القرآن واللطميات وأخلاق السواقين!

علاء كرم الله
من بعد 2003 وما حدث من تغيرات ومتغيرات كثيرة، لم يعد أمتلاك السيارة في العراق ضربا من الرفاهية والغنى والترف الحقيقي الأصيل، كما انها لم تعد تعطي لراكبها شيئا من الهيبة والكشخة!، كما في أيام الخمسينات والستينات والسبعينات وحتى الثمانينات من القرن الماضي، بعد ان أمتلك السيارة( شعيط ومعيط والكرعة وأم الشعر ركبن السيارات)!ولتأكيد ما نقول أذكر هنا ( ان عدد من كانوا لديهم سيارات خاصة عندما كنا طلاب في كلية الأداب في بداية السبعينات من القرن الماضي لا يتجاوزون الست او السبع أشخاص! منهم بن المرحوم شاذل طاقة وزير خارجية العراق السابق).وبنفس الوقت وبسبب الظروف غير الطبيعية والفوضى التي يعيشها العراق منذ اكثر من 15 عام، فقدت السيارة اهميتها وضرورتها لقضاء المشاوير العائلية المستعجلة والمهمة، وبصراحة وقد يتفق معي الكثيرين، أصبح وجودها من عدمه الشيء نفسه!، بل أن عدم أمتلاك السيارة في آحايين كثيرة يريح بالك ويقيك دوخة الراس والمشاكل!، في بلد أصبحت الفوضى واللاقانون والفساد العنوان الأبرز لأسمه وسمعته بين الأمم!!. فماذا تعني السيارة في عاصمة وصل عدد سياراتها الى أربع مليون سيارة! وأزداد سكان عاصمتها الى أكثر من الضعفين (يبلغ عدد سكان العاصمة بغداد الى قرابة 8 مليون)!، كل ذلك وبنفس الشوارع القديمة المليئة بالتخسفات والأنكسارات والمطبات ونفس الجسورونفس الجزرات الوسطية، ناهيك عن المشكلة الأكبر هو(بارك للسيارات)، حيث الحيرة في أين توقف السيارة؟ فأنك تفكر (ببارك) للسيارة قبل المكان الذي تقصده! بسبب قلة وجود (الباركات) ووجودها الفوضوي وغير المدروس أن وجد، حيث تضطر في كثير من الأحيان الى أن توقف سيارتك بمسافة تزيد عن 200 أو 300 متر! عن المكان الذي قصدته (مول، مطعم، متنزه، كازينو،مستشفى ، طبيب). لذا يرتأي الكثير من العراقيين ومنهم كاتب السطور أن يقضي مشاويره بسيارات الأجرة والتاكسيات أوسيارة الكيا المخصصة لخطوط النقل بين المناطق، بعيدا عن دوخة الراس!، وما أكثرها في بغداد بل وفي عموم المحافظات، بعد أن أصبحت مهنة السياقة مهنة الذي لا مهنة له!، بسبب غول البطالة الذي أبتلع نسبة 60% من العراقيين!.ولو أن أرتياد سيارات (الكيا) للتنقل وقضاء المشاوير لا يخلو من مشاكل ومضايقات وأزعاجات، لا سيما وأنك تركب مع كل شرائح المجتمع العراقي، وبكل ملله ونحله وبكل ما يحمل من تناقضات، حتى أنني أحس في آحايين كثيرة بالغربة عن هذا المجتمع لصعوبة التعايش معه!!. وهذه رحلتي مع مشوار قضيته في سيارة (كيا). الساعة السابعة ألا ربعا صباحا الخط هو البياع باب المعظم، الكراج كالعادة مزدحم لكثرة الخطوط وكثرة الناس، ركبنا سيارة الكيا قاصدين أعمالنا من طلاب وموظفين وكسبة وغيرهم، وما أن تحركت السيارة حتى بدأ صوت القرأن الكريم يصدح من المسجل بصوت عال وسط كل فوضى وضوضاء الكراج ثم الشارع وهورنات السواقين وزعيقهم وتعليقاتهم ومزاحهم الثقيل غي