المنبر الحسيني بين المسؤولية الأخلاقية واللامسؤولية ..

نسخة منه الى العلامة الشيخ الوائلي في ثراه
الكاتب / ثائر الربيعي
في البدء يُشكل الإمام الحسين (ع) منعطفاً مهماً في تاريخ الإصلاح إذ أنه يُعد مصلحاً أجتماعياً قادة ثورته لأجل أن ينقح ويشذب الفكر الاسلامي من الشوائب التي تخللته ,ويعيده لمساره الصحيح ويحرره من هيمنة الشريعة الجديدة التي فرضها الطغاة على الدين ,والمجتمع من جهلة السلطة , فثار منتفضاً على الواقع المُزري والمؤلم للطغمة الفاسدة التي أبتليت بها الأمة ورعيتها بمجيء حاكماً مفسداً أستحل لنفسه كل المحرمات بمساعدة وعاظ السوء من الفقهاء الذين برروا له سلوكياته الدنيئة المنحرفة, مقابل عقد صفقة ما بين مناصب ومغانم دنيوية زائلة, فتنصلت رجالات الأمة عن دورها في التصدي له , فكان دم أبا الأحرار وما حل بأهله من مصير مأساوي في عاشوراء بكربلاء ترفضه كل الاعراف الانسانية بمثابة الصدمة التي أيقضت الضمير الذي غرق بسبات نومه وهز الوجدان من أعماقه ,فكون هذا العملاق بأرثه العريق منبراً أتخذ للوعظ والأرشاد والنصح كان ولازال عنواناً للارتقاء بوعي وإدارك الامة وبمختلف عناوينها وأنتمائاتها وجامعاً لكل أطيافها من خلال إنسانيته التي تميز بها, والطرح الذي يشتمل على كل جوانب الحياة و لكافة العصد أذ نجد مناقشة للأزمات الفكرية والتاريخية وألأجتماعية وألأقتصادية والسياسية وأيجاد الحلول الناجعة لها ,ومناشدات تدعوا للألفة وللمحبة وللتعايش السلمي ونبذ الطائفية والحقد والضغائن , وهذا يعتمد بالدرجة الاساس على براعة الخطيب المثقف البارع المتفوه الملم بكل الجوانب للمواضيع التي يتناولها , لأعطائه صورة مشرقة ومشرفة لهذا الخط الذي يمثل أمتداداً لرسالة بيت النبوة التي أبت لنفسها الخنوع والخضوع, بأختياره للغة السهل الممتنعة البسيطة في طرحه المفعم بالحقائق والشواهد وألأدلة التي تؤكد صحة أقواله, في صورة مناقضة له هنالك منبر أستحدثته تارةً دكاكين وظيفتها تشويهه لأجل أزالة الهيبة والكاريزما التي حققها في تعامله مع المجتمع , وتارةً أخرى من قبل ضعاف النفوس والأفق الضيقة التي ليس لها هدف سوى ملء أسماع الجالسين بنعي والعويل عن مصائب أهل البيت ووصفهم بأنهم أناس منكسرين منهزمين مظلومين والمستعمين لهم ليس لهم قول سوى (وآ ويلاه ), بحديث ملؤه الخرافة والتجني بعيداً كل البعد عن الواقع الذي عاشوه في أزمانهم والذي كان مثالاً للعنفوان ,وصوراً ممتلئة بالتحدي والإصرار على مواجهة أعتى الطغاة , المعتلين للمنبر الهادم للذات وجدوا به وظيفة مناسبة لهم غايتهم جني المال والوجاهة , متناسياً دوره التربوي والتعليمي , حيث لا يتعدى فهم الخطيب كيف جاءت زينب (المسبية ) وشقت هدومها وخمشت خدودها ووجهها؟ وجيء بالنسوة أسارى , وأدخلوهم لمجلس يزيد وتفوه بكلمات غير لائقة عنهن , يختلف جذرياً عن الخط الذي دعى اليه الإمام الحسين (ع) والذي جاء من أجله هدفه الجوهري قدم نفسه قرباناً من أجل أن يبقى المرء حراً بذاته و بفكر وبوعيه دون أملاء ومصادرة لحقه بالتعبير , أذكر جيداً ما جاء بكتاب الملحة الحسينية الشهيد مرتضى مطهري عن مأساة الإمام الحسين (ع) أستشهد الإمام الحسين ثلاث مرات :الأولى : على يد اليزيديين بفقدانه لجسده، والثانية : على يد أعدائه الذين شوّهوا سمعته وأساءوا لمقامه، أما الثالثة : فعندما استشهدت أهدافه على يد البعض من أهل المنبر الحسيني، وكان هذا هو الاستشهاد الأعظم” فالحسين ظُلم بما نسب له من أساطير وخرافات… وروايات قاصرة عن أن تصبح تاريخاً يألفه أو يقبله العقلاء. ظُلم لأن تلك الروايات عتمت على أهداف ثورته ومقاصدها… ظُلم على يد الرواديد ومن اعتلوا منبره ونسبوا له – ولأهل بيته- حوارات ومواقف وهمية ملْـؤها الانكسار لاستدرار الدمع. فصوروه – وهو المحارب الجسور الذي افتدى مبادئه بروحه ودمه – وهو يلتمسُ الماء بكل ذُلٍ ومهانة من أعدائه، وصوّروا زينب -الطود الشامخ – التي دخلت على الطاغية يزيد فزلزلته بخطبتها – على أنها امرأة جزعة بكـّاءه، تثبّط هِمة أخيها في الحرب.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here