زيارة ترامب إلى العراق: رسالة تحدّ أميركية لإيران

بغداد ــ محمد علي، الأنبارــ سلام الجاف

28 ديسمبر 2018
خلّفت زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليلة الأربعاء إلى العراق، عاصفة سياسية وأمنية كبيرة في بلاد الرافدين، ليس من المتوقّع أن تخمد خلال الوقت القريب، بل قد تؤسس لمشهد جديد على المستوى العام في العراق، بحسب ما يؤكده مسؤولون عراقيون في بغداد وأربيل والأنبار أيضاً. وأثارت زيارة الساعات الثلاث إلى قاعدة “عين الأسد”، بمحافظة الأنبار غربي العراق، وهي أضخم القواعد الأميركية في البلاد، ردود فعل غاضبة من قبل قوى سياسية وفصائل مسلحة قريبة من إيران لم تقتنع ببيان مكتب رئيس الوزراء الجديد عادل عبد المهدي، الذي أكّد أنه كان على علم بها. وأوضح البيان أنه “كان من المفترض أن يجري استقبال رسمي للرئيس الأميركي، لكن تباينا في وجهات النظر حول تنظيم اللقاء أدى إلى الاستعاضة عنه بمكالمة هاتفية تناولت تطورات الأوضاع، خصوصاً بعد قرار ترامب الانسحاب من سورية، والتعاون المشترك لمحاربة داعش، وتوفير الأمن والاستقرار لشعوب وبلدان المنطقة”.
ومن المرجّح أن يعقد البرلمان العراقي خلال اليومين المقبلين جلسة لمناقشة زيارة “خرق ترامب لسيادة العراق”، بحسب بيان صدر عن النائب الأول لرئيس البرلمان، حسن الكعبي، وهو أحد أعضاء تحالف “سائرون” الذي يتزعمه مقتدى الصدر. وأكّد الكعبي أنه “سيتم العمل على جعلها جلسة طارئة لمناقشة خرق السيادة العراقية من قبل ترامب”.

إلى ذلك، أصدر كل من ائتلاف “دولة القانون” وتحالفي “الفتح” و”سائرون”، بيانات تندد بالزيارة، معتبرين أنها “خرق وانتهاك للعراق وتفتقر للأدب العام”، بينما صعّد 12 فصيلاً مسلحاً مرتبطاً بإيران لهجتهم في بيانات حملت في طياتها تهديداً مباشراً للقوات الأميركية في العراق، خصوصاً من خلال استخدام وصف “مقاومة” في ما يتعلّق باستمرار وجود هذه القوات في العراق وعدم انسحابها منه.

وحسمت زيارة ترامب إلى قاعدة “عين الأسد”، الجدل الدائر حول ماهية أعمال التطوير التي أطلقها الجيش الأميركي منذ منتصف العام الماضي فيها. إذ إنّ هبوط وإقلاع عدة طائرات أميركية مقاتلة من داخل القاعدة ومن ثم هبوط الطائرة الرئاسية الأميركية، أكّدت أنّ التطويرات الأخيرة كانت عبارة عن إنشاء قاعدة جوية متكاملة تضم أكثر من مدرج وتحوي على تحصينات ووسائل دفاعية كاملة، وليست مجرّد معسكر لتدريب القوات العراقية، كما كان يجري الحديث عنه في العراق.

وفي مبنى مجلس الوزراء الجديد في منطقة العلاوي ببغداد، قال مسؤول عراقي لـ”العربي الجديد”، إنّ رئيس الوزراء فعلاً كان يعلم بالزيارة، “لكن ترامب كان غير مؤدّب وطلب منه أن يحضر للقاعدة ويكون من بين مستقبليه، إلى جانب القادة العسكريين الأميركيين العاملين في القاعدة. وهو ما رفضه عادل عبد المهدي بشكل قاطع”. وأكّد المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه، أنّ رئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، “لا يعلمان بالزيارة، بل رئيس الوزراء فقط كونه المعني بملف الأمن”، موضحاً أنّ “السفير الأميركي في بغداد دوغلاس سليمان، كان هو حلقة الوصل بالموضوع”.

