المسيحيّون المهاجرون في “زيارات سريعة” الى العراق للاحتفال مع أقاربهم

بغداد/ وائل نعمة

منذ أيام تصل عشرات العوائل المسيحية المهاجرة إلى العراق للاحتفال بأعياد الميلاد مع أقاربهم، لكنها زيارات سريعة وليست للإقامة الدائمة.
وبعد عام من إعلان بغداد القضاء على “داعش” مازال المسيحيون مترددين في العودة الى بعض المناطق المحررة وخاصة الموصل.
ويقف الهاجس الأمني والفجوة التي حدثت بين المسيحيين وبعض السكان في المناطق المختلفة بالاضافة الى ضعف الخدمات وراء ذلك التردد.
وانخفض عدد المسيحيين في العراق إلى أقل من 50% بعد عام 2003، فيما عادت 8 آلاف عائلة فقط إلى نينوى من أصل نحو 30 ألفاً قبل ظهور داعش في حزيران 2014.
ولم تسجل الموصل أرقاماً تذكر في عودة المسيحيين، خصوصاً أنّ 40% من منازل الطائفة قد دمرت أثناء فترة الاحتلال وحرب التحرير.وقُتل منذ عام 2003، 1200 مسيحي في حوادث عنف متعددة في عموم العراق. وبحسب منظمات مسيحية، بينهم “700 قُتل على الهوية”.
وكان بين 52 % إلى 56% من حوادث قتل المسيحيين تجري في بغداد، تليها نينوى ثم كركوك. فيما غادر 75% من المسيحيين العاصمة باتجاه كردستان أو خارج البلاد.

أجراس العيد
وتحتفل نغم يعقوب، وهي مسيحية وعضوة سابقة في مجلس محافظة نينوى، بأعياد الميلاد في كردستان، بعد أن غادرت الموصل في 2014.
وتقول يعقوب لـ(المدى): “لا أعتقد أنّ هناك مسيحيين عادوا الى الموصل، فالأفكار الداعشية مازالت موجودة لدى البعض”.
قبل ظهور داعش في الموصل كان 30 ألف مسيحي يسكنون المدينة، فيما يقدر ممثلون عن الطائفة أن عدد الموجودين حاليا في الموصل يبلغ بضع مئات فقط، يعلمون في وظائف حكومية وفي الجامعات.
وفي تموز 2014، وفي مشهد مؤلم أعلن بطريرك الكلدان في العراق والعالم لويس ساكو قائلا: “لأول مرة في تاريخ العراق، تفرغ الموصل الآن من المسيحيين”، بعدما وزع داعش بياناً عُرف بـ”وثيقة المدينة” يأمرهم بتركها.
وتوجهت العائلات المسيحية باتجاه دهوك وأربيل، فيما دعا بيان التنظيم المتطرف المسيحيين في المدينة “صراحة إلى اعتناق الإسلام، أو دفع الجزية من دون تحديد سقفها، أو الخروج من مدينتهم ومنازلهم بملابسهم دون أية أمتعة، كما أفتى أن منازلهم تعود ملكيتها منذ الآن فصاعداً الى التنظيم”.
وأكد شهود عيان في الموصل وقتذاك، أن بعض مساجد المدينة دعت عبر مكبرات الصوت المسيحيين الى المغادرة، مذكرة ببيان “داعش”. وشددت على أنه سيتم قتل من يمتنع عن الخروج.
وقال وليم وردة، رئيس منظمة حمورابي المعنية بحقوق الإنسان لـ(المدى) إن “800 ألف مسيحي هاجروا من العراق.. وكان عددهم أكثر من 1.4 مليون مسجلين قبل 2003.”
وكان 600 ألف مسيحي يعيشون في بغداد قبل 2003، لم يبق منهم غير 150 ألفاً. وكانت منطقة الدورة لوحدها تضم 30 ألف عائلة مسيحية (حوالي 150 الف شخص)، تراجعت الى 1000 عائلة.وقدر وليم، هجرة بين 15 الى 20 مسيحياً يوميا، وقال ان “2400 عائلة غادرت بغداد بعد حادثة كنيسة سيدة النجاة في 2010”.

آثار داعش
وبحسب تقارير المنظمة إن هناك 130 ألف منزل تعرّض لأضرار متفاوتة في مناطق سهل نينوى عائدة للمسيحيين، بينها 1233 دُمِّر بالكامل.
وكان عدد المنازل الأكثر دماراً في مدينة برطلة (أضرار متفاوتة)، بلغ نحو 2000 منزل خاص بالمسيحيين، فيما لاتوجد إحصائيات عن الدمار في الموصل.
وحاولت بعض الجهات المسيحية ومنظمات المجتمع المدني أن تعيد بناء الدور المدمرة في السهل، لكنّ عدد المباني التي تم تعميرها لم يتجاوز الـ355 منزلاً.وكان 150 ألف مسيحي يسكنون في سهل نينوى قبل ظهور داعش، وتقدر المنظمة عودة 7 آلاف إلى 5 مناطق في السهل، باستثناء “بطنايا” حيث لم تسجل عودة أي مسيحي، بسبب وقوع المدينة على حافة مناطق النزاع بين الإقليم وحكومة بغداد.
ويقول أسوان سالم، النائب المسيحي عن نينوى لـ(المدى) إن “المخاوف الأمنية وقلة الخدمات في نينوى هي من تعيق عودة المسيحيين إلى المحافظة”.
ودمر داعش والعمليات العسكرية التي لحقتها نحو 60 كنيسة ودار عبادة تابعة للمسيحيين في نينوى. كما تعرض معظمها إلى عمليات سرقة طالت مخطوطات قديمة فيها وتحفاً ومحتويات أخرى ثمينة.
وكانت الموصل لوحدها تضم نحو 30 كنيسة يعود تاريخ بعضها الى ما قبل 1500 سنة بحسب رئيس الطائفة الكلدانية.
وفي تشرين الثاني الماضي أعلن محافظ نينوى نوفل العاكوب خطة لإعادة إعمار الكنائس في الموصل. وأكد العاكوب وقتها أن الكوادر الهندسية ستباشر أولاً “بإعمار كنيسة الطاهرة، إحدى أقدم الكنائس في الساحل الأيمن”.
وتقدر كلفة إعادة إعمار نينوى ما لا يقل عن 50 مليار دولار، منها نحو 20 مليار دولار لتعويض خسائر المنازل والجزء الباقي للبنى التحتية المدمرة، فيما جاءت موازنة العام الحالي المخصصة للمحافظة بمبلغ 143 مليار دينار (نحو 120 مليون دولار).
ويؤكد النائب عن نينوى أن عدداً قليلاً من العوائل التي جاءت الى نينوى للاحتفال بأعياد الميلاد قررت الاستقرار “الغالبية جاءت لتحتفل ومن ثم تعود”.
ويقول سالم إنه بالاضافة الى الوضع الأمني والخدمات فإن “أغلب المسيحيين فقدوا عملهم في نينوى، وهو عامل كافٍ ليجعل الكثيرين لا يعودون”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here