حرية الأرادة والحتمية !

في هذه المقالة الطويلة نوع ما سنترجم بأختصار ونعلق ، على ثلاثة وجهات نظر ، تناول حرية الأرادة والحتمية في السلوك البشري . وهي مأخوذة من كتاب ، مقدمة لفلسفة الحديثة ، فحص للوضع البشري . تحرير ، البيري كاسل ودونالد بارجرت . وتعليقنا سيكون فقط تكميل لما يقوله المحرران ففي بعض المواقف ، عند التوقف على شرح بعض النقاط على رأي الكاتب أو الفيلسوف ، حينما ينتقل لنقطة آخرى في عرض وجهة نظره . وفِي بعض الأحيان يبدو يتداخل رأيهما مع رأي الفيلسوف اللذان يعرضان وجهة نظره . ولكن القرأت الجيدة يمكن تميز ذلك . ومن ثم ، فهما ، يبدأن بهذا المثال ؛

أفترض بأن لديك غداً أمتحان ، وأحد الأصدقاء عرض عليك أن تذهب معه للسينما، لكي تتسلى ، وتهجر الوقت الذي تخصص للدارسة ، لكي تنجح في الأمتحان . وصديقك هذا لم يلح عليك ، أو يهددك ، أو يجبرك ، وأنما كان يقول لك ، أن الأمر متروك لك ، في أن تأتي أو لا تأت . فأنت الذي تقرر وتختار ما يعجبك ، فما تفعله كله مناط بك ومن اختيارك ، وهو ، أي صديقك ، لم يترك كلمة أو عبارة ، ما لم تؤكد على حريتك في الذهاب أو عدمه ، فكله متروك لك وإلى اختيارك . فأنت المسؤول تماماً عما تقرر أن تفعله ، في البقاء لتدرس أو تترك الدراسة وتذهب معه إلى السينما .

ولكن أفترض ، من ناحية آخرى ، أنك ، وأنت ذاهب إلى الامتحان ، في صباح اليوم التالي ، أنك انزلقت على قشرة موز أو على أرض رطبة ، وانكسرت ساقك ، وحملت إلى المستشفى في سيارة أسعاف . وفقدت فرصة الامتحان . ففي هذه الحالة ، ليس هناك ، فرصة لكي يقول لك صديقك، كما قال في المثال الأول ، أن الخيار متروك لك ، في أن تقع أو تنزلق على قشرة الموز أو الأرض الرطبة وتكسر ساقك ، وتحمل إلى المستشفى . ومن ثم تفقد فرصة الدخول للامتحان . وأن يقول بتشدد أن لا أحد يجبرك أو يهددك في أن تنزلق أو لا تنزلق ، وأن الأمر متروك لك ، وأنك حر في الاختيار ، وأنها مسؤوليتك !

فنحن نرى من هذين المثالين ، بأن في المثال الأول، أن حرية الاختيار لها معنى ومفهومة في أن تذهب معه إلى السينما أو تبقى في البيت لتدرس أستعداداً إلى الامتحان في اليوم التالي . ولكن ، في المثال الثاني ، لا نرى ، هناك فرصة لمثل هذا الاختيار . فنزلاقك على قشرة الموز ، وسقوطك ، وأنكسار ساقك، وحملك للمستشفى ، وفقدك فرصة الامتحان . ففي المثال الاولى ، يبدو هناك حرية إلى الأرادة في الاختيار ، بينما في الحادث الثاني ، تبدو حرية الأختيار معدومة .

وعليه يبدو أن النقاش بين المدافعين عن حرية الأرادة والمدافعين عن الجبر أو الحتمية ، هو فيما إذا الحادثين أو المثالين هما بشكل أساسي وحقيقي مختلفين أو هما نفس الشيء ؟

وهما إلى الحتمي غير مختلفين ، ونفس الشيء. فأنت قد تظن ، بأن في استطاعتك البقاء في البيت والدراسة . وهذا يبدو لك قرار حر ، وأنه تم في اختيارك ، ولكن الحتمي أو الجبري يقول لو تفحصنا المسألة بدقة وعمق، لتبين لك بأن قرارك وأختيارك ليس حر على الطلاق . فما تظنه قرار حر ، هو في الحقيقة أملأ عليك وفرض من قبل رغباتك ، والتي هي تنبع من شخصيتك ، والتي هي بدورها محكومة بالعوامل الوراثية والبيئية ، والذين هم من الواضح خارج سيطرتك . وما يريد الحتمي تؤكيد هنا، هو أن لكل حادث سبب ، وبنظر في الأسباب التي تحكمت في تصرفك ، يستنتج الحتمي بأن لا وجود لحريتك ، بنظر إلى الأسباب العديدة والمتوالية، التي قادتك ألى فعل ما فعلت تحت ضغطها ، والتي هي وراثية ، وترجع إلى البيئية ، والثقافة ، والطبيعة ، وعوامل كثيرة آخرى، مثل التغذية والجينات ، والاجتماعية . فهذه العوامل التي جعلت منك ما أنت عليه . والأسباب التي أدت بك لفعل بالطريقة التي قمت بها. وعليه ، فأن الاعتقاد بأنك حر هو مجرد سوء فهم ، وخيال وهم .

وهذه المعركة التي نشبت بين أهل حرية الاختيار والحتمين تمتد عميقاً في تاريخ البشرية . ونحن هنا سوف لن نناقشها في تاريخها القديم ، وأنما نقتصر على الزمن المعاصر ، لأنه في الزمن المعاصر تغير المنظور إلئ القضية . وأصبح ينظر لها من زاوية مختلفة بعيداً عن تتدخل الألهة ، وفقط من عوامل طبيعية .