ووصف المسؤول زيارة ترامب بأنها “غبية” وأنها “أحرجت رئيس الوزراء كثيراً، ومن غير المستبعد أنّ الطاقم المحيط بترامب غير راض أيضاً عن طريقة دخوله العراق وخروجه منه”. وبحسب المسؤول ذاته، فإنّ “هناك ضغطاً كبيراً من قبل قوى وأحزاب سياسية مدعومة من طهران، على رئيس الوزراء لعدم قبول دعوة ترامب له لزيارة واشنطن الشهر المقبل”، معتبراً أنّ “بعض الجهات داخل الحكومة والمشهد السياسي ككل، تجد أن زيارة ترامب بمثابة إعلان عدم انسحاب من العراق، بل توسعة الوجود الأميركي ومناكفة إيران من خلاله، وهنا تكمن الخطورة”.

وفي الأنبار، كشفت مصادر عسكرية ومحلية عراقية عن أنّ الأربع والعشرين ساعة التي سبقت زيارة الرئيس الأميركي، شهدت تحليقاً كثيفاً لمقاتلات أميركية وطائرات للمراقبة من منطقة أبو غريب وحتى الحدود مع الأردن وسورية وعلى مسافة تزيد عن 500 كيلو متر. وقال ضابط في الفرقة السابعة في الجيش العراقي لـ”العربي الجديد”، “كنا نعتقد أنّ هناك عملية لاعتقال أبو بكر البغدادي أو قتله، وأنّ كل هذا الحشد في الجو بسبب معرفة مكان وجوده، فيما تحدّث آخرون عن بدء القطعات البرية الأميركية في قاعدة التنف السورية بالانسحاب إلى داخل العراق وتقوم هذه الطائرات بتأمينها”، موضحاً أنّ “مصادر مقربة من الأميركيين هي من كانت تسرّب مثل هذه المعلومات وتعتبرها سرية للغاية”.

وأشار الضابط إلى أنّ القوات الأميركية في الأنبار الآن موجودة في الحبانية شرق الفلوجة (80 كيلومتراً غربي بغداد)، وفي قاعدة “عين الأسد” (200 كيلومتر غربي بغداد)، وهناك أيضاً موقعان صغيران أنشئا حديثاً قرب الحدود مع سورية بمنطقة الرمانة، ويقع الأوّل تحديداً قرب مرصد الأنواء الجوية العراقي القديم، فيما يقع الثاني في منطقة الرطبة عند المثلث الفاصل بين العراق والأردن وسورية، وهو عبارة عن معسكر عراقي قديم يعود لحقبة الثمانينات وتمّ ترتيبه وتحصينه ولا يعلم عدد من فيه”، وفقاً للضابط.

في المقابل، بدأ عدد من الكتل والقوى السياسية العراقية القريبة من إيران، حراكاً واسعاً لترجمة موقفها الرافض لزيارة ترامب إلى العراق على أرض الواقع. وبحسب عضو تحالف “الفتح”، فاضل الربيعي، فإنّ “القوى الوطنية ستسرع بتقديم مشروع قرار للبرلمان يتعلّق بإخراج القوات الأجنبية من العراق وعلى رأسها الأميركية”، موضحاً أنّ “القوى السياسية لن تسمح للحكومة بأن توافق على التمديد للقوات الأميركية أو أن تزيد عديد قواتها خلال الفترة المقبلة”.

بدوره، رأى النائب علي البدري، أنّ زيارة ترامب “سببت مشكلة كبيرة في العراق أربكت الوضع ولم تكن مناسبة”، موضحاً أنها “أحرجت عبد المهدي وكانت عنترية من ترامب وتخلو من الأدب”. وكشف البدري في حديث مع “العربي الجديد”، عن أن “البرلمان سيعقد خلال اليومين المقبلين جلسة طارئة لمناقشة الزيارة ورفضها، ونعتقد أنه سينتج عن هذه الجلسة قرار يتعلّق بالموضوع ككل”، مستدركاً في الوقت نفسه بالقول إنّ “الولايات المتحدة تمتلك أوراق ضغط كبيرة وكثيرة في العراق كونها تتحرّك من موقع المسيطر في البلاد، وخطوة ترامب مضرّة كثيراً وبعثت برسائل سلبية للعراقيين والحكومة”.

