فبركة الإعلام السويدي لحفل تأبين صدام حسين في ستوكهولم

إيهاب المقبل

تسابقت وسائل الإعلام السويدية خلال اليومين الماضيين بفبركة خبر إلغاء حفل تأبين للرئيس العراقي الراحل صدام حسين في ستوكهولم. فتارة تقول وسائل الإعلام السويدية ان الحفل ألغي من قبل إدارة المبنى لإنه “يتعارض مع مباديءحقوق الإنسان”، وتارة أخرى تقول ان الحفل ألغي من قبل إدارة المبنى لانه “لا يتوافق مع المباديء الديمقراطية وقواعد الحجز لإشادة الدكتاتور”. والحقيقة عادة لا تؤخذ من وسائل الإعلام، بل من المراكز المختصة.

يقول “أوله أوستيرلينغ” من مركز الإدارة الإقليمية للشرطة: “لقد تابعنا التطوير، وتم إبلاغنا مسبقًا أن هذا الاجتماع سيعقد. ثم تبين أن المُنظم ألغى العقد لسبب ما”. وهذا يعني ببساطة ان المُنظم، وليس إدارة المبنى، هو منألغى الإجتماع/ حفل التأبين لسبب غير معروف. وحديث رجال الشرطة في السويد بمثابة دستور، لانه يدون في سجلاتهم. والسؤال الذي يطرح نفسه، ما هي مصلحة وسائل الإعلام السويدية بفبركة مثل هكذا خبر؟

في البداية لا يوجد وسائل إعلام سويدية مستقلة، فجميع وسائل الإعلام السويدية مقننة نحو هدف واحد، وهو تمجيد الديمقراطية الامريكية. وقد نجحَ كاتب اوبسالا الشهير “يوران بالم” في كتابه “التلقين في السويد” من رسم الصورةالحقيقية لـ”المجتمعات الحُرة”، وذلك بعد أخذ عينات من المجلات والصحف والتلفاز والكتب المدرسية في السويد، يقول الكاتب في كتابه: “لدى كل المجتمعات الإعتقاد الأساسي أو على الأقل عدد من القيم الجوهرية التي يريدها الحُكام من الناس، ولكن يميل الحُكام في كل المجتمعاتلعرض تلقينهم الخاص كمجرد وسيلة تدريس واحيانًا بحجة التعليم المحايد، في حين يحدث التلقين في بلدان اخرى كدعاية”.

هدف التلقين نحو الديمقراطية ليس جديد، وانما تسير عليه السويد منذ عام ١٩٤٣، أي بعد فك تحالفها مع الزعيم القومي ادولف هتلر جراء الضعف الذي اصابه في ذلك العام، وتحالفها مع أعدائه الامريكيين بدلًا منه. وتتعدد وتتنوعطرق العبث بالحقائق والأحداث في وسائل الإعلام السويدية لتحقيق هدف التلقين، ولكن ساحاول إختصارها في ثلاثة نقاط:

١) إظهار واخفاء المعلومات: يعني إظهار ما هو في مصلحة السياسة المحلية، وإخفاء ما يخالفها. مثلًا، في عام ١٩٩١، هاجمَ مجموعة من المتظاهرين الاكراد العراقيين مبنى السفارة العراقية في ستوكهولم، فرد ضابط امن عراقي عليهمباطلاق الرصاص في الهواء لتفريق المهاجمين من دون وقوع اي اصابات بينهم، فتناقلت الخبر انذاك غالبية وسائل الاعلام السويدية ووجهت اللوم على السفارة العراقية، بينما في عام ١٩٩٩ هاجمَ مجموعة من المتظاهرين الاكراد الاتراك مبنى القنصلية الإسرائيلية في برلين، فردَعليهم الامن الإسرائيلي بالرصاص، مما ادى إلى مقتل أربعة متظاهرين عمدًا، فلم يحضى هذا الخبر باهتمام يُذكر في وسائل الإعلام السويدية. السبب ان العراق بنظرهم دولة ديكتاتورية، بينما إسرائيل بنظرهم دولة ديمقراطية.

٢) التضليل المباشر: يعني تقديم معلومات مُركبة للجمهور بطريقة مباشرة كجزء من حملة تضليل ضد بلد معين أو دين أو حركة. ولعل ابرز ما تناقلته وسائل الإعلام السويدية خلال فترة الحصار الدولي على العراق في تسعينيات القرنالماضي مزاعم الدبلوماسي السويدي “رولف ايكيوس” بإمتلاك العراق أسلحة دمار شامل، والتي أعطت امريكا الشمالية الضوء الأخضر لغزو البلاد عام ٢٠٠٣، ليتبين لاحقًا كذب مزاعم ايكيوس، بجانب زيف وسائل الإعلام السويدية التي روجت لمثل هذه المزاعم من دون إثبات. ومثال آخر،تحتل معاداة الإسلام جزءًا رئيسيًا من عملية التلقين هذه، لان الديمقراطية بنظرهم نابعة من القيم المسيحية، أي الصليبية، اذ يقول الإستاذ الصحفي هاكان هفيتفيلت عام ٢٠٠١ لقناة أس في تي: “إن صورة الإسلام بشكل عام سلبية للغاية في وسائل الإعلام السويدية”.

٣) التضليل غير المباشر: يعني تقديم معلومات مُركبة للجمهور بطريقة غير مباشرة كجزء من حملة تضليل مُفتعلة. ولعل ابرز ما تناقلته وسائل الإعلام السويدية لمدة سنة كاملة قبل غزو العراق، هو تصوير امريكا ضمنيًا بانها “المسيحالمُخلص” من “ديكتاتورية صدام”، في حين كانت الحرب صليبية بإمتياز لتدمير البنى التحتية لبلد مُسلم. وضمن فضاء التضليل غير المباشر يقع أيضًا مصلحة الإعلام السويدي بفبركة خبر حفل تأبين الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في ستوكهولم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here