(١) وأول من دافع عن الفهم الحتمي بزمن المعاصر ، بشكل منهجي ، هو المفكر الفرنسي ، من أصل الألماني ، هو البارون هولباخ ، الذي عاش في فرنسا مع فولتير وديدرو ، ورسو في زمن التنوير ، وكان له صالون ، يلتقي فيه أكثير مفكري ذلك الزمان . أما من يمثل حرية الإرادة ، والمدافع التصرف الحر ، فهو ، الفيلسوف الفرنسي الشهير ، جان بول سارتر ، والذي ، غالباً ما يستشهد بقول المعروف ، الإنسان محكوم عليه أن يكون حر .

أما من يتخذ موقف وسط بين هذين الطرفين المتطرفين والمتناقضين ، فأنه ، الفيلسوف الأنكليزي ولتر ستيس . وهو فيلسوف معروف لدى القارئ العربي ، لأن الكثير من كتبه ترجمة للعربية ، كتاب عن فلسفة هيجل ، وكتاب التصوف ، وكتاب عن الدين .

هولباخ / أنا مجبر !

وعلينا هنا أن نوضح خلفية هولباخ ، والجو الثقافي الذي عاش فيه ، قبل أن نبدأ بعرض وجهة نظره . فقبله كانت فلسفة ديكارت ، هي المسيطرت على الجو الثقافي . وكان ديكارت قد دعى في أب الفلسفة الحديثة ، والذي عاش في القرن السابع عشر ، الذي يعد البداية للعصر الحديث .وقد قام ديكارت بأستخدم طريقة الشك ، لكي يهزم الشك ، ويضع العلم علئ أرض صلبة . بعد أن بدأ في الشك في كل شيء موجود من معارف وشك بكل ما حوله وجود العالم . فقد كان الشكاك قد شكو بكل شيء . وكان أشهرهم مونتاني ، والذي شك في قدرة المعرفة الإنسانية . وقد حاول ديكارت تبديد هذه الشكوك . وأنشأ علم جديد قائم على الحقائق الراسخة من المعلومات التجريبية إلى التفكير ذاته ، مستخدم الطريقة الهندسية إلى الأستنتاج ، لكي يقيم نظامه الفلسفي , لكتشاف الحقيقة . غيرأن طريقة ديكارت سرعان ما أستبدلت ، بالتجريبية التي تقوم على التحقق بطريقة تجريبية عن طريق الصح والخطأ . التي بدأت مع لوك ونيوتن . فطريقة ديكارت الرياضية التي لا تقوم على أساس من التحقيق التجريبي ، أثبتت أنها عقيمة . فبدون التحقيق والتجريب ، فالعلم الرياضي والطريقة العقلية لوحدهما غير نافعين . وهذا ما أثار ضد حركة التنوير . وهكذابتأثير لهذه النزعة التجريبية هجر المفكرون الفرنسين النزعة العقلية الديكارتية، وأتجهو نحو المادية ، والأخذ بوجهة النظر الحتمية .

ولعل أبرز هؤلاء المفكرين والذي عبر عن وجهة نظر حتمية في صراحة وقوة هو البارون هولباخ . وأكد بقوة على أن ما في الكون هو بشكل أساسي المادة في حركة ، والتي تعني ، أن لا يوجد هناك ، في هذا الكون سوى المادة في حالة حركة . ولهذا نبذ نموذج التفكير الثنائي . وعد ديكارت كغير ملائم للعلم الجديد . فنحن يمكن لنا نلاحظ حركة الأجسام ونتنبأ في حركة الجسم المتحرك . وهذا هو كل ما يمكن لنا نلاحظه في الكون . وهو الذي يشكل الحقيقة الوحيدة فيه . وإذا الأشياء هي على ما هي عليه ، وبمثل هذه الحالة ، فأن ، لا يبق هناك مجال لحرية الأرادة ، وهذا هو ادعاء هولباخ . ومن ثم ، ادعى ، هذا الأدعاء في الحتمية أو الضرورة .

وعليه ، طرحت هذه الأسئلة عن هذا المذهب ، فهل سبق إلى أي واحد من البشر أن قرر سلوكه وأتخذ قرار لنفسه ؟ وهل أي واحد في أي وقت مسؤول عن أي تصرف ؟ وهل للواحد أن يكون ، أياً كانت الظروف ، يمكن له أن يفعل أي شيء آخر غير الذي فعله ؟ وعن هذه ألاسئلة أجاب البارون هولباخ بصرامةً، لا . فأفكارنا وأفعالنا هم نتائج إلى أسباب والتي ليس لنا عليها سيطرة أبداً . وإذا المرء تخيل أنه يستطيع أن يفعل غير الذي فعله فهو على

وهم !

وبخلاف الفكرة التي كانت منتشرة بزمنه أدعى هولباخ ، بأن الإنسان جزء من الطبيعة ، وبأن ليس هناك في أي مكان من الطبيعة إلى أرادة حرة لا في الطبيعة ولا عند الإنسان . وعليه ينكر هولباخ وجود أي أرادة حرة عند الإنسان لا في أختياره ولا في فعله .

