الفردُ بين سِنْدانِ الرأسمالية ومِقْصَلةِ الشيوعية!!

بقلم: انور سعد

قُدِّرَ للفرد أن يعيش حالةً من الفوضى والتناقض في ظل أعتى نظامين عالميين وهما النظام الديمقراطي الرأسمالي والنظام الشيوعي- الماركسي ولأن كان في ظل النظام الأول هو الفائز بحكم ما منحه له النظاممن حقوق وما تكفّل به له من حريّات مطلقة وغير مقيّدة!! فهو في حكم النظام الثاني الضحيّة المسحوقة حيث عمد النظام الشيوعي إلى إفناء الفرد وكيانه وسلطته ومتعلقاته تمامًا في المجتمع وفرض عليه تشريعات وقوانين تخالف نزعاته الفطرية الذاتية المتأصلة فيه وسلوكه المعتادففرض عليه أن ينسى مطلقًا التفكير بمصالحه الشخصية وأن يفكر أولا وآخرًا بمصلحة المجموع ويعمل على تحقيق ذلك بكل طاقاته!!

وبما أن الفرد إنما يُقوّم سلوكه العام ونشاطه المعتاد في معترك الحياة وفق هذه النزعة الفطرية “حُبُّ الذات” المودعة فيه منذ الأزل، فهو وعلى هذا الأساس ينطلق ليجوب مختلف ميادين الحياة لتحقيق غاياتهوإشباع رغباته الفطرية والغريزية بما يتفق مع ذلك الدافع الفطري.

وإذا أردنا أن نضع نظاما يقوّم سلوك الفرد ويحكم تصرفاته في الحياة، فعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار ذلك الدافع الطبيعي الفطري فيجب أن نضع نظاما يتفق مبدئيا مع ميولات هذه النزعة فلا يُطلقها تاما بلاقيد أو شرط ولا يهملها ويتجاهلها تماما.

غير أن الذي حصل هو أن الأنظمة المادية الغربية لمّا عمدت الى وضع نظام ينظم سلوك الفرد في معترك الحياة قد أخفقت في وضع قوانين تتفق مع ذلك الدافع الفطري للفرد فالرأسمالية مثلا أطلقت أمام الفرد جميعالحريات وبدون قيود!! فانطلق الفرد وبحكم ما منحه له هذا النظام من حقوق وحريات كالثور الهائج ليكتسح كل ما يقف أمامه ويحول بينه وبين تحقيق غاياته وإشباع رغباته وبدافع وتفكير نفعي شخصي مادي فقط وأهملت باقي الجوانب والقيم المعنوية والأخلاقية والغيبية فنتجت جراءذلك الكوارث والمآسي الكبرى ونشأت الفوارق الطبقية واستخدمت من أجل تحقيق أكبر مقدار من الثروة والربح المادي شتى الوسائل وبدون أي معيار أخلاقي أو حتى وضعي تحت مبدأ ” دعه يعمل دعه يمر”!!.

أما الشيوعية الماركسية فلقد أخفقت هي الأخرى في تحقيق غايتها قبل أن تبصر النور لأنها أيضا لم تأخذ بعين الاعتبار ذلك الإستعداد الفطري المودع في الفرد ولم تلتفت الى ذلك المحرّك الأساس الذي يبني عليهالفرد كل آماله ويحدد كل تصرفاته إقتضاءً لمصالحه الشخصية ففرضت عليه خلاف فطرته ونوازعه حينما أوجبت عليه ان يفكر بمصلحة المجتمع وينسى التفكير بكل ماهو شخصي ونفعي ففشلت في تحقق غاياتها وأهدافها، وأقرَّ دعاة الشيوعية بأنه لا سبيل لتحقيق دولتهم الفاضلة في الوقتالحاضر لذلك أعلنوا الإشتراكية كخطوة أولى في هذا المجال وأيضا باءت محاولتهم بالفشل بعد سقوط الاتحاد السوفيتي .

ولم يُدركْ ويلتفت لتلك الحقيقة وذلك الاعتبار سوى النظام الإسلامي الذي نظر الى هذه الطبيعية الفطرية المودعة في الإنسان ووضع نظاما يتفق تماما مع هذا الدافع الفطري فلم يُطلق أمام الفرد جميع الحرياتبدون قوانين وشروط تحكم الفرد وتقوّم سلوكه وتحدُّ من تصرفاته كما فعلت الرأسالمية ولم يُلغها تماما ويفرض عليه أن يفكر بما يخالف فطرته وطبيعته كما فعلت الشيوعية والإشتراكية فعمل النظام الإسلامي على التوفيق بين هذه النزعة الفطرية والنظم والقوانين العامة التي منشأنها تحقيق السعادة للبشرية بشكل عام فنمّا ذلك الدافع الفطري وفق معيار ديني عقائدي” وهو رضا الله تعالى” فليس كل ربح مادي هو المطلوب وليس كل عمل جماعي غير مرغوب فيه وبالتأكيد عندما يكون المعيار قائم على أساس معنوي غيبي ستختلف المقاييس عند الفرد فيقوّم سلوكهوعمله بما يتفق مع هذا المعيار حتى وإن لم يحصل على ربح مادي نفعي شخصي آني لأن المعيار لديه هو رضا الله تعالى والظفر بذلك الربح والجزاء الغيبي الذي وعد به” ﴿وَمَن يَعمَل مِنَ الصّالِحاتِ مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولئِكَ يَدخُلونَ الجَنَّةَ وَلايُظلَمونَ نَقيرًا﴾ [النساء: ١٢٤].

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here