لماذا تنهار الأوطان…ولربما تسقط …دولة العراق الحالية مثالاً..؟

د.عبد الجبار العبيدي
———————————————–
الأمم والدول والامبراطوريات لا تنهار بمجرد حدوث الهزات الارضية الكبرى او الحروب او السونامي اوغيرها من حوادث الزمن ، بل تنهار بفعل عاملين فقط هما: الظلم الاجتماعي الدائم على شعبها ، وقلة خبرة قادتها في السياسة والادارة ، وخبرتها في تطبيق قوانين البشر…
يقصد بالظلم الاجتماعي هو ظلم الحاكم وأفتقار مؤسسات الدولة للأدارة القانونية ..العصور القديمة وما جرت على شعوبها من دمار سجلته لنا الكتب الدينية وان كانت الاحداث فيها جاءت مبهمة وعلى سبيل العضة والأعتباركما في القصص القرآنية وكتب الديانات القديمة الاخرى،كالعهد القديم والعهد الحديث ..
والسبب المباشر الأخر هو قلة خبرة قادتها على ادارة السياسة فيها مع نفسها – اقصد مع شعبها- ومع الأخرين من الدول..وظنهم ان الدولة لهم دون الاخرين..كماهم الذين يدعون بقادة الوطن اليوم.
قبل ان يبدأ القادة بمعرفة اسباب قيادة الدولة ان يفهموا ان لا تفاوت بين أجناس البشر في الدولة الواحدة..فلا دين يفرقهم ،ولا مذهبية تباعدهم ،ولا قبلية تنابذهم ..لأنهم اصلا من خالق واحد هو الله والوطن لهم جميعاً دون تفريق..وهو لم يفرق بينهم في نص واحد ،بل وحدهم بالعدل والحق المطلق دون تفريق..فان اعتقدوا ذلك فأن دولتهم ستقوم على اساس متين لكونهم شعروا منذ البداية بخلق متين وصدق وصفاء نية وبعد عن الخداع بين المواطنين..وهنا يكمن سر النجاح..والعكس هو الصحيح..
النجاح لا يأتي بالغلبة مطلقا ، فمعظم من ادعوا القوة انتهوا الى نهاية مأساوية قديما وحديثا ..الأمبراطوريات القديمة ،والدول الحديثة كما في المانيا بعد الحرب الأولى والثانية لوجود المستبدين ..ودولة العراق في العهد السابق..بقيادتها الدكتاتورية التي لم تفهم التاريخ. فالأنسان بعقله يتصرف ،وبهذا العقل يستطيع التغلب على الظروف غير المواتية بدلا من الرضوخ لها،وتركها تشكله كيف شاءت..وبالعقل تنظم القوانين الحافظة للحقوق، وبممارسته لها تهديه للحق والعدل الذي به يخضع المجتمع له طواعية دون أضطرار للقوة..
فالقيادة الأغريقية القديمة قامت على الأراء الواقعية.. وان كانت أفتراضية في بدايتها فقبلها المنطق العقلي وان تناقضت احيانا مع الواقع المعاش ..لكن على اساس هذا المنطق الأول اخذت التسلسل المنطقي الواقعي الذي تجسد في تجاربهم الأولية في الزراعة والصناعة البدائية ..لكن الاهم أنهم وظفوا هذا الفكرفيما بعد في تجاربهم المستقبلية فوصلوا الى حكم الدولة التي طغى عليها الفكر الفلسفي الصحيح ،وهوان العمل لا يقوم الا بالجهد من اجل الأمة الأغريقية..
دولة المدينة الاولى عند المسلمين حاولت ان تطبق نظرية النص القرآني: “هذه أمتكم امة واحدة وانا ربكم فأعبدون”..لكن عوامل البيئة والتشتت القبلي قبل الاسلام حال دون تطبيق النظرية..هذه الحالة كانت غير موجودة عند الاغريق. فالدولة والحضارة والقانون لا يقتصر على امة دون غيرها.. لكن المهمة تقتصر في التطبيق بين امة واخرى..
يبدو ان من جاء لحكم الوطن بعد 2003 كان عقله خاليا من التفهم لواقع التغيير التاريخي للوطن..فاتجه نحو الكسب المادي له وللاخرين من جماعته ضاربا بعرض الحائط الدولة ومستقبلها والمواطن وحياته بعد ان ضرب بعرض الحائط أيضاً المبادىء التي اعلنها قبل التغيير..فأصطدم بطريق مسدود فتوقف في هذا الزمن الصعب .. وقد يطول التوقف ، ولربما لا يطول حين تعي الجماهير حقوقها وتعرف مغتصبيها فتعمل على اسقاطهم كما في الثورة الفرنسية عام 1789 للميلاد .
يقول الفيلسوف البريطاني أرنولد توينبي: حتى تهزم نظرية السقوط عليك ان تحاول مرات ومرات الصعود الى الجبل من سفحة وان جابهتك الصعوبات ..فاكيد سينتهي الامر بالنصاب الأيجابي لعملية التقدم الحضاري والمجتمعي فتتغلب على الصعوبات..فان احسن طريقة للتغلب عليها أختراقها…
لقد خرج المؤرخون الغربيون بهذه النتيجة الايجابية بعد جهد وعناء..في حين نحن معاشر المسلمين ان هذالاساس موجود عندنا حين نبهنا القرآن الى هذا الاصل الواحد والحقوق الواحدة..لكننا مع الاسف لم نستطع التغلب على الاصل في الفرقة والتفريق،فنشأت الامة بتفاضل الأجناس وأختصاص بعضها دون الأخر ..فتجسدت الفرقة فينا قبليا وعشائرياً بعد ان نسينا ما فرضه الواقع التاريخي علينا ..فاصبحت عملية نزعها من الفكر اشبه بمستحيلة بعد ان ساعدت الظروف على ترسيخها..فضعفت القدرة لدينا في التحقيق.
وهكذا توقف التقدم بسبب سوء النظام الأداري والمالي بعد ان تسرب الفساد اليه واصبح عقيدة لا يُعاب عليها..لذا فنظامنا السياسي الجامد الحالي – رغم امكانياته المادية الكبيرة- قد أوقف التقدم الحضاري في الدولة..ثم المعنوي بعذ ذلك،لان النظام تحول الى أداء لجمع المال دون تقديم خدمات مقابل المال المجموع يرافقه فساد لم يعرف من قبل..وتوقف عنصري المراقبة والمحاسبة ..لذا سارويسير الخط الحضاري في الدولة الى الانحدار ولربما الى السقوط قريباً..وهذا مانتمناه …ان لم يعي حقيقة التاريخ..
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here