وإذا أحتج إنسان ما ، بأنه في لحظة الاختيار والعمل ، لا يشعر في لحظة تحقيق أي عمل أختياري وطوعي ، بهذه الضرورة والجبر في العمل . فأنا حين أعمل وأختار ، أشعر أني أعمل بحرية وبشكل طوعي ، وأختار بين عدة أختيارات ، وبشكل حر من قبلي . بيد أن هولباخ ، تجده ، يحتج على أن هناك أختيار في الفعل وبشكل حر ، ويقول ، بأن هذا مجرد وهم . فهو يحتج على أي تضرع بالتجربة والأحساس بالحرية ، فليس هناك ، لديه سوى الحتمية التي تحكم كل تصرف وكل فعل . فإذا قلت بأنك تستطيع أن تفعل بطريقة غير تلك التي فعلت بها ، فأنك على خطأ . لأن هذا ناتج عن وهم الأختيار ، لكون ليس هناك اختيار أبداً . وإذا فكرت بأن أي فعل من أفعالك هو طوعي ، فأنت كذلك على خطأ، لأن ليس هناك فعل طوعي ، وأنما كلها حتمية . وإذا قلت أنت أخترت بين أمكانيات متعددة ، قال ، بأن هذا أيضاً نأشئ عن وهم وجود الأمكانيات متعددة . فلا يوجد هناك سوى الحتمية والضرورة . فأنت لا يمكنك أن تحتج بالتجربة ، وشعورك بأنك تفعل بحرية . فكل تلك لا تدعم حرية الأرادة ضد الحتمية . فكل هذه مجرد أوهام ، مثل أوهام السكران الثمل الذي يرى بكؤوس خمره أشياء غريبة .

فلا شيء من كل تلك التجارب يمكن أن يتحقق منه . في حين أن كل الأفعال الغير طوعية والمجبر عليها يمكن التحقق منها . وعليه ، يستنتج هولباخ ، بأن لا يمكن نقد الحتمية تجريبياً ، أو أستنتاجياً ، في أي لحظة نفي . فليس هناك أي فضاء يمكن لك أن تنتقد الحتمية ، لأنها واضحة في كل سلوك وفعل ، فهي محصنة أزاء أي نقد . وهكذا عرض هولباخ وجهة نظره في نفي حرية الإرادة والقول بالحتميّة . ففي كتاب الشهير نظام الطبيعة ، نظر إلى الطبيعة على نظام واسع مقفل ، والذي فيه لكل حادث سبب ، ضروري ، وحتمي من قبل كل الحوادث التي في الطبيعة والتي تشكل نظامها. وهذا النظام أقر به الكثير من المفكرين والفلاسفة بالنسبة الطبيعة والنظام الفيزيائي ، ولسلوك المادة . فالطبيعةً تبدو محكومة بنظام صارم . ولكن ماذا عن سلوك البشر ، فالكثير من المفكرين أحتجوا في تطبيق نظام الطبيعة على البشر أيضاً ، وعلى طبيعة سلوكهم . والذين قالو بأن بعض سلوك الإنسان يعبر عن حرية الأرادة والافعال الأختيارية الطوعية والمستقلة . والتي لا تكبح من قوانين الطبيعة ولا من قبل أحداث الطبيعة المتسلسلة .

