بقلم مهدي قاسم
من السذاجة بمكان اعتبار أمريكا ــ تحديدا الإدارات الأمريكية
المتعاقبة ــ مدافعة عن حقوق الإنسان ، في الوقت الذي أوجدت هذه الإدارات في العقود و الحقب الغابرة أعتى أنظمة يمينية و يكتاتورية ــ على فاشية شرسة في معظم دول أمريكا اللاتينية و التي مارست أعمالا وحشية من عمليات تعذيب و قتل لعشرات الآلاف من مواطني تلك البلدان
بما فيهم من فنانين و شعراء رهبان مناهضين أيضا لتلك الأنظمة الدموية ، بذريعة محاربة الشيوعية .
و قد شاهدنا أفلاما أمريكية عديدة تفضح دورالمخابرات الأمريكية
و كذلك دور السفارة الأمريكية في عواصم تلك البلدان في إقامة تلك الأنظمة الديكتاتورية ودعمها و الدفاع عنها في وجه المظاهرات والانتفاضات الشعبية ..
و إذا أصبح كل ذلك الآن من ذكريات الماضي المؤلمة ، فأن
حقيقة حماية الإدارات الأمريكية الحالية لأنظمة ثيوقراطية موغلة في الظلامية وذات القسوة البدوية الهمجية ، كالنظام السعودي مقابل ثمن باهظ يبلغ مئات مليارات دولارات ، فأنها هي الأخرى تأتي دليلا إضافيا على أكاذيب و مزاعم أمريكا بالدفاع عن حقوق الإنسان التي تُداس
بفظاظة وغلاظة في السعودية ، لأبسط اختلاف في الرأي أو الموقف ، وما جريمة القتل الشنيع للصحفي السعودي جمال خاشقجي لهي أبسط و أقرب مثال على ذلك ، لكون خاشقجي لم يكن من معارضين أشداء أو خطيرين ولا من دعاة إسقاط النظام السعودي في يوم من الأيام.
كما أن مجرد عملية القيام بمظاهرات احتجاج على سوء المعيشة
و الخدمات و على إهدار المال العام ، أو من أجل حرية التعبير و الرأي ( حيث يوجد في في سجون السعودية عدد من سجناء الرأي و التعبير ) ، فأن كل ذلك يعتبر سلوكا جنائيا تترتب عليها عقوبات بالحبس أو قطع الرأس وفقا لكتاب القانون الجنائي السعودي ..
حسنا أن نظاما ينتهك حقوق الإنسان بكل هذه الغلاظة و القسوة
كالنظام السعودي ، وهو في الوقت نفسه مسنود الرأس و الظهر دعما و حماية أمنية ، من قبل أقوى دولة في العالم مثل الولايات المتحدة الأمريكية ، فكيف يمكن الزعم بعد كل هذا بأن أمريكا تدافع عن حقوق الإنسان ، و بالتالي يجب أن نرفع لها قبعاتنا تمجيدا وتعظيما ؟!..
هذا دون أن نذكر الدفاع الأمريكي الأعمى عن إسرائيل على
طريقة ” ناصر أخاك ظالما أو مظلوما ” إزاء قمع قوات الاحتلال المتواصل في الأراضي الفلسطينية المحتلة …
أما الحقيقة فهي : أن الإدارات الأمريكية قد جعلت من حقوق
الإنسان مطاطا ذات طول و حجم بحيث يجب أن يلائم مصالحها الاستراتيجية أو الآنية ، لتكيل بها بمكيالين و ذلك حسب متطلبات هذه المصالح ..
رب قائل يقول : ولكن أمريكا وفرت الاستقرار و الأمان في
السعودية و غيرها من خلالها حمايتها لها ..
فنجيب على هذا بقول أحد الكّتاب الروس سخرية من
ديكتاتورية الشيوعية الستالينية حيث قال ما معناه :
ــ أن الإنسان لا يعيش بالخبز وحده !..
هذا، إذا كان الخبز متوفرا ــ افتراضا ــ في بيت كل سعودي
، غير أن الأمر ليس كذلك قطعا .
مقالة ذات صلة بالموضوع
POSTED ON
2018-12-24
BY SOTALIRAQ
الخازوق الأمريكي الطويل منذ شاه إيران و حتى الآن
!
