ألحكومة العراقية: شكرا، الشروط غير متوافرة!

جورج منصور
يستقبل الشعب العراقي سنة جديدة يتوقع ان لا تختلف عن سابقاتها، تحمل معها الكثيرمن مخلفات عام انقضى مشبع بالانتكاسات والخيبات وموبوء بالفساد والمحاصصة الطائفية. وما تزال مسرحية تشكيل الحكومة تراوغ وتراوح محلها، في وقت تواجه الحكومة الجديدة تحديات كبيرة في الجوانب الامنية والسياسية وعدم الاستقراروتقديم الخدمات. فالوضع منذ سنوات لم يتغير، ومهمة عادل عبد المهدي تلكأت منذ انطلاقتها، أي بمجرد موافقته على تحمل اعباء المرحلة الصعبة ودخول المعترك الشائك في تشكيل الحكومة، وهو الذي قال عنها، انها ستكون حكومة خدمية من الوزراء المستقلين والتكنوقراط والخبراء والمختصين.

فبعد مضي 22 يوما على تكليفه بتشكيل الحكومة، قدم الى البرلمان قائمة باسماء الوزراء. بيد ان البرلمان صوت في 24 تشرين الاول (اكتوبر) الماضي على 14 وزيرا فقط من مجموع 22 وزارة. ثم صوت يوم 18 كانون الاول (ديسمبر) 2018 على ثلاثة وزراء جدد، ولم تحصل مرشحتان على ثقة البرلمان، ولم يجر التصويت على وزارات الداخلية والدفاع والعدل بسبب الخلافات المتزايدة بين الكتل والاحزاب السياسية المتنفذة في الساحة. ووصل مأزق تشكيل الحكومة الى دعوات في البرلمان بالتصويت السري على مرشح وزارة الداخلية فالح الفياض، بدلا من عرضه للتصويت العلني تفاديا من التأثيرات المعاكسة والسلبية في حالة رفض تصويت بعض النواب عليه مخافة اتخاذ مواقف عدائية منهم.

ان تمسك الاطراف الرئيسية الفاعلة في الساحة السياسية بحصصها في كعكة الحكومة الجديدة وفرض شخوصها الموالية لها، قد سلب رئيس الوزراء حريته في الاختيار وكبل يديه في تشكيل الكابينة بطريقة سلسة وشفافة، والتي بدأت تتشكل ب «التقسيط غيرالمريح»، وتغير شعارها، من حكومة خدمات الى حكومة لفك العقد وحل الازمات والمعضلات المزمنة. وهذا ما يتناقض مع اسس ومعايير بناء دولة مؤسسات ورص الصف الوطني والنهوض بالواقع المزري الذي يعيشه المواطن على جميع المستويات ودرء مخاطر التدخلات الاجنبية في الشأن العراقي.

لا يمكن التكهن بما ستقدمه الحكومة الجديدة للشعب «بكشكولها» وتشكيلتها المبنية على المحاصصات الطائفية، اذا حرص وزرائها على الايفاء بالتزاماتهم ووعودهم لكتلهم واحزابهم السياسية اولا، لا الاهتمام بتقديم ما يحتاجه المواطن من خدمات ضرورية على مختلف الصعد. فقد طفح الكيل وعبر الشعب عن امتعاضه من الواقع المرير الذي يعيشه من خلال سلسلة من الاحتجاجات الشعبية انطلقت منذ اعوام وجابت التظاهرات بغداد والبصرة وغيرهما من المدن العراقية.

ان العراق بحاجة الى دولة متماسكة، بعد ان اضعف الفساد المستشري في جسد الدولة والمحاصصة الطائفية نسيج المجتمع العراقي وحال دون تماسكه حتى بحدوده الدنيا. وان تداعيات تشكيل الحكومة والتصدي للتحديات التي تواجه البلاد والتعايش السلمي وسيادة القانون وتعزيز النمو الاقتصادي والنظام القضائي والاهتمام بالتعليم ونشر الوعي المجتمعي الوطني والحكم الرشيد يحتاج الى العمل الجاد لجهة الاستقرار والتنمية والاعمار الشامل، خاصة في المدن التي خربتها الحرب ضد داعش والتي تقدر تكاليفها ب 100 مليار دولار.

من الاهمية بمكان ان يعمل رئيس الوزراء على الاسراع في استكمال الكابينة الوزارية والحد من تأثير الدولة العميقة باتجاه لجم الفساد والمجاميع التي تعمل في الظل بعيدا عن المساءلة وتجفيف مصادر الارهاب الذي خلفه تنظيم داعش الارهابي، الذي سيطر على ثلث مساحة العراق واشعل حربا امتدت لثلاث سنوات، بعد ان اعلن ابو بكر البغدادي في 29 يونيو 2014 عن اقامة الدولة الاسلامية.

فهل كان عادل عبد المهدي محقا عندما اعلن، قبل موافقته على تشكيل الحكومة، عن عدم رغبته في تسنم رئاسة الوزراء مؤكدا اعتذاره عن المنافسة مع غيره لتبوأ المنصب، لتقديره بانه سيفقده سريعا بافتراض حصوله عليه، معللا ذلك في انه سيواجه باغلبيات «لن تسمح بمجموعها توفير الدعم اللازم لاحقا»؟

اذا تم التماطل في تشكيل الحكومة ازيد من الفترة الزمنية الماضية، فلن يحصد الشعب غير الخراب وستتفاقم المشاكل الداخلية وتزداد الصراعات التي لا تحمد عقباها. ولن يبقى امام السيد عادل عبد المهدي سوى ان ينفذ ما قاله سابقا: «شكرا، الشروط غير متوافرة”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here