وهنا أيضاً ، يقدم ، هولباخ ، رفضه وإنكاره ، لمثل هذا الادعاء ، في حرية وأستقلال الأرادة ، والفعل الطوعي، في عدة نقاط في كتابة نظام الطبيعة ، سوف نلخصها هنا ؛ (١) بأي طريقة نظر إلى الإنسان ، فأنه مرتبط بالطبيعة الشاملة ، ويخضع إلى القوانين الضرورية ، التي لا تتغير وتفرضهاعلى كل ما يوجد فيها ، بحسب جوهرهم الخاص أو خصائصهم الخاصة ، والتي لا تأخذهم في الحسبان ، والتي منحتهم لكل نوع . فحياة الإنسان حددت بأن الطبيعه آمرته أن يعيش على سطح الأرض ، بدون أن يحيد عنها ولو لحظة ، فهو ولد بدون موافقته ، وولد في مجتمع لا يعتمد عليه في تنظيمه ، وأفكاره تأتي أليه بغير أرادته؛ فعاداته بأمرت أولئك الذين جعلوه يرتبط بهم . وهو في تغير لا ينقطع وفقاً إلى الدواعي والأسباب ، سوى كانوا مرئين له أو غير مرئين . والذين ليس له سيطرة عليهم ، والذي يكيف نوع وجود لهم ، والذين يعطون مسحةً إلى طريقة تفكيره ، ويحدون طريقة سلوكه . فهو خير ، أو شرير ، سعيد أو تعيس ، حكيم أو أحمق ، عقلاني أو غير عقلاني ، بدون أرادة أن يكون أي واحد من هذه الأحوال المختلفة .(٢) فالأرادة هي تعديل لدماغ ، والذي ينزع لفعل ، أو تستعد لكي تعطي إلى الأعضاء أن تلعب دورها . وهذه الأرادة من الضروري أن تحدد في الصفات ، الخير أو الشر ، المقبول أو المؤلم ، أو بالشيء أو الدافع الذي يؤثر على الحواس ، أو أي فكرة ، والتي تبقى عنده ، وتنعش من قبل ذاكرته . وبالنتيجة ، فهو يفعل ضرورياً. فأفعله هو نتيجة إلى الحافز ، الذي تلقاه أما من الدافع ، من الشيء ، أو من الفكرة ، والتي غيرت الدماغ ، أو أمالت أرادته . وعندما لا يفعل وفقاً لهذا الحافز ، فأن ذلك بسبب مجيء سبب ما جديد ، حافز ما جديد ، فكرة ما جديدة ، والتي غيرت بطريقة أتجاه ، وأعطته حافز جديد ، حددت أرادته في طريقة آخرى ، والتي فيها الحافز السابق إلى الفعل علق ؛ وهكذا ، فرؤية شيء مقبول أو فكرة ، تحدد أرادته وتضعه لفعل ما يحصل عليه . بيد أن إذا شيء جديد أو فكرة جديدة جذبته بقوته أكبر ، فأنها تعطي أتجاه جديد إلى أرادته ، وتلغي التأثير السابق ، وتمنع من الفعل لتحصيل المراد . وهذا النموذج والذي فيه التأمل ، التجربة ، العقل ، ضرورياً يوقف أو يعلق فعل الأرادة الإنسان . وبدون هذا ، فأنه من الضروري أن يتبع الحافز السابق ، والذي ، من ثم ، يحمل بتجاه الشيء المرغوب . وفي كل هذا ، فأنه دائماً يفعل وفقاً إلى القوانين الضرورية والتي ليس لديه وسيلة لتحرير نفسه منها . (٣) فهذه الأرادة ، أو بالحرى الدماغ ، يُجد نفسه في نفس الموقع للكرة ، والتي ، هي ، بالرغم من أنها تلقت الدفع من تلك الضربة التي دفعتها إلى الامام بخط مستقيم ، تغير مسارها ، حينما قوة أعظم من تلك الضربة الأولى، تجبرها على تغير اتجاها . فالرجل الذي يشرب ماء مسموم يظهر بأنه مجنون ، بيد أن أفعال الحمقاء هي ضرورية ، كأفعال أولئك الناس الأكثر حذراً . فادوافع التي تدفع الشهواني والمنحرف إلى المغامرة في صحته ، هي من القوة التي لا ترد ، وأفعالهم ضرورية ، كأفعال الرجل الحكيم ، الذي يبدو يتحكم في أفعاله . ولكن إذا أصر شخص ما ، بأن المنحرف يمكن أن يتغلب على تغير سلوكه ، فأن هذا لا يتضمن أو يدل على أنه رجل حر ؛ وأنما أن دوافعه قد تجد القوة الكافية لابطال تأثير الدوافع السابقة التي أثرت فيه ؛ وعليه ، فأن الدوافع الجديدة حددت أرادته لتبني نوع من السلوك الجديد كأسابق من سلوكه . (٤) ولهذا ، فأن الإنسان ليس كائن حر في أي لحظة من حياته ؛ فهو يقاد ضرورياً في كل خطوة بتلك الفوائد ، سوى كانت حقيقية أو متخيلة ، فهو يربط نفسه إلى أشياء والتي عواطفه تثيرهم فيه . وتلك العواطف ذاتهم هم ضرورين ، بأن يكون بلا توقف متجهين صوب سعادته . وطاقتهم ضرورين ، طالما أنهم يعتمدون على طبعه ؛ وطبعه هو ضروري لأنه يعتمد على العناصر الجسدية ، والتي تدخل في تركيب كيانه . والتعديل إلى طبعه ضروري ، كنتيجة محتومة ولا تقبل الخطئ إلى الدافع الذي تلقاه من الفعل المستمر إلى االروحي والموجودات المادية . (٥) فهناك ، من وجهة الحقيقة ، ليس ثمة أي فرق بين رجل يلقى به من النافذة من قبل آخر ، وبين رجل يلقي بنفسه من النافذة ، ما عدا أن الدافع في الحالة الأولى يأتي في الحال من الخارج ، في حين في الحالةالثانية ، والتي تقرر السقوط ، تنبعث من الداخل، بحسب ميكانيكية خاصة ، والتي لها سببها البعيد أيضاً في الخارج .

فعندما يضع موتس سكافولو يده في النار ، فأنه يفعل ذلك على الأكثر تحت تأثير الضرورة المميتة بفعل حوافز داخلية والتي تحثه على هذا الفعل الغريب ، كما لو أنه ذراعه أمسك من قبل أناس أقوياء ؛ الكبرياء ، اليأس ، الرغبة في تحدي عدوه ، والذي يريد أن يدهشه ، ويقلقه ، ويبث الرعب فيه ، وما إلى ذلك . فهناك سلسلة غير منظورةوالتي تمسك بيده فوق النار . (٦) وعلينا ، مقارنته ، أي الإنسان ، إلى جسم ثقيل ، يجد نفسة يوقف أثناء سقوطه بفعل عائق أي كان نوع هذا العائق ؛ ولنزيح هذا العائق ، فأنه سوف ينجذب أو يواصل السقوط ، ولكن من سيقول بأن هذا الجسم الثقيل هو حر في سقوطه أو غير حر ؟ أفليس هبوطه نتيجة ضرورية إلى ثقله الخاص ؟ وسقراط الفاضل خضع لقوانين بلده ، رغم أنهم كانوا غير منصفين ، ورغم أن أبواب سجنه تركت مفتوحه له ، غير أنه لم ينقذ نفسه . ولكن في هذا لم يكن كشخص حر ، فسلسلة غير مرئيّة من المعتقدات ، حب سري إلى الأخلاق ، أحترام داخلي إلى القوانين ، حتى ولو كانواجائرين ، الخوف من تلطيخ مجده ، أبقاه في السجن ، فهم كانوا دوافع قويين بما يكفي، مع حماس إلى الفضيلة ، أغراه أن ينتظر الموت في رباط جأش .

