احتجاجات السودان ورهان التغيير

جاسم الحلفي
(ها انك حكمت ٣٠ عاما، فإن كنت عادلا فقد مللناك، لكنك غير عادل وقد رفضناك). بهذه الكلمات البليغة لخص احد خطباء التظاهرات في السودان الموقف الشعبي المناهض لرئيس الجمهورية عمر البشير، الذي وصل الى الحكم عبر انقلاب عام ١٩٨٩، وحكم السودان بقبضة متزايدة البطش. وسبق للمحكمة الجنائية الدولية ان أصدرت مذكرات اعتقال بحقه في عامي ٢٠٠٩ و٢٠١٠ بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور.
لقد ذاق الشعب السوداني الويلات جراء الظلم والاستبداد اللذين لازما نظام حكم البشير، الذي انتج أزمات بدا جليا بمرور السنين ان لا مخرج منها الا برحيله ونظامه. فقد وصل هذا النظام إلى مرحلة لم يعد فيها قادراً على مواصلة دعم السلع الاستهلاكية الأساسية وتوفير الحاجيات الضرورية بأسعار مناسبة، جراء الفساد وسوء الإدارة ونتائجهما الكارثية. ومن هذه النتائج الازمة الاقتصادية المتفاقمة، في بلد قيل عنه يوماً إنه يكفي وحده، أن يكون مزرعة غذاء لإفريقيا وسلة غذاء للبلدان العربية.
لم يمر عام على السودان من دون ان يشهد احتجاجات شعبية، يقابلها النظام بالمكر والمداهنة والمكيدة من جانب، وبالقمع والترهيب والترويع من جانب آخر. ويبدو ان التظاهرات التي انطلقت الاربعاء من الاسبوع الماضي في مدينتي بورت سودان وعطبرة احتجاجا على ارتفاع أسعار الخبز، قد فاجأت السلطات بوقوعها في مناطق تعتبر معاقل للحزب الحاكم. كما انها احتجاجات تختلف من حيث سعتها وعمقها عن مثيلاتها السابقات، حيث راحت رقعتها هذه المرة تكبر لتشمل جميع الولايات والمدن السودانية، بضمنها العاصمة الخرطوم. يضاف الى هذا ان مطالبها لم تتوقف عند مطلب الحد من غلاء الأسعار، ومن شحة المواد الأساسية والضرورية للمعيشة وارتفاع أسعارها، حيث ارتفع سعر الخبز بنسبة 300 في المائة، وفي بعض المناطق بنسبة 400 بالمائة. ويضطر المواطنون الى الوقوف في طوابير لساعات طويلة امام المخابز. بل وحدث ان رفضت المخابز في الخرطوم بحري أن تبيع لكل فرد أكثر من ٢٠ رغيف خبز وزن الواحد منها ٧٠ غراماً! ومن جهة أخرى يجد المواطنون صعوبة في الحصول على النقد من البنوك.
هذا كله وغيره جعل المحتجين يطالبون باسقاط النظام، حتى اصبح هتاف “الشعب يريد إسقاط النظام” احد اهم الشعارات التي يرددها المحتجون. ولم تنحصر الاحتجاجات في الجانب الاقتصادي وحده، بل شملت الجوانب الاقتصادية – الاجتماعية ايضا، فيما لم يعد الجانب السياسي خافيا، وهو يتمثل في هدف اسقاط النظام ورفض ترشح البشير لولاية رئاسية جديدة.
ولم تنحصر الاحتجاجات بفئة معينة، بل شملت تركيبتها الاجتماعية جميع طبقات المجتمع وفئاته الاجتماعية. فإلى جانب العمال والكادحين والعاطلين عن العمل وذوي الدخل المحدود، يشترك فيها طلاب المدارس والمعاهد والجامعات، والتدريسيون والمهندسون وممثلو شرائح الطبقة الوسطى. وعلى عادة أنظمة الحكم المستبدة، بدأت سلطات الخرطوم ايضا تبث أسطوانة اختراق التظاهرات من قبل المندسين، سعيا منها الى تبرير القمع وتصعيد العنف ضد المحتجين. علما انها تمارس القمع حتى من دون ذريعة، وبالفعل استخدمت الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع في الايام الماضية وسقط اثر ذلك ما لا يقل عن ٢٠ شهيدا. وهذا ما استفز المتظاهرين ودفعهم الى اضرام النار في عدد من مقرات حزب المؤتمر الوطني الحاكم في مدن دنقلا والقضارف وعطبره.
ان الرهان كبير على استمرار الاحتجاجات في اتجاه وضع نهاية لحكم البشير والأقلية الفاسدة المحيطة به، التي نهبت أموال الشعب السوداني وموارده، ومن اجل إحلال بديل يستحقه الشعب السوداني وقواه الوطنية، التي تواصل الكفاح من اجل العيش الكريم للشعب، رغم عنت السلطة المستبدة وارهابها الغاشم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “طريق الشعب” ص2
الخميس 27/ 12/ 2018

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here