أمّا النائب سلام المالكي، فاعتبر أنّ تصريحات الرئيس الأميركي بأنه قد يضرب سورية من داخل العراق “هي أخطر ما قاله، وأهمّ من الزيارة نفسها”، موضحاً في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ “البرلمان قد يوجّه دعوة لاستضافة رئيس الحكومة ووزير الخارجية لمناقشة التصريحات والنوايا الأميركية الجديدة”.

وفي الإطار ذاته، قال عضو “جمعية المحاربين العراقيين القدامى”، العميد ضياء حسين الربيعي، وهو أحد القادة العراقيين الذين عملوا بين عامي 2004 و2009 مع القوات الأميركية في بغداد وبابل، قال إنّ الأميركيين أخذوا شكلاً مثلثاً داخل العراق، فهم يتواجدون في شمال وغرب وشرق البلاد، وهو ما يمكن اعتباره مدروساً بناءً على خارطة جيوسياسية وموجهة ضد إيران بالدرجة الأولى”. واعتبر الربيعي في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ تواجد الأميركيين في الأنبار (غرب) ونينوى وإقليم كردستان (شمال) وفي بلد شمال شرق العراق ضمن محافظة صلاح الدين، إضافة إلى بغداد حيث معسكري النهروان والمطار، له دلالات مهمة، كون هذه المواقع نفسها كانت صعبة على إيران خلال الحرب العراقية الإيرانية، واستخدمها العراقيون في ضرب العمق الإيراني بالصواريخ أو في الطلعات الجوية المباشرة التي وصلت في آخر سنوات الحرب إلى جزيرة خرج الإيرانية وضواحي طهران”.

ولفت الربيعي إلى أنه “من المؤكّد أن الموضوع يشكّل عامل قلق حالي لإيران التي باتت تشعر بأنها مهددة من داخل العراق، لذا سيكون هناك أشواط طويلة من الصراع وكذلك المساومات، ونعتقد أن طهران ستحرّك قواها السياسية في العراق، وفي حال لم تثمر عن نتيجة، ستلجأ للتلويح بالفصائل المسلحة الموالية لها بطبيعة الحال”. وختم الربيعي بالقول إنّ “انسحاب الأميركيين من العراق يعني أن إيران انتصرت في المنطقة ككل، وهذا ما يفهمه الأميركيون جيداً”.

وتتواجد القوات الأميركية في أربع قواعد عسكرية رئيسة داخل العراق، إلى جانب معسكرات ومواقع صغيرة تسمى “الدعم اللوجستي”، وهي قاعدة “عين الأسد” وقاعدة “الحبانية” بمحافظة الأنبار، وقاعدة بمنطقة النهروان جنوبي العاصمة بغداد، إضافة إلى معسكر دعم صغير داخل السور الأمني لمطار بغداد الدولي، وكذلك في قاعدة بلد الجوية بمحافظة صلاح الدين، وقاعدة في سنجار غربي نينوى، وقاعدتين في أربيل ومعسكر في السليمانية.

ويبلغ عديد القوات الأميركية القتالية قرابة 6 آلاف جندي، أكثر من نصفهم من “المارينز”، عدا عن أعداد أخرى من القوات المساندة والمستشارين والمدربين والفنيين والمتقاعدين مع الجيش الأميركي، ليكون مجموعهم الكلي قرابة الأحد عشر ألف أميركي ينتشرون ضمن تلك القوات. وتحمّلت القوات الأميركية بشكل عام في العراق، أكثر من 80 في المائة من الجهود التي بذلها التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”، إضافة إلى عمليات الإسناد المباشر للقوات العراقية في معارك تحرير المدن من سيطرة التنظيم.

وتمتلك تلك القوات حالياً في العراق أسراب مروحيات مقاتلة من طراز “بلاك هوك” و”أباتشي” و”تشينوك”، إضافة إلى كتائب مدفعية ميدان ووحدة دروع خاصة، فضلاً عن إمكانية هبوط وإقلاع المقاتلات الأميركية الآتية من الكويت أو قاعدة “أنجرليك” التركية. ويعتبر تواجد الولايات المتحدة في العراق قانونياً، وفقاً للاتفاقية الأمنية المشتركة الموقّعة بين البلدين عام 2008 للدفاع المشترك، والتي نتج عنها تسليم السلطة للعراقيين.