مما تقدم، فأن أدعاء هولباخ بات وضح ، بأن سلوك الإنسان لا يعبر، بأي حال ، عن حرية الأرادة ، لأن ، ببساطة ليس هناك أرادة حرة . فالإنسان يجب أن يعد جزء من الطبيعة التي ليس بها حرية الأرادة . وعليه ، فليس هناك حرية يتمتع بها الإنسان . ولذا ما يريد أن يثبت هولباخ ، هو ، عدم وجود الحرية ، وبأن كل شيء ضروري وحتمي . فبعض الأشياء التي تحدث ألى الإنسان مفهومة على أنها خارج سيطرته ، مثل أنزلاقك وسقوط على الأرض ، فهذه ليس من أختيارك، وما يعبر عن أرادتك ، ولكن في كثير من الحالات ، نشعر بأن ثمة أفعال هي من صنع أرادتناوتعبير عن تجربتنا ، فلماذا تنكر علينا ، وأنهم ليس من صنعنا واختيارنا ، وأنهم وهم ؟ فهناك بعض الأحداث نقر عن طواعية بأنهم ليس من صنعنا ، بيد أن هناك ، في المقابل أحداث نشعر أنهم من صنعنا ، غير ، أنه يرفض أن تكون حرة ومن صنعنا ! . وهنا ، يحاول هولباخ أن يرد على أسئلة المعترضين عليه ، بهذا الشعور بأن بعض الأفعال هي من أختيارهم وتعبير عن أرادتهم الحرة . فهو يقول ، بأن ، بالطبع ، أن الناس يشعرون أنهم يفعلون بشكل حر ، غير أن هذا الشعور بالتجربة الحرة هو مجرد وهم ، قائم على الجهل بالعديد من الأسباب المعقدة ، التي تدفع لمثل هذا الفعل ، ولذلك ، يقدم أيضاً عدد من النقاط في الرد على هذا الشعور بالأختيار الحر ، والشعور بأن المرء يفعل وفقاً لما يريد .
(١) فهو ، الإنسان ، يعتقد ، أنه يفعل ككائن حر ، حينما لا يرى أي شيء يضع عوائق لفعله . فهو لا يدرك بأن الدافع والذي يدعوه إلى أن يريد ، هو دائماً ضروري ومستقل عنه . ومن أجل ذلك ، ممكن أن نرى بأن نفس الضرورة التي تنظم العالم الفيزيائي ، أيضا تنظم العالم الأخلاقي . والتي فيها كل شيء بتالي يخضع لقدره .. فالإنسان ، والذي يدهش ، بدون معرفته ، تكرارا ، وغالبً غصباً عنه يشق له الطريق من قبل الطبيعة ، مثل السباح المكره على السير مع التيار ، والذي يحمله ؛ يعتقد بنفسه حر، لأن في بعض الأوقات، يوافق أو لا يوافق أن ينزلق مع التيار، والذي لا يقاومه ، والذي يسرع في حمله إلى الأمام ؛ لذا هو يعتقد بنفسه سيد وضعه ، بسبب أنه مجبر على استخدام ضراعيه تحت الخوف من أن يغطس .

(٢) فهو ، من ثم ، يريد أن يرجع إلى الأسباب التي تحركه ، لأنه يريد أن يكون قادر على التحليل ، ومن كونه ليس كفؤ لتفيكك الحركة المعقدة إلى ماكنته ( جسمه )فأن الإنسان يظن بنفسه كيان حر . وفقط من جهله يجدها عميقة ومع ذلك يكون فكرة خادعة عن كيانه الحر . لأنه يبني تلك الأفكار والتي تقدم له برهان ساطع على تظاهر بالحرية الفعل . وإذا لفترة وجيزة الكل أراد أن يتفحص فعله الخاص، لبحث عن دوافعهم الحقيقية ليكتشف تسلسلهم ، يبقى مقتنع بأن العاطفة التي لديه عن كيانه الحر الطبيعي ، هي وهم سرعان ما ما يتدمر بسرعة بالتجربة .

(٣) أن التعقيد العظيم إلى حركة الإنسان ، هي تنوع فعله ، هي تعدد الأسباب التي تحركه ، سوى كانت متزامنة أو تعاقب مستمر ، فأن هذا يقنعه أنه كائن حر . وإذا كانت كل حركاته بسيطة، وإذا كانت الدوافع التي تحركهم يركبون أنفسهم أحداهم مع الآخر ، وإذا هم كانوا متميزين، وإذا كانت ماكنة جسده أقل تعقيد، فأنه سوف يفهم بأن كل أفعاله هم ضرورين وحتمين ، لأنه سيكون في أمكانه الرجوع على الفورإلى العلة التي جعلته يفعل .

(٤) أخطأ الفلاسفة عن حرية التصرف إلى الإنسان نشأت من أعتبارهم أرادته كالمحرك الاول ، الدافع الأصلي إلى أعماله؛ وبطلب العودة للوراء، فأنهم لم يفهموا ، التعدد ، والأسباب المعقدة والتي هي مستقلة عنه ، أعطت الحركة إلى الأرادة ذاتها ، والتي أمالت وعدلت دماغه . في حين هو دائماً سلبي في الحركة التي تلقاها . @@@

(٥) وهولباخ ، مع ذلك ، لا يتأثر بهذه الاحتجاجات . فإذا شخص ما ، أعترض ” إذا أنت أفترضت عن الشخص الذي رفع يده ، ومشى بالقرب من الشباك ، وإذا هو لم يكن مخموراً ، أو تحت تأثير تنويم مغناطيسي ، أو محروم بأي طريقة آخرى من السيطرة على نفسه بالطريقة ، وإذا هذا قرر أن يطيعك ، وهو فعلاً فعل ذلك ، فيما تأمر ، فليس هذا دليل على حرية الأرادة من قبله ؟ فما هو الذي يمكن من بعد أن يعد ضد حتمية هولباخ ، غير هذا الفعل الحر ؟ فيما يبدو ليس هناك شيء ، في نظر هولباخ يمكن أن يكون ضد فكرته عن تصرف وسلوك الإنسان . فأنت أن عجزت عن أن تجد السبب الحتمي وراء كل تصرف ، فليس هذا دليل ، بأن ليس هناك دليل على عدم وجوده ، وأنما هذا دليل عدم كفايتك وأهليتك في أيجاد السبب ، وأنت لست صائد جيد لسبب .

