عمو بابا ملحمة اخرى من ملاحم وادي الرافدين تضاف الى ملحمة كلكامش

هناك شخصيات إحتلت حيزا في الذاكرة الجمعية العراقية فأصبحت رموزا سواء كانت سياسية أو فنية أو إجتماعية أو رياضية , و”عمو بابا” واحد من هذه الرموز التي إكتسبت شعبية كبيرة لدى العراقيين صغارا وكبارا على مدى عدة عقود حيث أدخل البهجة الى قلوب الملايين لاعبا في الخمسينيات والستينيات ومدربا في السبعينيات والثمانينيات ، عمو بابا هذا هذا الاسم الناصع و النظيف كإنتماءه لعراقيته ، هو شيخ المدربين حينما كان ملكا على عرش الكرة العراقية، وهو الذي ارتبطت باسمه العديد من الإنجازات الكروية عندما عمل مدربا للمنتخب الوطني، و وهو الذي كان وراء اكتشاف ألمع نجوم الكرة العراقية في عصرها الذهبي، فضلا عن اختياره أفضل مدرب عراقي في القرن العشرين. ـ كانت لهجته العربية الفريدة محببة والكل يسمع اليه بانتباه ، إنه يسترسل بكلامه بتلقائية وعفوية ، فليس في قاموسه كلمات المقدمة والمجاملة الفارغة. عمو بابا هو الرمز الوحيد الذي احبه الجميع ، أبناء الأديان العراقية والقوميات العراقية والمدن العراقية من الكبار والصغار ، اسم عمو بابا كان شمساً دافئة في شتاء عراقي دائم على مدى عقود ، فكانت تلك الشمس محل توافق ووئام فالجميع يتدثرون بدفئ العراقي الأصيل عمو بابا . عمو بابا واسمه الحقيقي الكامل اسمه الكامل عمانويل بابا داوود وعمانويل كلمة آرامية تعني «الله معنا»، ولد عمو بابا في بغداد يوم 27 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1934 وترعرع في مدينة الحبانية (98 كيلومترا غرب بغداد)، بدا حياته الرياضية بعيدا عن كرة القدم فكان بطل العراق في 400 موانع (ألعاب قوى) ، وبطل الرصافة بكرة المضرب. حتى بدأ يمارس معشوقته الأولى كرة القدم ، و كانت امه هي الوحيدة التي تشجعه عليها إلى ان اصبح من احسن لاعبي الكرة في الحبانية. ولم يكن عمو بابا شاطراً في المدرسة حيث كات يختلق الحجج للذهاب للتدريب فسببت له كرة القدم مشاكل كثيرة حتى كان يعاقب بسببها لعدم التزامه في المدرسة لكن الاساتذة كانوا يحبونه كرياضي نشط ، وظهرت عليه اولى علامات النبوغ اثناء اللعب في مدرسة الحبانية الابتدائية سنة 1948 ومن ثم في فريق الـ«سي. سي» وفي المنتخب المدرسي للواء لدليم. وحينما وطأت اقدام شيخ المدربين العاصمة بغداد مصحوبا بمنتخب تربية الرمادي للمنافسة على بطولة تربية العراق المدرسية كانت تلك النقلة النوعية الاولى في حياته حينما تمكن من لفت الأنظار اليه وخصوصا حينما تسّمرت ابصار الخبير الكروي العراقي في ذلك الوقت الكابتن اسماعيل محمد ليصطحبه معه الى بطولة الدورة العربية التي أُقيمت في مصر عام 1951 , وحينما بهرته بغداد بجمالها انتقل الى الحرس الملكي وتحديدا في العام 1954 ومنه الى منتخب الجيش ليلعب أولى مباريات