العودة الى الجنة (قصة من الادب البرازيلي )

ترجمة : فدوى هاشم كاطع (ترجمة) – البصرة
بقلم : بيا ماخادو Bia Machado

دخل الى البناية التي تآكل هيكلها بفعل الزمن والعار مثلما هو حاله تماما . كان طوال الوقت يتخيل تلك الكتب الموجودة داخل البناية دون أن يلمسها أي قراء نهمين . كان يحرص على القراءة كثيراّ قبل حدوث الفاجعة وكان حريصاّ أيضا على القصص التي تنقله إلى أماكن لا يمكن تصورها . لم يستطع أن يفهم ما شعر به تلك اللحظة , حزن وارتياح معاّ والقليل من الشعور بالفرح ممزوجاّ بالضجر . لم يكن قد شاهد انساناّ في الاّونة الاخيرة ولكن ما لايمكن انكاره انه كان يخفي نفسه عن بقية العالم . كما تزايد كثيراّ إحساسه بأنه الرجل الوحيد على وجه الارض وقد اّثر مثل ذلك الشعور لتسيير سائر الأمور . ولو انه كان أكثر صلابة وذهب الى ابعد من ذلك الحد لتمكن من العثور على شخص ما , وهذه حقيقة مسلم بها ولكنه كان متعباّ ومرهقاّ جداّ لاتخاذ موقف مقاوم . نعم ربما يتمكن من العثور على شخص على قيد الحياة وان يكن بائساّ مثله او ربما أكثر . ربما يكون غير المصابين بالعدوى اتعس من الذين يتسكعون حين يسدل الليل ستاره . عرف انهم كانوا يوما ما يمارسون حياتهم العادية ويعملون وكانت لديهم عائلة واحلام وخطط ولكنه لايستطيع ان يفعل شيئاّ في الوقت الحاضر سوى القتال من اجل البقاء .
كم تبقى من الوقت ؟ لم يكن متأكداّ أو انه لم يرغب بمعرفة ذلك. هل يمكن اعتباره حتى الاّن انساناّ متكاملاّ ؟ حتى اولئك اللذين لم يتحولوا كيف لهم ان يقولوا انهم كانوا على قيد الحياة ؟ وكان لديه شعور قوي بأنه قد مات منذ فترة بعيدة منذ ان مات كل اقاربه وأصدقائه خلال الهجمات العديدة التي حدثت منذ فترة . كما ان فقدان القدرة على عد الايام مثل استراتيجية تحول دون بلوغه مرحلة الجنون . مرر اصابعه على الاشواك المغبرة وانتابه شعور مألوف ونوع من الارتياح وكأنه قد ارتمى في احضان العزاء ! تلك الاشواك بدت وكأنها تدعوه وترحب به . كم من الاشياء الثمينه مثل الناس والكتب وانماط الحياة قد فقدت ؟!
لاحظ الرجل بعض الاّثار لأرجل وأيدي تركت اّثارها على الغبار الذي غطى بعض المجلدات تعود لكائنات كان عليها التنقل الان , لقد كانوا في ذلك المكان ومن الممكن ان يعودوا عندما يحل المساء . قرر ان لا يلوذ بالفرار , كان متعباّ ولم يعد يطعم نفسه , مع ذلك كانت نفسه تواقة للقراءة , متجاهلاّ كل ما تبقى , ليس لديه مخاوف ولا شيء يستحوذ على تفكيره . وكان ذلك السبب الذي دفعه للعودة الى ذلك المكان الذي كان مكانه المفضل في صباه حيث كان يقضي فيه ساعات ليبعد نفسه عن المشاكل اليومية . يختار فيه المغامرة التالية ليعيش ولرؤية العالم التالي ولاكتشاف الحضارة التالية .
وبعد رصد الكثير من عناوين الكتب في رف الكتب الخيالية استرعى انتباهه العنوان الاّتي ( عشرون الف فرسخ تحت البحر ) للكاتب فيرن لانه سبق له ان قرأه من قبل .
لم يقترب يوماّ من المحيط ولكنها كانت المغامرة المفضلة لديه . كان يعاني من رهاب السباحة والغوص فقد كان على وشك الغرق مرتين خين حاول ان يتعلم السباحة ولكن كم عدد المرات التي لم يرغب فيها ان يكون مع نيمو و اّرونكس على متن سفينة ناوتيلوس ؟ ما عدد المرات التي قرأ فيها هذه المغامرة ؟ لقد فقد سلسلة الافكار .
جلس على اريكة قديمة ليقرأ القصة مرة اخرى وليشعر بنفسه القديمة لبرهة . المحيط مرة اخرى كصديق أو عالم خيالي تم التخلي عنه لفترة طويلة . لم يشعر بالتعب أو الجوع أو العطش , كل ماكان يتوق اليه ان يعيش تلك القصة مرة اخيرة , وكل ما كان يهمه ان يكون على متن الغواصة مرة اخرى وان يلتم شمل اصدقائه القدامى .
كان بورجيس محقاّ , فأنا في الجنة , وهذا مستقري والاّن ادرك قصد الكاتب عندما قارن هذا المكان بجنة عدن فقد كانت الكتب هي الفاكهة التي منع منها لفترة محددة , وحتى يقرأ اياّ منها لابد ان يثير استغرابه مجدداّ .
مرت الساعات وهو يقرأ ومع حلول الظلام وفدت المخلوقات التي لم تعد تعرف فحوى ذلك الامر , كما انهم لم يفهموا الشخص فاقد الحركة الذي يجلس على الكرسي ذي الذراعين وهو يمسك شيئا غريبا بأحكام فيما ارتسمت ابتسامة على وجهه المخضل بالدموع .
——————————————————————————————-
(1) ولدت الكاتبة البرازيلية بايا ماخادو في مدينة كيوآبا Cuiaba وتنقلت في عدة مدن. تخرجت في الجامعة الفيدرالية في ماتوكروسو دو سول Mato Grosso do Sul وعملت في مجال التدريس في المدارس الثانوية أبتداء من عام 2006، كما بدأت الكتابة في مجالات مختلفة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here