(٦) ولهذا، هنا ، أيضاً يوضح هولباخ موقفه بمزيد من الوضوح في رده علي بعض تلك الأعتراضات ؛ فبرغم من تلك الحاجة إلى تلك البراهين إلى حرية الأرادة عند الإنسان، هم جداً واضحين لدى العقل الغير منحاز ، فيمكن ربما الأصرار عليهم بدون أدنئ شعور بالأنتصار ، فأذا أقترح على أحد ما ، أن يحرك يده أو لا يحركها ، وفعل أي من تلك الأفعال آلتي ، تدعو حيادية ، فأنه يظهر من الواضح أنه سيد إختياراته ، والذي منهم ينتج بأن الدليل قد قدم على حرية الأرادة . والجواب ، على هذا ، هو ، أن هذا المثال جداً بسيط ، فالإنسان الذي ينجز بعض الأفعال التي صمم على تنفيذهم ، هم ليس ، بأي حال ، برهان على حرية الأرادة . فرغبة في عرض تلك الخصلة ، التي تثار في المناقشة ، مثلاً ، تصبح دافع ضروري ، والذي يقرر أرادته على هذا الفعل أو ذاك من تلك الأفعال .

(٧) فما يخدعه في هذه الموقف ، أو يقنعه بأنه حر في هذه اللحظة ، هو ، أنه لم يتبين الدافع الحقيقي لهذا الذي دفعه للعمل ، أعني ، الرغبة في أقناع خصمه ؛ فإذا ، في حرارة المناقشة ، أصر ، وسأل ،ألست أنا السيد في رمي نفسي من النافذة ؟ فأني سوف أجيب ، لا ؛ وإذا ، على الرغم من ذلك ، أراد ، أن يثبت بأنه حر الأرادة ، فعليه فعلاً ، أن يرمي نفسه من النافذة ، فهي ليس برهان كاف إلى الأستنتاج بأنه يعمل بحرية ، وأنما في الحري ، هي مزاجه العنيف الذي يحرضه أن يتصرف بحماقة . ”

(٨) وحتى لا يكون مخدوع في نظام حرية أرادته، فعلى الإنسان الرجوع إلى الدافع والذي به تحدد أرادته . فهو دائماً سيجد هذا الدافع خارج سيطرته . وقيل ؛ بأن بسبب أن الفكرة التي يبتدعهاعقله ، فأن الإنسان يفعل بشكل حر إذا لم يصادف عائق . بيدأن السؤال ، هو ، ما الذي يعطي الولادة إلى هذه الفكرة في ذهنه ؟ فهل هو السيد في كلا الحالتين ، بمنعها في الظهور ، أو تجديد نفسها ( معاودة ) الظهور بذهنه ؟ فليس هذه الفكرة في كلا الحالتين تعتمد على الأشياء التي تصطدمه خارجياً ، وبرغم من نفسه ، أو تعمد على الأسباب ، والتي بدون معرفته ، وتأثر عليه داخلياً وتكيف عقله ؟

(٩) وحينما قيل بأن الإنسان ليس حرالأرادة ، فليس هذه دعوة لمقارنته بجسم يتحرك ببساطة بالحافز السببي ؛ فهو أي الإنسان ، يحتوي في داخله على الأسباب المتأصلة في وجوده ؛ فهو يتحرك بالعضو الداخلي ، والذي له قوانينه الخاصة ، والتي هي تتقرر ضرورياً السبب لفكرة التي تشكلت من الأدراك الناتج عن الأحساس الذي تلقاه من الأشياء الخارجية . وكأميكانيكية إلى تلك الأحساسات لهذه الادركادت ، والطريقة التي نقشو الأفكار على ذهن الإنسان ، هم غير معروفين أليه ؛ بسبب أنه لا يستطيع أن يفهم السلسلة للعمليات في نفسه ، أو مبادئ الحركة الذي يعمل في داخله ، فهو يفترض نفسه ، أرادة حرة ؛ والتي إذا ترجمت حرفياً ، تعني ، بأنه يحرك نفسه بنفسه ؛ وأنه حدد نفسه بدون سبب ! في حين يجب عليه أن يقول ، بالحري ، بأنه يجهل كيف ، أو لماذا أن يفعل بالطريقة التي عمل بها.

(١٠) ومع ذلك ، يجب الاعتراف ، بأن تعدد واختلاف الأسباب والتي تُمارس تأثيرها بستمرار على الإنسان ، في حالات كثيرة ، حتى بدون معرفته ، تجعل من المستحيل ، أو على الأقل ، صعب جداً له الرجوع إلى المبدأ الحقيقي لفعله الخاص ، وبدرجة أقل لفعل الآخرين ؛ فهم يعتمدون لحد بعيد على أسباب نائية وبعيدة عن نتائجهم ، والذي الفحص السطحي ، يظهر تشابه جداً بسيط وضئيل إلى العلاقة بينهم . وهذا يتطلب حكيم مفرد إلى إبرازهم للنور .

