حوار مع الأستاذ ضياء الشكرجي .. حو ل الله الأب الرمزي

خضير طاهر

ربطتني علاقة تساؤلات وحوارات مع الأستاذ ضياء الشكرجي ، وبما انه سبقني بفترة طويلة في تحولاته نحو اللادينية فقد كنت بحاجة الى تجربته الفكرية لمساعدتي للمضي في مسار التحول والتخلي عن الإعتقاد بالاديانوالنظر اليها على انها مجرد صناعة بشرية ، وفيما بعد أصبحت أرى الاديان على انها مجرد أعراض لأمراض عقلية .. حيث ان ظاهرتي الوحي والنبوة هما من نتاج مرض فصام العقل الشيزوفرينيا ،فما يسمى بالانبياء كانوا يعانون من هلاوس بصرية وسمعية ويتوهمون بوجود قوى غيبية تخاطبهم من خلف شجرة مثلما حصل مع النبي موسى أو يحل الرب فيه حسبما حدث مع النبي عيسى ، او رؤية شبح وسماع صوته يأمره بتلاوة كلمات القرآن بالنسبة للنبي محمد .. وجميعا هذه الحالاتمن منظور الطب النفسي عبارة إضطرابات عقلية ينتج عنها أوهام وهلاوس سمعية وبصرية مع إحتقاظ المريض بذكائه لكن دون التعرف على مرضه.

الأستاذ الشكرجي بحكم خلفيته كمهندس وتكوينه الفكري .. لايزال يفكر في الدين والله بشكل عقلي منطقي ولديه مشروع فكري أحد مرتكزاته الدعوة الى (( تنزيه الله )) علما هو يشير نسبية طروحاته ولايمنحها صفة المطلقات.

بينما أنا حينما حصل التحول الفكري -الديني في حياتي وجدت نفسي ينهار يقيني بالعقل و الجدوى والمعنى وصولا الى الشك وتتبع جذور الأفكار والقيم وتطورها داخل محيطها الأرضي بعيدا عن السماء .

أنقل هنا إحد الحوارات مع الأستاذ الشكرجي

———————————————-

الأستاذ ضياء الشكرجي المحترم

تحية طيبة :

أفكر دائما بموضوع تنزيه الله .. وأجده بقايا لرغبة وجود الأب الكامل الرمزي في حياتنا حسب مقولات التحليل النفسي …

كما تعلم حضرتك ننظر الى تنزيه الله بمنظور عقلي بشري .. بينما الرب غير ملزم بأن يتطابق مع معايير العقل ، مثلا : مفاهيم الجدوى والمعنى والدقة والنظام والعدالة … نحن من سجن الرب داخلها ونسبناها اليه …

بينما الفوضى وغياب المعنى والشر هي جزء أصيل من خلق الكون على سبيل المثال : خلق الحشرات ووجود هذا الكم الهائل من الكواكب والمجرات الفارغة .الزلازل والفيضانات وسوء الطبيعة . هي بلا معنى … بينما العقلالبشري يحاول تنزيه الله بأنها وجدت لضرورات الطبيعة ولأسباب لانعرفها ..

لو أبعدنا الحاجة النفسية لوجود الرب /الأب الكامل … سنجد ان الرب غير معني بمفاهيمنا البشرية حتى تقديسه ومحبته من قال يريد منا الحب والقداسة غير مقولات العقل البشري فقط ..

طبعا أنا أتكلم في حالة الإيمان بوجود خالق للكون.

خضير طاهر

____________

عزيزي الأستاذ خضير

تحياتي ومحبتي واحترامي.

شكرا لهذه الإثارة مرة أخرى. قبل أن أجيبك على تساؤلاتك المهمة، دعني أنقل إليك ما كتبته في 10/07 ونشرته على الحوار المتمدن في 15/07/2018 بعنوان «أولوية نفي الدينعلى إثبات وجود الله»، أدناه:

أولوية نفي الدين على إثبات وجود الله

بعد نشر مقدمة كتابي الأول «الله من أسر الدين إلى فضاءات العقل»، ثم التمهيد الفكري لنفي الدين، رأيت أن أبين للقارئة والقارئ الكريمين كون نفي الدين، بمعنى نفي صدوره عن الله، يتقدم عندي على إثبات وجودالله، وأبين سبب أولوية الأول على الثاني.

من حيث المبدأ يفترض أن يتخذ كل من طرفي عقيدتي الإلهية اللادينية، أي الإلهية من جهة، واللادينية من جهة أخرى، نفس الاهتمام عندي في بحوثي. لكن الذي يهمني أكثر من إثبات وجود الله هو نفي الدين. السبب إنعدم الإيمان بالله لا يضر المجتمع الإنساني، إلا إذا تحولت العقيدة اللاإلهية (الإلحاد) إلى ما يشبه الدين في دعوى احتكار الحقيقة، ورفض كل ما سواها، لا على المستوى الفكري، بل أيضا على مستوى السلوك والتعاطي مع الآخر المختلف على نحو متطرف. وإضافة إلى قناعتي بعدمضرر عدم الإيمان بالله، أي الإلحاد، ولا ضرر اللاأدرية، فبعقيدتي كمؤمن لاديني بالله، وفي ضوء لاهوت التنزيه الذي أعتمده، إن الله نفسه، مع فرض صحة عقيدتي بوجوده، غير مهتم بقضية الإيمان به، ولا يضع مفردة الإيمان، وفي مقابلها اللاإيمان، في ميزان جزائه في ثمة حياةأخرى بعد هذه الحياة، لا نعرف طبيعتها، ولا سبيل لنا لمعرفة ذلك.

