حوار مع الأستاذ ضياء الشكرجي حول الله والخير والشر

خضير طاهر

أتحاول بعض الاحيان مع الأستاذ ضياء الشكرجي بواسطة الرسائل بخصوص بعض القضايا المتعلقة بالأديان والله ومفاهيم الخير والشر ، والأستاذ الشكرجي لديه تجربة دينية ضخمة كتب عنها عدة كتب ، وبهذه المناسبة أحيي كل شخصلاديني أو ملحد .. فهؤلاء يستحقون التمجيد لأنهم يحترمون انفسهم ورفضوا ان يظلوا داخل سجون إصطبل القطيع البشري وحطموا جدرانه وسعوا نحو الحقيقة وحرية الفكر والمعتقد .

ويسرني نشر إحد الحوارات على الأستاذ الشكرجي .

الأستاذ ضياء المحترم
تحية طيبة
بخصوص مقالتك الهامة المنشورة اليوم وقولك (( 10- جزاؤه اللازم لعدله ))
كيف نعالج مشكلة ان الله يظهر لنا ليس عادلا بل ظالما وفق معايير العدالة العقلية ؟

فهو :
– خلق البشر قهرا دون أخذ موافقتهم بعد عرض تفاصيل حياتهم التي سوف يعيشوها على سبيل المثال : الشخص الأسود لو خير بين الحياة في ظل الفقر والأمراض والتمييز العنصري هناك إحتمال سيختار العدم ، وكذلك الذي سيعاني من الأمراض الوراثية وسوء الظروف الصحية والمعاشية والعائليةمؤكد سيرفض الحياة …

– عندما بدء الخليقة .. خلق الله البشر وتركهم في العراء مع الحشرات والحيوانات دون ان يكون لديهم مستلزمات الحياة الضرورية وكذلك لم تكن لديهم الخبرة في الطعام والملبس والسكن والقدرة على حماية أنفسهم من الحشرات والحيوانات المفترسة وتنظيم حياتهم … وقد عاشوا زمنا طويلا في هذا التيه والعذاب

– عدم تساوي الأقدار .. فلاتوجد عدالة بين من يولد في سويسرا في لون أبيض وشعر أشقر وبين من يولد في أرض الجحيم أفريقيا ….

وغيرها من الإشكالات التي يجد العقل البشري نفسه في مأزق عندما يقوده معيار العدالة الى حقيقة ظلم الله للبشر وليس عدله .. والقول بفرضية الجزاء بعد الموت مغامرة عقلية دون دليل بعد إستبعاد الأديان !

رأيي الشخصي المتواضع هو ان الله غير معني بمباديء الخير والشر التي هي من إبتكار العقل البشري ، وبهذا سنجد حلا لمأزق ظلم الرب لمخلوقاته عبر الإقرار بحياديته – أي الله – مثل مايفعل مع الحجر والشجر وسائر أجزاء الكون ، يعامل مخلوقاته البشرية أيضابنفس الحيادية .
مع خالص المودة
خضير طاهر

أخي العزيز الأستاذ خضير

تحياتي ومحبتي.

جوابي هو نفس ما أجبتك به قبل شهر، وأعيد إرساله إليك أدناه:

أخي العزيز الأستاذ خضير

تحياتي ومحبتي.

إشكالية ما يسمى بالشرور، هي أهم دليل للتشكيك بكمال الله وبالتالي – عندي على الأقل – بأصل وجوده.

شخصيا، وهذا ما أكدته مرارا، غير مهتم بإثبات وجود الله، بقدر اهتمامي بإثبات عدم صدق الأديان عموما، والإسلام خصوصا، لأنه يشكل اليوم ولمدى المستقبل غير المعروفة نهايته مشكلة مركزية للبشرية. لأني لا أرى مشكلة لا مع الإلحاد ولا مع الأدرية، وحسب فهميللإله هذا، فهو نفسه غير مهتم بإيمان البشر به، وإذا آمنوا فعلى أي صورة، وليس الإيمان مجردا سببا لاستحقاق الثواب، وليس عدم الإيمان بأي حال من الأحوال سببا للعقاب.