(١١) وبعض الناس من يظنون أنفسهم الناطقين بأسم الدين والمجتمع ، رفضوا الأقرار بادعاء هولباخ ، بأن أي سلوك لا يعبر عن حرية الأرادة . فأنهم يقولون ، لو صح هذا ، فأن لا الدين ولا المجتمع قادر على تحميل أي شخص المسؤولية عن فعله ، ولذلك ، تحت مثل هذا الأعتبار والظروف ، يصبح متعذر وضع قواعد إلى المكافأة والعقاب . ولكن ، لو نحن قرأنا هولباخ في دقة ، لرأينا ، يرفض مثل هذه الحجة ، وعلى أنها تمثل دليل مناقض له . ولذا هو ينبذها ويعتبرها مجرد تبرير إلى حرية الأرادة . ولهذا يقول ” ومع ذلك ، وبرغم من القيود المقيد بها الإنسان ، فأنه يتظاهر ، بأنه أرادة حرة ، ومستقل عن الأسباب التي تحركه ، وأنه هو الذي يقرر أرادته ، وينظم وضعه . ومهما كان ضعف الأساس لهذا المعتقد ، والذي كل شيء يجب أن يشير بأنه خطأ ، فأنه كان متداول في ذلك الوقت ، وعد كحقيقة لا يرق أليها الشك عند عدد كبير من الناس . وبطريقة آخرى ، رأي تنويري ؛ فهو الأساس إلى الدين ، والذي ؛ أفترض له علاقات بين الإنسان وكائن غير معروف ، والذي يوضع فوق الطبيعة ، والذي يصبح من الصعب تخيل ، كيف أن الإنسان يستحق الثواب والعقاب من هذا الكائن الفوق الطبيعة ، إذا لم يكن حر الأرادة . والمجتمع أيضاً أعتقد بفائدة هذا النظام ، لأن ، يكون من العبث ، إذا كل افعال الإنسان نظر لها على أنها حتمية وضرورية ، فالحق في معاقبة أولئك الذين يسئون إلى مواطنيهم تغدو ملغية . وفِي النهاية ، فأن الغرور الإنساني لائم نفسه مع هذا الفرض ، والذي هو بلا شك ، يظهر يميز الإنسان عن بقية كل الموجودات الطبيعية بمنح أمتياز خاص بالاستقلال كلياً عن كل الأسباب الآخرى ، غير أن أبسط تأمل سوف يريه استحالة ذلك الأستقلال .

(١٢) بعد هذا الذي قدمناه من كتاب نظام الطبيعة لهولباخ ، والذي تحدث فيه بشكل تجريدي ونظري ، عن الحتمية وحرية الأرادة ، يقدم لنا ، هنا ، أمثلة آخرى ، ، ولكن هذه المرة بعيداً عن التجريد والقضايا النظرية ، ويتحدث هنا ، هذه المرة بشكل ملموس واقعي عن نماذج من الناس ، والذين يبدون ، وكأنهم ، كذلك ، من وجهة نظره مساقين في سلوكهم بدوافع وحوافز طبيعة ، لا يمكن التغلب عليها ، فهي تُبدو له متأصلة في طبيعتهم، وجزء من تركيب المجتمع الذين يعيشون فيه، ولهذا يقدمهم وكأنهم شاهد على نظريته بالحتميّة . وهؤلاء ، الأشخاص ، هم ، الإنسان الطموح ، والبخيل ، والشهواني ، والغضوب ، والمتحمس . وهؤلاء ، يعبرون عن أمزج مختلفة ، ويمثلون عينة كبيرة من السلوك البشري . وهكذا ، مثلاً ، يبرر الطموح سلوكه ؛ فهو يصرخ ، بمن يريد أن يُحد من سلوكه ، ويطالبه في التواضع ؛ ” ستطلب مني أن أقاوم عواطفي ، ولكن أليس الناس هم بشكل متواصل ، يرددون في أذني ، بأن المركز ، والشرف ، والقوة ، بأنهم أكثر الأشياء المرغوبة والمفضلة في هذه الحياة ؟ أفلم أرى أبناء وطني يحسدونهم ، وأبناء الطبقة النبيلة يضحون في كل شيء من أجل الحصول عليهم ؟ ففي المجتمع الذي أعيش فيه ، ولست أنا مجبر على الشعور، بتوقع القليل من الأحتقار ، إذا أنا حرمت من تلك الأمتيازات ؛ والانسحاق تحت عصى الأضطهاد ؟

(١٣) ويقول البخيل ؛ أنت تريد أن تمنعني من حب المال ، وتبحث عن الوسيلة التي يجب أن يكسب بها ؛ ولكن ، وأسفاه ، أليس كل شيء في هذا العالم ، يعلمني ، بأن المال هو النعمة الكبرى ، والتي تضمن ما يكفي لحد بعيد أن تجعلني سعيد ؟ ففي البلد الذي أعيش ألم أرى بأن كل مواطني يتوقون إلى الغنى ؟ غير أني أيضاً لم أشهد يهتمون ولو قليلاً في الأداة التي يكسبون بها الثروة ؟ فهم حالما يصبحون أغنياء بهذه الوسيلة التي تلومني عليها ، أليس تراهم ، يعدونها ، ويقدروها ، ويحترمونها ؟ فباي سلطة ، من ثم ، تحول دوني وبين تكديس المال ؟ وباي حق تمنعني من أستخدام أي وسيلة ، والذين أنت تدعوهم قذرين وجرامين ، والذين أرى العاهل يستحسنهم ؟ فهل تريد مني أن أتخلى عن سعادتي ؟