مهدي قاسم
المعروف عن الإدارات الأمريكية المتعاقبة أنها أول مَن
توّجه إليهم خازوقها الغدار هم عملائها الأقربون ، على الأقل عرفنا ذلك
أثناء تخليهم عن شرطيهم السابق في منطقة الخليج ، و نعني الشاه محمد البهلوي ، من حيث تركوا نظامه القمعي يتهاوى بواسطة أشرطة صوتية فحسب وهي تحتوي على خطابات تحريضية للخميني ، وهم يتفرجون كيف
تستلم السلطة في إيران قوى ظلامية وهمجية جديدة و بصبغة دينية ، لا تقّل
قمعية و دموية عن سلفها السابق ، ولكن أكثر تشددا في استدعاء قيم و إحياء القرون الوسطى أسوة بالنظام السعودي ليتنافسا فيما بينهما على تصدير الإرهابيين و المليشيات وكلهم من قتلة دينيين ..
و عندما أصبح الشاه ملاحقا و شريدا هو وعائلته استكثرت
عليه الإدارة الأمريكية حينذاك عليه حتى حق اللجوء ، وهو كأضعف إيمان
لرجل كان شرطيا لهم وحاميا لمصالحهم في منطقة الخليج على مدى عقود طويلة ..
و نفس الشيء عملوه ــ تقريبا ــ بعميلهم السابق صدام ،
عندما اتضح لهم أخيرا بأنهم قد استهلكوه ــ استراتيجيا ــ تماما بعد
حرب الخليج الأولى ، ولا يعد مفيدا لهم ، و خاصة بعدما ورطوه في حرب الخليج الثانية ، كضربة قاضية لنظامه الديكتاتوري الذي بات ضعيفا إلى حد كبير..
و مع ذلك لا زال هناك كثير من العرب وغير العرب ـــ سواء
ساسَة أو مسؤولين أو مواطنين ” عاديين ” ـــ يبدون مستغربين من قرار
ترمب بسحب القوات الأمريكية من سوريا ، و خاصة المعارضة السورية و الأحزاب الكوردية في المنطقة ، التي كانت تعوّل كثيرا على الدعم الأمريكي سواء في إقامة دولة لهم أو حكم ذاتي على الأقل ، دون أن
يتعظوا من تجربة شاه إيران السابق أو من صدام ، ولا من عملية ابتزاز
بعض الحكومات الخليجية و تهديدها لأخذ ” خوة ” الحماية منها أو تركها عرضة للاضطرابات و الانهيار البطيء ..
طبعا .. و للوهلة الأولى ، هذا هو التحليل العاطفي للمسألة
، وقد يبدو حتى ساذجا بعض الشيء..
إذ لو انطلقنا من النظرية القائلة بأن السياسة هي تحقيق
المصالح في الدرجة الأولى و الأخيرة ، و ليس تبادل عواطف جياشة مع إطلاق
أهات وشهقات فضفاضة !!، لربما وجدنا أن الإدارات الأمريكية ليست غلطانة في نهاية الأمر ، طالما هي تفلح في العثور على ” حمير ” تحقق من على ظهرها مصالحها لحد ما تهرم هذه الحمير فترسلها إلى ”
المسلخة ” حينذاك ، تخلصا منها حتى لا تكون عبئا عليها أو عرقلة لمصالحها
في استراتيجيات جديدة أو طارئة في المنطقة ..
وضمن هذا السياق أيضا كتبتُ مرارا و أشارتُ إلى ما معناه
و فحواه : أنه يجب علينا أن لا نلوم النظام الإيراني على طول الخط ،
لأنه وجد في العراق ” حميرا ” يستطيع على ظهرها المنحني مذلة تحقيق مصالحه الأمنية و الاقتصادية وبسط نفوذه الواسع و القوي على العراق ..
حقا لماذا لا ، إذا أُتيحت فرصة ذهبية من هذا القبيل وعلى
أيدي خونة محليين ؟ ..
ففي النهاية هذا هو جوهر السياسة ، و المتجسد أصلا في تحقيق
المصالح سواء بدهاء سياسي أو بقوة عسكرية أم عن طريق عملاء وخونة ..
لذا فعلى على بعض قجقجية و لطّامة وعملاء صغار أن لا
يلوموا إلا أنفسهم ، إذا ما وجدوا أسيادهم وولي أمرهم يتخلون عنهم في
أية لحظة حرجة كانت .