ابونؤاس وقصائده !

* د. رضا العطار .

.

كان ابونؤاس حسن الوجه, يلبس العمامة والقلنسوة, وكان حاضر النكتة, سريع البديهة, حسن المعشر مداعبا. كان له حس دقيق وذوق مرهف, يعرف عن طريقهما كيف يختار ارق الألفاظ وارشقهاواخفها في النطق واحلاها في السمع, وكان يدنو في ذلك حتى يمس شغاف القلوب اذ كان يحسن اختيار اسهل المفردات وايسرها واقربها الى ما يجري على السنة الناس في حياتهم اليومية. والى جانب ذلك كله كان ذو دهاء وهاج, جوادا سخيا, ينفق المال بلا حساب على ملذاته مثلما كانكريما على ندمائه وعازفي الات طربه.

وفي القصيدة التالية يصف الشاعر مشاعره بخصوص فصل الربيع ومظاهره الجميلةفي بغداد و ضواحيها المزينة بخضر البساتين وحقول الورد والازاهير وكذلك حنينه الى ايام الصبا والشباب، قوله :

سقى الله ظبيا مبدي الغنج في الخط * * يميل كغصن البان من رقة الخضر

بعينيه سحر ظاهر في جفونه * * وفي نشره طيب كتفاحة العطر

هو البدر الاان فيه ملاحة * * بتفتير لحظِ ليس للشمس والبدر

ويضحك عن ثغر مليح كأنه * * شعاع خمر او نقيّ من الدرّ

جفاني بلا جرم اليه ارتكبته * * وخلّفني نضوا خليا من الصبر

ولو بات والهجران يصدع قلبه * * لجاد بوصل دائم آخر الدهر

مخافة ان يبلى بهجر وفرقة * * فيلقي من الهجران جمرا على جمر

سقى الله اياما ولا هجر بيننا * * وعود الصبا يهتزّ بالورق النضر

يباكرنا العيد في غلس الدجى * * بنور على الاغصان كالأجم الزهر

يلوح كأعلام المطارف وشيهُ * * من الصفر فوق البيض والخضر والحمر

اذا قابلته الريح أومأ برأسه * * الى الشراب ان سروا ومال الى الحصر

ومسمعة جاءت بأخرس ناطق * * بغير لسان ظلّ ينطق بالسحر

لتبدي سر العاشقين بصوته * * كما تنطق الاقلامُ تجهر بالسر

ترى فخذ الألواح فيها كأنها * * الى قدم نيطت تضج الى الزّمر

أصابعها مخضوبة وهي خمسة * * تختمن بالأوتار في العسر واليسر

اذا لحقت يوما لوي اصبع لها * * فتحكي أنين الصبّ من حرقة الهجر

تقول وقد دبت عقار كأنما * * دم ودموع فوق خدّ اذا تجري

سلام على شخص اذا ما ذكرته * * حذرتُ من الواشين ان يهتكوا سري

فبعض الندامى سفي سرور وغبطة * * وبعض الندامى للمدامة في اسر

وبعض بكى بعضا ففاضت دموعه * * على الخد كالمرجان سال الى البحر

فساعدتهم علما بما يورث الهوى * * وان جنون الحب يولع بالحُرّ

فسقيا لأيام مضت وهي غضّة * * ألا ليتها عادت ودامت الى الحشر

* مقتبس من ديوان ابي نؤاس لعمر فاروق الطباع دار الارقم للنشر بيروت 1998

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here