لكن المشكلة عندي، أني لا أستطيع نقد ونفي الدين إلا من موقع فهمي، الذي يستند فيما يستند إلى الإيمان بالله. وإلا فالملحد واللاأدري كلاهما لادينيان بالضرورة. من هنا يهمني أن يعيد المؤمنين به من الدينيين النظر في التلازم المدعى والذي لا يستند إلىأي منطق بين الإيمان بالله من جهة، ووجوب الإيمان بثمة دين بناءً على ذلك. فبعدما نشرت 119 حلقة من كتبي الخمسة في نقد الدين، في الفترة الواقعة بين 21/11/2016 لغاية 22/07/2017، وكانت هذه الحلقات طويلة جدا، فمعدل الحلقة الواحدة كان 2000 كلمة، وجدت أن أعيد نشر مضامينهابحلقات قصيرة لا تتعدى إحداها الـ400 كلمة. في المرة الأولى نشرت بحثا بثلاث حلقات حول أهم الإشكالات المثارة على وجود الله. وأهم هذه الإشكالات كانت أربعة وهي:

غياب العدالة في هذه الحياة، وعدم وجود تفسير مقنع لما يسمى بالشرور.
عدم جعل الله طريقا ميسرا للإنسان لمعرفته والإيمان به.
عدم تدخله في دحض التقول عليه وادعاء النطق باسمه والتشريع إيجابا وتحريما وإباحة نيابة عنه من قبل الأديان والمدعين للنبوة أو المعتقد بنبوتهم. طبعا عندما أقول (المدعين) فبلا شك حسب قناعتي وقناعة عموم اللادينيين، سواء الملحدين منهم أو الإلهيين مثلي، وليس حسب قناعةالمؤمنين بنبوتهم، مع احترامنا لهم، لاسيما لعقلائهم وإنسانييهم.
إشكالية أزلية الخالق، واللابداية واللاعلة لوجوده.
لكني سأقتصر على إرسال بحث الإشكال الأهم وهو الأول وهو ما أثرته أنت. أعتذر إذا كان الموضوع طويلا، مع هذا اسمح لي أن أرسله كما كتبته آنذاك، تحت عنوان «الإشكالات على أدلة وجود الخالق».

سأحاول تناول الإشكالات الأربع التي مر ذكرها في الحلقة السابقة على وجود الخالق، لأرى ما إذا يمكن تصور ثمة إجابة، أو إجابات، إلم تكن مقنعة مئة بالمئة، فلا أقل من أن تكون قابلة للتأمل فيها، ومشتملة على قدر من المعقولية، أو لعله الانتهاء بالإقراربالعجز عن إعطاء جواب على بعض التساؤلات، وما يترتب أو يمكن أن يترتب على هذا الإقرار بالعجز عن الإجابة.

أولا: غياب العدالة ووجود الشرور في هذه الحياة:

بتصوري هذا يمثل أهم الإشكالات المثارة على الإيمان بالله الخالق. خاصة عندما نتناول قضية الإيمان، ليس من موقع التسليم لمقولات الأديان، وإنما عبر ما يراه المؤمنون العقليون من أدلة عقلية، تستند فيما تستند إليه، إلى دليل واجب الوجود، والذي من لوازمهالكمال المطلق في كل صفاته، وبالأخص كونه عادلا عدلا مطلقا. وبسبب الإيمان بعدل الله آمن من آمن مثلما آمنت بثمة حياة أخرى، يكون فيها الجزاء ثوابا أو تعويضا، وربما عقابا وفق موازين العدل المطلقة. وأيضا بسبب الإيمان بعدل الله رفض الإلهيون العقليون كلا من الأحكامالشرعية للدين، والجزاء الأخروي وفق التصور الديني، لتعارضهما مع العدل، مما جعلهم يختارون أن يكونوا إلهيين لادينيين. ولكن الذي يثار هو كل الواقع الذي هو أبعد ما يكون عن العدل. فهناك ظلم الإنسان للإنسان عبر التاريخ الإنساني، وبكل أنواعه الفردية والجمعية، من جرائمواستبداد وقمع واسترقاق وعبودية، وظلم للمرأة، واعتداء على الطفولة، وجرائم قتل فردية، وإبادة جماعية، واغتصاب، وإلى غير ذلك مما لا يعد ولا يحصى، بما في ذلك الظلم والعدوان والإجرام باسم الدين. ثم هناك الكوارث الطبيعية، والعاهات الجسدية، سواء التي تكون بالولادة،أو بسبب حادث، أو جريمة اعتداء، أو مرض، وكذلك ما نجده من فقر ومجاعة، واستغلال، وعدم تكافؤ في الفرص، وتفاوت حتى في طول العمر، بل وتفاوت حاد في الجمال. بل نجد الظلم غير مقتصر على حياة الإنسان، بل يتعداه إلى الحيوانات، مما تتعرض له من افتراس على يد حيوانات أخرى،وصيد من قبل الإنسان، وما تتعرض له مع الإنسان من خلال الكوارث الطبيعية والحروب. كل هذا يجري، ولا يتدخل الخالق الذي نفترض أنه عادل عدلا مطلقا ولا يرضى بالظلم. فإننا عندما نقرر أنه عادل، لكونه متصفا ذاتيا بالكمال المطلق، كذلك لا يمكن أن ننسب إليه الجهل بما يحصل،ولا العجز عن تغييره، ولا اللامبالاة تجاه خلقه. وهذه بصراحة إشكالية كبيرة تواجهها الفلسفة الإلهية، أعني التي تعتمد العقل، ولا شأن لنا بمقولات الأديان وتفسيرات مفسريها ولاهوتييها وتبريراتهم، مع عدم النفي المطلق أن تكون بعض الرؤى الدينية وتفسيرها لكل ذلك تملكشيئا من الصواب، أو مما يمكن التأمل فيه. فالذين يؤمنون بالله إيمانا عقليا، وجدوا أنفسهم لا يملكون إلا التسليم بحقيقة وجوده، وأعني بالحقيقة، بما يرونه هم كحقيقة. لأنهم عندما تفكروا في أصل الوجود، ورأوا أن لكل كائن علة أخرجته من العدم إلى الوجود، ولامتناع تسلسلالعلل عندهم إلى ما لا نهاية تراجعيا، أي إلى ما لا بداية له، حيث ما كان عندها ليكون ثمة وجود، ما كان لهم إلا أن يسلموا بوجود علة أولى لا علة قبلها، هي علة العلل اللامعلولة بعلة لها، وبالتالي فهي واجبة الوجود، وبالتالي وبالضرورة لوجوب وجودها، أزلية وأبدية، ثممن أجل أن تكون خالقة، لا بد لها من أن تكون عاقلة، عالمة، مريدة، قادرة، حكيمة. علاوة على كل الدقة والحساب المتناهي في الدقة، وهذا النظم المحيّر للكون بكل تفاصيله ودقائقه، يجعل من الممتنع، عند هؤلاء – وأنا منهم – أن يتعقلوا انبعاث كل ذلك من غير خالق بالصفاتالتي ذكرناها آنفا. ولكن حتى الدقة المتناهية هذه تثير بدورها تساؤلات، ألا هي مثلا، ما زال الخالق قادرا على حساب كل شيء بهذه الدقة المتناهية، فلم لم يستخدم دقته في كل شيء. مثلا لماذا الأمراض، أما كان بإمكانه أن يخلق جسم الإنسان على نحو لا يعطل فيه شيء، وأن يخلقالكون بدرجة أكثر من الدقة بحيث لا تحصل الكوارث، وأن يصمم أجسام مخلوقاته من إنسان وحيوان، على نحو يكتفي كل بالغذاء النباتي، حتى لا يضطر الحيوان إلى افتراس الحيوان الآخر، ولا الإنسان إلى قتل الحيوان لحاجته إلى لحمه كغذاء؟ إذن هناك “لماذا” وألف “لماذا” لا جوابمقنعا عليها، لا يتبعه سؤال فسؤال وسؤال. ولكن في المقابل الأدلة العقلية للإلهيين العقليين تلزمهم بالتسليم للإيمان به. أما إجابات الأديان، فمعظمها لا تشفي الغليل، ولا تقنع، بل الكثير منها يمثل تبريرا لا يقبله ولا يعقله عقل عاقل. على سبيل المثال ما يطرح من إنالمرض والظلم والكوارث والفقر وإلى غير ذلك ينقسم إلى امتحان وعقوبة دنيوية. فأما الامتحان فهو يزيد من ثواب من يجتازه بنجاح، ويعوضه بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا مخيلة تخيلت، ومن يسقط في الامتحان فله إما العقاب أو مزيدا من العقاب أو تضييعا لثواب. والعقوبةالدنيوية هي على نحوين، إما كمقدمة تتبعها عقوبة أخروية أشد وأدوم، وإما هي عامل تخفيف عن العقوبة الأخروية، أو إلغاء لتلك العقوبة، من حيث إن المعاقب دنيويا لا يستحق أكثر من هذه العقوبة التي صبت عليه في الدنيا. وكذلك لا يمكن أن يقبله عاقل ما يذهب بعض من يسمونبعلماء الكلام أو الإلهيات، بألا وجود للشرور، لأن الشر شيء عدمي، فالعمى عدم البصر، والمرض عدم الصحة، وإلى غير ذلك، فهذا تخريج واضح تهافته ولامعقوليته. فكل هذا الذين يفسرون به الشرور، كله وبصراحة تبرير غير معقول، ولا يجيب على الأسئلة المثارة. نعم شخصيا أقولكما جاء فيما أسميته بالتنزيهية «لا يثيب لمجرد إيمانه أحدا من المؤمنين، ولا يعذب لكفره أحدا من الكافرين، إنما بإحسانه يثيب المحسنين، آمنوا به أو لم يكونوا يؤمنون، وبعدله يجزي المسيئين، كفروا به أو كانوا من المؤمنين، ومن استحق تعويضا عما أصابه أو عما فاته فلنيجد مثله من معوض، إنه أجزل المعوضين، ووفقا لجرم كل يعاقب المجرمين، وكذلك يفعل وفقا لظلم كل بعموم الظالمين، وهو في ذا وذا أعدل العادلين وأرحم الراحمين». لكن هل يمثل هذا جوابا مقنعا لكل التساؤلات والإشكالات بهذا الخصوص؟ بالنسبة لي هو مقنع، لكنه لا يمكن أن يقنعكل الناس، ولا أكثرهم، حتى لو قلنا بأن التعويض لا يقتصر على الإنسان، بل يتعداه إلى الحيوان. من هنا يبقى هذا السؤال مفتوحا، وإن كان بالنسبة لي لا يمثل مبررا كافيا للشك بوجود الخالق، لكون بقية الأدلة العقلية توجب حسب تقديري التسليم بما نراه حقيقة وجود الخالق. أما افتراض إن الخالق يمكن أن يكون غير عادل، أو أن يكون عبثيا، أو لاأباليا، فهذا يعني إن الخالق متصف بصفات النقص، أو الصفات المذمومة، كالظلم والعبثية واللامبالاة، والتي تنفي عنه صفات الكمال من عدل وحكمة وربوبية. وهنا أقول إن عدم الإيمان بالله أو بأي إله، أيالإلحاد، أو اللاأدية الإلهية، خير من الإيمان بإله عاجز أو ظالم أو عابث ولامبال، وهو في كل الأحوال خير من الإيمان بإله الأديان المشرع للأحكام غير العادلة وغير الحكيمة والمجازي في الآخرة خلافا لمعايير العدل. وأضيف إن النقص كعدم الاتصاف بالعدل المطلق، يجعل الناقصمحتاجا إلى سد نقصه، والكائن المحتاج أو الفقير كما يعبر هو كائن متغير وبالتالي حادث، وليس أزليا، وبالتالي يحتاج إلى علة لوجوده، وهنا لا بد من نفي كونه العلة الأولى اللامعلولة، أو يقودنا هذا من جديد إلى تسلسل العلل تراجعيا إلى الأزل أي إلى ما بداية له، مما تنفيهحقيقة الوجود التي لا تحتاج إلى دليل.

أما الإشكالات الثلاثة الأخرى، فأوفر عليك بذل الوقت فيها.

أرجع وأؤكد، ليس هناك جواب نهائي مقنع لهذا السؤال، ومن حق الإنسان أن يجعله ذلك أن يشك بأصل وجود الله، أو لا أقل من أن يشك بعدله، أو يكون لاأدريا.

أكرر شكري وتقديري ومحبتي.
ضياء

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here