المؤدب وشتائم بعضهم على بعض غير أبهين بجرح وجدان الناس وأحترام مشاعرهم ، وبكل ما تطلقه ألسنتهم من بذاءة الكلام، ومعروفة للجميع أخلاقية الكثير من السواقين!. مع الأسف في عراق اليوم لم يعد الأستهتار عيبا بل أصبح قوة ومهابة للشخص فالعيب اليوم أصبح من ذكريات الماضي الجميل!. وما أن وصلنا الى منطقة علاوي الحلة المعروفة بزحامها الشديد وعقدها المرورية وأذا بالسائق يبدل كاسيت القرآن بكاسيت من القراءة الحسينية (اللطمية) ولا أدري ما مناسبة ذلك؟. أجواء كاسيت القرآن واللطمية زادت من حالة الكآبة والحزن التي يعيشها أصلا المواطن العراقي، بسبب الظروف والأزمات والمشاكل التي تحيط به والخوف المسكون فيه منذ عقود! فترى الوجوه مكفهرة بائسة قلقة لا أمل لديها في حياة أفضل لا في يومها ولا في غدها. ساد الوجوم والضجر جميع الركاب وكأننا شعرنا بأننا ذاهبين لحضور مآتم أو عائدين من دفنة ميت!. أنتبهت الى السائق الذي كان يقود هذه الحملة الأيمانية من القرآن الى اللطميات!، فمثلما لم أرى في وجهه سحنة من الأيمان والخير، فانه أفتقد الى أبسط درجة من الأخلاق والأدب!، حيث كان يتلفت يمنة ويسرة ولا تفوته شاردة ولا واردة ألا وعلق عليها بكلام غير مؤدب وممجوج وخاصة أذا صادف عبور فتاة! من أمام السيارة مشركا معه في التعليق سائق آخر عند التوقف في الأزدحامات كل ذلك يجري والمسجل لا زال ينعر بصوت عال حتى أن السائق لا يسمع صوت من يطلب النزول ألا بعد الألحاح والتكرار لأكثر من مرتين أو ثلاث!.أقول نحن لسنا ضد سماع القرآن وحتى القراءات الحسينية المؤلمة، ولكن هل نحن مجبرون أن نسمع ذلك وكأنه فرضا واجبارا علينا من السائق!. يبدوا أن سماع القرآن واللطميات وخاصة عند سواق الكيا وأصحاب التاكسيات وأجبار الراكبين على سماعه!، أصبحت عاده وليست عبادة، وليس لها أية علاقة بالألتزام الديني،وصارت أشبه بتعليقة لدى الكثيرين لمسايرة واقع الحياة العراقية بكل صورها وأشكال النفاق فيها بعد أن لبس الجميع ثوب الدين بكل زيف وخداع !!. أرى أن من يريد سماع القرآن والقراءات الحسينية عليه أن يسمع ذلك في البيت وسط أجواء هادئة نقية صافية فيها شيء من الأيمان الحقيقي والصادق وفيها الكثيرمن الأجر والثواب بنفس الوقت، لكي يعي ويفقه ما يسمع أحتراما للقرآن والقراءات الحسينية أولا ولنفسه ثانيا بعيدا عن أجواء الكذب والرياء أمام الناس. أخيرا أقول كفانا أن نركب هذه الموجة الدينية الكاذبة التي لم نجن منها غير الخراب والدمار والفرقة فأن أساس الدين هو ليس سماع القرآن والقراءات الحسينية واللطميات حسب بل هو الأخلاق، يخاطب الله عز وعلا الرسول العظيم محمد عليه أفضل السلام( وأنك لعلى خلق عظيم)، ويقول الرسول العظيم محمد(ص) ( جئت لكي أتمم مكارم الأخلاق). أخيرا نقول: أن واحدة من أزماتنا الحالية والخطيرة هي أزمة الأخلاق التي يعيشها المجتمع!. ولا يغير الله ما بقوم حتى يغير ما بأنفسهم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here