الدولية امام منتخب الجيش المصري في العام 1955 . تألق في ثاني لقاءاته الخارجية الدولية وذلك حينما رسم علامة الصليب على صدره مرتين بعد ان سجل أول هدف دولي له في مرمى نادي تاج الايراني ليُلحقه بهدفٍ ثانٍ ولتكون هي نتيجة المباراة ، لينتقل بعدها الى الفريق الازرق الجوي عام 1958 ومنه الى نوادي المصلحة والكلية العسكرية والنادي الآثوري ليشكل وزميله يورا (استاذ المراوغة في المتر المربع الواحد) ثنائيا أدار عقول الكثير من المدافعين خلال تلك الفترة. وفي الموسم الرياضي عام 1958 ظهر في صفوف فريق القوة الجوية ولعب كذلك لفرق الكلية العسكرية والمصلحة (مصلحة نقل الركاب) والنادي الآشوري . ومن المفاخر التي سطرها عمو بابا هي تسجيله لأول هدف أولمبي عراقي في المرمى اللبناني بتأريخ 15 من تشرين الثاني عام 1959 وهي المباراة التي جرت ضمن التصفيات المؤهلة لدورة روما عام 1960 وهي المباراة التي انتهت بثلاثية عراقية سجل عمو منها هدفين. وفي عام 1960 تزوج من جوزفين عزيز (ابنة خالته) وله منها ابن واحد سامي وابنتان، منى ومي. أَما عن اشقاؤه فهم اربعة كوركيس ويونان وبنول والبرت. بعد وصول حزب البعث الى السلطة وبداية القبضة الحديدية التي اثرت على مفاصل الحياة واجبرت العديد من العراقيين ومنهم الاشوريون على مغادرة العراق الا القليل ومن بينهم عمو بابا الذي اختار البقاء في بلاده، وفي عام 1964 حين كان عمره 30 عاماً، تم تعينه برتبه (لواء) في القوة الجوية العراقية، ليتم طرده بعد فترة قصيرة من القوة الجوية والنادي، لانه رفض الانضمام الى حزب البعث العراقي لقد كانت هذه خطوة شجاعة منه ان يرفض الانضمام الى الحزب والبقاء حياً ، بعدها قرر حزب البعث العربي الذي تزعم الحكم لفترة قصيرة تجميد كل ارصدة عمو بابا في البنوك وتجريده من جميع املاكه، لقد كان ذلك اكثر قسوة عليه من السجن ، في عام 1970 اعتزل عمو بابا كرة القدم وعمره 36 عاماً، عمل شيخ المدربين “عمو بابا “على ادارة المدرسة الكروية التابعة للإتحاد العراقي لكرة القدم ويعتبر عمو بابا هو مؤسسها ، في هذه المدرسة التي يتم تهيئة و إعداد اللاعبين من عمر 8-14 سنة لنقلهم إلى منتخبات الاتحاد كناشئين وشباب ، قام بضخ 60 لاعب للمنتخبات ، وهو يعتبرهم كأولاده لانهم ينادوه بإسم بابا، في حين لم يسمع أولاده ينادونه بهذه الكلمة والتي يحن اليها بعد تركهم له وهجرتهم الى بلاد المهجر. ومن انجازاته الخارجية : قاد المنتخب العراقي في 123 مباراة دولية وودية، وحقق العديد من الانجازات ، منها ألحصول على الميدالية الذهبية في دورة الالعاب الاسيوية في الهند 1982
لقب بطولة الخليج 3 مرات ، صاحب أول هدف دولي لمنتخب العراق في عام 1957 في شباك منتخب
المغرب اثناء بطولة كأس العرب الثانية، إعتزل اللعب مبكرا نتيجة إصابة وتوجه نحو التدريب.
