية التي ضمّها الديوان، واختلاف طول القصائد، والعمل على التكثيف تارة والسرد تارةً أخرى، واختلاف المواضيع وطريقة البحث فيها، قرر العاشق أن يحافظ على وزن القصيدة كحامل في الكتاب، وهذا جزء من مشروعه الشعري الذي بدأ بديوانه “سيرًاعلى الأحلام” واستمرّ مع “لابس تياب السفر” ولو أن الثاني كان بلغة محكيّة، إلا أنه حافظ على الوزن، وكلا الكتابين الشعريين حملا موضوعات متّصلة، على عكس كتابه الشعري الثالث “الرمادي، الوردي الجديد” الذي كان قصائد نثر عن موضوعة الشيخوخة.
في “لم ينتبه أحد لموتك” ثمّة تطوّر في الشعريّة، وتطوّر باللغة، وفي رؤية الشاعر للشعر أيضًا، وهذا يعكس تطورًا في سيرة الشاعر الذاتية.

رامي العاشق: شاعر فلسطيني سوريّ، ولد في الإمارات لأمّ سوريّة وأب فلسطيني سوري، عاش حياته في مخيّم اليرموك بدمشق، ودرس في الجامعة الإسلامية ببيروت، هُجّرت عائلته من عكّا عام 1948، وخرج من سوريا لاجئًا من جديدعام 2012 بعد اعتقال وملاحقة من قبل نظام الأسد، بعدها سافر إلى ألمانيا عام 2014 ليعيش في مدينة كولونيا لثلاث سنوات، ثم انتقل إلى برلين عام 2017 حيث يترأس تحرير مجلّة فن الثقافية العربية الألمانية، ويدير مهرجان أيام الأدب العربي الألماني ويعمل قيّمًا على سلسلةندوات عن الأدب العربي في دار الآدب العريقة ببرلين. صدر له:
1.سيرًا على الأحلام، دار الأيام، عمّان 2014
1.مذ لم أمت، دار بيت المواطن، بيروت 2016
1.لابس تياب السفر، الدار الأهلية للنشر والتوزيع ومؤسسة القطان، عمّان ورام الله 2017
1.الرماديّ، الورديّ الجديد، دار كيربر، فرانكفورت 2018 (بالعربية، الانجليزية والألمانية)
1.لم ينتبه أحد لموتك، دار ميسلون، اسطنبول 2018

حصل على عدّة جوائز ثقافية دوليّة وترجمت قصائده إلى لغات عديدة، وفي العام 2018-2019 اختير زميلاً لقسم الأدب في أكاديمية الفنون ببرلين.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here