تاريخ البشرية وحاضرها ينبئانا بمدى ما عانت البشرية من الأديان، من احتراب وقتل واضطهاد، من سلب للحريات، من انتهاك لحقوق المرأة وحقوق الآخر المغاير في العقيدة، من تعطيل للعقل، وموقف مناوئ للعلم والفنوالحب والجمال والسلام. بهذا لا ننفي أن من أتباع الأديان من هم مسالمون طيبون منفتحون على الآخر، ولذا فهموا دينهم في ضوء نزعتهم الإنسانية والعقلانية، ولكن في الأعم الأغلب كان ضرر الدين هو الغالب، ولذا قلت تحويرا لإحدى آيات القرآن: «يَسألونَكَ عَنِ الدّين، قلفيه منافعُ للناسِ وإثمٌ كبير، وإثمُهُ أكبرُ مِن نفعِه».

ثم إني وجدتني قد وصلت إلى القطع واليقين بأدلة عقلية لا ريب فيها عندي، بامتناع صدور الأديان عن الله، بينما إيماني بالله فهو بنسبة 95% إيمان عقلي، وبنسبة 4% إيمان روحي، أو كما يسميه البعضوجداني، أو قلبي، وبنسبة 1% أعتمداللاأدرية، مما يعني أني ملحد بنسبة 0,5%. طبعا هذه النسب قد لا تكون دقيقة، ولكنه تعبير تقريبي عما أنا عليه من عقيدة.

والأمر الآخر، وهو إقرار مني، وجدت كل حجج المدافعين عن الدين، عن الإسلام بشكل خاص، وعن عموم الدين، هي حجج مردودة بأدلة عقلية بِرَدٍّ وجدته في غاية البساطة والوضوح. بينما بقيت هناك أسئلة مفتوحة لم أجدنيقادرا على إعطاء إجابات نهائية مقنعة لما يطرحه الملحدون واللاأدريون.

لكل ما مر جعلت الأولوية لنفي الدين على إثبات الله.

10/07/2018

والآن مع تساؤلاتك وإشكالاتك:

1- «أفكر دائما بموضوع تنزيه الله، وأجده بقايالرغبة وجود الأب الكامل الرمزي في حياتنا حسب مقولات التحليل النفسي»:

جوابي: دعني أذهب معك إلى التسليم بأن الله غير منزه. فأقول دون مناقشة ذلك فلسفيا وأدلة عقلية كما أراها، أصبت، أو أخطأت، إذا كان الخالق ليس عادلا، لما ذكرتَه والكثير غيره، وإذا ليس قديرا كل القدرة، ولامتقنا تمام الإتقان، لما في الكون من أمور تفتقد إلى مزيد من الدقة، وإذا كان ليس حكيما، إذ خلق أشياء بلا جدوى وبلا فائدة، فهو بلا شك غير جدير بالعبادة، فسواء آمنا به ونزهناه بحب ما أطرحه، أو آمنا به ولم ننزهه، أو لم نؤمن به، أو كنا لاأدريين، فالدين في كل هذهالأحوال منتفٍ، وهذا هو المهم عندي.

2- «ننظر الى تنزيه بمنظور عقلي بشري، بينماالرب غير ملزم بأن يتطابق مع معايير العقل، مثلا: مفاهيم الجدوى والمعنى والدقة والنظام والعدالة، نحن من سجن الرب داخلها ونسبناها اليه.»

جوابي: القيم العليا التي يؤمن بها الإنسان، سواء كان الذي خلقه هو الله أو الطبيعة، أو كائن لا نعرف ماهيته، هي قيم ومثل صحيحة وثابتة، كالعدل والحكمة والسلام والصدق وإلى غير ذلك. ولندع موضوع الخالق، حتىلو انتقلنا إلى كوكب آخر، أو وجد كوكب آخر بحياة عاقلة متطورة، ولن نصل إليه، فالمثل تبقى هي نفسها. بل أجرى علماء تجارب على بعض الحيوانات، فرأوا إن بعضها يميز بين العدل والظلم، ومع تكرار التجارب يبدأ يميز بين الصدق والكذب، وغيرها. فهل من المعقول إذا سلمنا بوجودخالق، إذن هو الذي أودع فينا قابلية التعرف على هذه المثل، ألا يتحلى هو بها؟ فالقاعدة تقول فاقد الشيء لا يعطيه.

3- «لو أبعدنا الحاجة النفسية لوجود الرب /الأبالكامل، سنجد إن الرب غير معنی بمفاهيمنا البشرية».

جوابي: هو ذات الجواب أعلاه.

«حتى تقديسه ومحبته، من قال يريد منا الحب والقداسة غير مقولات العقل البشري فقط».

جوابي: حتى لو كان كاملا ومنزها كما أزعم، فهو لا يحتاج إلى تقديس الإنسان له وعبادته، فإذ وجد ثمة جزاء، الذي لا دليل عليه، إذا نفينا صفة العدل، لكن إذا قلنا بالجزاء في ضوء الاعتقاد بعدله، فهو كما جاءفي تنزيهيتي «لا يثيب لمجرد إيمانه أحدا من المؤمنين، ولا يعذب لكفره أحدا من الكافرين، إنما بإحسانه يثيب المحسنين، آمنوا به أو لم يكونوا مؤمنين، ويجزي بعدله المسيئين، كفروا به أو كانوا من المؤمنين».

أرجع وأقول لأن الأولوية عندي هو نفي الدين، فالملحد واللاأدري والمؤمن غير المنزه غير معنيين بما أطرحه، لأنهم أساسا لادينيون، إنما أريد أن أثبت للمؤمنين به من الدينيين، أن الدين ليس إلا كذبة أو وهما.

تحياتي ومودتي واحترام.

ضياء

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here