وحول هذا الموضوع، قال الخبير في الشأن السياسي العراقي، لقاء مكي، “إنّ التحرّك نحو إلغاء الاتفاقية الأمنية بين العراق وواشنطن يجب أن يطرح السؤال: هل هناك إمكانية أصلاً لإلغاء الاتفاقية من جانب واحد مثل ما يطرح اليوم؟”، مضيفاً في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ “الأميركيين لديهم أدوات ضغط كثيرة في العراق ليست فقط في المجال العسكري، فهناك المجالان الاقتصادي والسياسي. ويجب أن نعلم أن هناك أطرافاً عراقية سياسية ما زال ولاؤها للولايات المتحدة، فرغم علاقتها الجيدة مع إيران، لكن تبقى تشعر أنّ الأخيرة مصدر تهديد، وإن اضطرّت لمجاملتها”. وأوضح مكي أنّ “هذه القوى هي الأكراد ومعظم القوى السنية وبعض القوى الشيعية، لا سيما تلك التي تعتبر علمانية، وأيضاً قوى شيعية مناوئة لإيران أو على الأقل لا تريد لها السيطرة على العراق لأسباب دينية خلافية، وأيضاً سياسية”، معتبراً أنّ تلك القوى “تعتبر وجود الولايات المتحدة لا يسمح لإيران بالسيطرة الكاملة على العراق”.

ووفقاً لمكي، فإنّ الولايات المتحدة “لن تجلس منتظرة مصير قواتها من خلال بعض الأطراف العراقية في البرلمان حالياً، فنحن نتحدّث هنا عن قرار أصدره ترامب كما اتضح بشأن البقاء في العراق، وزيارته الأخيرة له دون بقية القوات في الخارج مثل أفغانستان، وهو في حدّ ذاته موقف يراد منه التأكيد على أهمية الوجود الأميركي في العراق”.

ورأى مكي أنّ “انسحاب واشنطن يعني أنها خسرت أمام إيران، فضلاً عن خسارتها قدرات استراتيجية لها في المنطقة”، مشيراً إلى أنه “من الواضح أنّ إيران تريد أن تستثمر هذه الزيارة لإحراج الولايات المتحدة واقتناص اللحظة الحاسمة لغرض تمرير مشروع قرار إخراج القوات الأميركية من العراق، وطبعاً أي أثمان أو تكاليف سيدفعها العراق لا إيران، فالأخيرة ستكتفي بالتفرّج على الساحة العراقية مشتعلة، في حال تعقّدت الأمور إلى مرحلة استخدام القوة من خلال أدوات تتحكم بها إيران”.

واعتبر مكي أنّ التلويح بالعنف ضد الأميركيين، كما صدر عن بعض الأطراف العراقية، “هو مجرّد تهديدات بلا مضمون حقيقي حتى الآن على الأقل، وهو نمط إيراني معروف، لكن لا أعتقد أن القوة مطروحة من القوى والفصائل ضدّ الأميركيين، لأنها ستمنح واشنطن ذريعة قوية للردّ بالأسلوب نفسه، وحينها سيكون الردّ قاسيا من قبل واشنطن، وقد تكون النتائج صعبة على القوى الإيرانية”. لكنه أعرب عن اعتقاده بأنّ الولايات المتحدة “ستأخذ هذه التهديدات التي أطلقت بعد الزيارة على محمل الجد، وربما سيضع البنتاغون والاستخبارات الأميركية خططاً بديلة لمواجهة إيران في العراق بشكل عنيف هذه المرة، بما في ذلك تنفيذ عمليات اغتيال واستهدافات مباشرة لمراكز قوى سياسية تابعة لمليشيات مرتبطة بإيران، وكذلك استهداف بعض المقرات الخاصة بالحرس الثوري في العراق. وربما ستعتمد واشنطن في ذلك على متعاونين عراقيين معها في داخل القوات العراقية والمؤسسات الحكومية لتنفيذ هذه العمليات أو الحصول على معلومات، وفي النهاية نحن أمام تطور بالصراع الأميركي والإيراني داخل العراق، لكنه ما زال مسيطراً عليه حتى الآن”.

(شارك في التغطية من النجف علي الحسيني)

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here