انجازاته في التدريب :
في عام 1966 مع نادي المواصلات العامة في بغداد . قام بتدريب منتخب العراق العسكري لكرة القدم
وقاد الفريق للحصول على كاس العالم العسكري لكرة القدم للاعوام 1972 ، 1977 ، 1978
تسلم مهمة تدريب منتخب العراق لكرة القدم عام 1979 وفاز الفريق في ذلك السنة بكأس الخليج العربي لكرة القدم 1979 ، قاد منتخب بلاده إلى حمل لقب كأس الخليج أعوام 1979 و 1982 و 1984 ، ألوصول إلى نهائيات الألعاب الأولمبية 3 مرات أعوام 80 و 84 و 88
احراز كأس العرب ، و أحراز ذهبية دورة الألعاب الآسيوية . اكبر إنجاز له هو قيادة منتخب العراق
إلى نهائيات كأس العالم لكرة القدم عام 1986 في المكسيك ، أما على الصعيد المحلي فقد كانت انجازاته هي : قاد عمو بابا فريق نادي الطلبة إلى كاس الدوري العراقي عام 1981، قام بتدريب نادي الزوراء عام 1994 ،في اغسطس 2005 اختارت اللجنة الاولمبية ووزارة الرياضة في السويد عمو بابا، سفيرا للرياضة العراقية لدى السويد، تثمينا لتاريخه الزاخر بالانجازات مع المنتخبات العراقية. اشهر لاعبي زمانه وهداف العراق الاول في العقدين الخامس والسادس من القرن العشرين
جال في القارات الخمس وزار معظم دول العالم . وتمت مكافأة عمو بابا على كل مواقفه الوطنية من من خلال استبعاده عن تدريب المنتخب العراقي في اول ( وغالبا اخر ) وصول له للمونديال في 1986 بالمكسيك واستبداله بالبرازيلي كارلوس في قرار من قبل فتى غر نصف مجنون اسمه عدي ميزته الوحيدة انه ابن القائد الرمز !!! ، ورغم ان جهود عمو بابا كانت واحدة من اسباب الوصول للمونديال وثبت لاحقا ان استبعاده كانت واحدة من اسباب النتيجة المروعة للفريق هناك ( حل الفريق العراقي بالمرتبة ماقبل الاخيرة ) ، المهم انهم حرموا الرجل من انجاز العمر وتحقيق حلم لطالما راوده من خلال نصف قرن من الحياة الرياضية لاعبا ومدربا. تدهورت حالته لدرجة كبيرة في مايو 2006 واضطر الأطباء لبتر أصابع قدميه متأثرا من تفاقم مرض السكري حيث اجريت له عدت عمليات,وقرر الاطباء إدخاله المستشفى بشكل دائم للسيطرة على استقرار السكري في جسمه وارتفاع ضغط الدم بالاضافة لمعالجة عينه اليمنى والحفاظ على البصر الباقي فيها بينما عينه اليسرى فقدها بشكل كبير ولا تتعدى الرؤية بها اكثر من 20% وهذا سببه السكري الذي ضرب الشبكية. رحل عنا ” عموبابا” يوم ألأربعاء الموافق 27 / مايس / 2009 في محافظة دهوك. ومن الجميل .. أن نترحم على الراحل عمو بابا ونستذكر أيامه ومساحات الفرح التي منحها للناس ، رحل جسد عمو بابا ولكن انجازاته وتضحياته في مجال الكرة ستبقى الى ابد الابدين في قلوب العراقيين .. رحل وهو مرتاح الضمير لأنه اعطى لوطنه ما يستحقه هذا الوطن من كل عراقي مخلص . سيبقى اسمك على ابواب الوطن تاريخا للمحبة والابداع وستبقى في قلوبنا الى الابد ولن ننسى ابدا ماحققته للعراق من نصر ومجد على الساحة الرياضية العربية والعالمية. رحل اللاعب والانسان وابن العراق الاصيل بعد ان خدم وطنه باخلاص ووفاء ودفع الغالي والنفيس في سبيل العراق وكأن عمو بابا الذي خرج نقياً صافياً من رحم العراق فخدم وطنه لاعباً ومدرباً ومربياً .. لذلك يعتبر عمو بابا ملحمة اخرى من ملاحم وادي الرافدين تضاف الى ملحمة كلكامش.

علي المسعود
المملكة المتحدة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here