(١٤) والشهواني ، يجادل ، أنت تزعم ، بأن علي أن أقاوم رغباتي ؛ ولكن هل أنا الخالق إلى مزاجي ، والذي يدعوني بشكل متواصل إلى اللذة ؟ وانت تدعو للذاتي بالغير منطقيه ؛ غير أن في البلد الذي أعيش فيه، ألم أشهد بأن أكثر المسرفين بالمتعة هم أكثر الرتب مقام ؟ أفلم أرى بأن لا أحد منهم يخجل من الزنا ، سوى أن الزوج تلحقه الأهانة ؟ ألم ترى الناس تصنع أكاليل من فجروهم ، وغطرستهم ، وخلاعتهم ، ويكأفون عليها بالتصفيق ؟

(١٥) والرجل الغضوب يصيح ؛ أنت تنصحني بأن اللجم عواطفي ، وأن أقاوم الرغبة بالأنتقام لنفسي ؛ بيد هل أستطيع التغلب على طبيعتي ؟ وهل أقدر أن أغير الأفكار التي ترد لي من العالم ؟ فهل ، يمكن لي أن أعيش بخزي آبدي ، وعاني العار في المجتمع بشكل محتوم ، إذا أنا أغسل بالدم الأهانات التي تلقيتها من قبل الزملاء ؟

(١٦) والمتحمس يهتف بحماس ؛ أنت تطلب مني الاعتدال ، وتنصحني بأن أكون متساهل ؛ أن أكون متسامح مع أفكار أقراني من الناس ، ولكن أليس مزاجي هو مزاج عنيف ؟ أفليس أني أحب الله بحماس ؟ أفلم يخبروني بأن الحماس يسره ؟ وأن السفاحين المضطهدين الغير إنسانيين كانوا أصدقاء الله ؟ فأنا أرغب أن أجعل نفسي مقبول بنظره ، لذلك أتبنى نفس الوسيلة ؟

بأختصار ، فأن أفعال الإنسان ليس صادره عن حريته على الإطلاق ؛ فهم دائماً نتيجة ضرورية إلى مزاجه ، إلى الأفكار التي تلقاها ، والمعتقدات ، سوى كأنو خاطئين أو صحيحين ، والذين شكلهم لنفسه عن سعادته ، عن معتقداته ، والذين عززوا ، فعلاً ، عن طريق التثقيف والتجربة اليومية . وإذا هو فهم لعبة أعضاءه ( تركيبه الداخلي ) وإذا أستطاع أن يستدعي للذاكرة كل الدوافع الذي تلقاهم ، وكل التنقيحات التي خضعوا لهم ، وكل التأثيرات التي أنتجتهم ، فسوف يدرك ، بأن كل أفعاله خاضعين لحتمية، والتي تنظم جهازه الخاص، وكما تفعل لكل نظام الكون . فلا أحد يؤثر فيه، وبنفس القدر في الطبيعة ، ينتج عن طريق المصادفة . فهذه ، كما أشرت سابقاً ،كلمة بلا معنى ، أعني المصادفة ، في الطبيعة ؛ فكل ما يحدث له ، وكل ما يفعله ، وأيضاً كل ما يقع في الطبيعة ، أو ذلك الذي يعزو أليها، هو مستمد من أسباب ضرورية وحتمية ، والذين يعملون وفقاً لقوانين ضرورية، والذين يخلفون تأثيرات محتومة تعم الكل .

فالحتمية ، هي آبدية ، لا تتغير ، نظام ضروري ، متأصل بالطبيعة ، أرتباط لا غنى عنه إلى الأسباب التي تعمل مع النتائج التي تهدفهم .

وكما يمكن أن يرى من وجهة نظر هولباخ ، بأنه حتمي ولا يؤمن بحرية الأرادة . وهو بهذا متأثر أشد التأثر في العلوم الطبيعية التي حققت أنتصارات عديدة في عهده . ومع ذلك ، لم يكن هولباخ هو الوحيد من تمسك بالنظرة الحتمية ، فهناك ، أيضاً علماء وفلاسفة ، أمنوا بنفسه ما أمن ، ونظروا الى الأشياء بنفس المنظار . ولعل أبرزهم ، هو ، ن. هـ ، باكل ، فقد نظر باكل لتاريخ من منظار العلوم الطبيعية ، وطالب أن يدرس التاريخ ، وكأنه علم دقيق وصارم مثل العلوم الطبيعية التي تحكمه قوانين صارمة ، وإذا عرفته يمكن أن تنبأ بكل سلوك الشعوب والأفراد على حد سواء . ولهذا تراه ، يكتب منطلق من تلك الوجهة ” الأعتقاد في العلم التاريخي ، هو ليس التمسك بوجهة نظر القضاء والقدر ، ولا في حرية الأرادة ، فالنظرة التي أنطلق منها ببحثي، والتي أرجو ، أن يوافقني عليها القارئ ؛ هي أننا حينما نقوم بعمل ، هي أنه نتيجة إلى دافع ما أو دوافع ؛ وهؤلاء الدوافع هم نتائج إلى بعض الدوافع السابق عليهم . ولذلك، إذا نحن كنا على معرفة مع كل تلك الدوافع السابقة ، ومع كل قوانين حركاتهم ، فنحن نستطيع أن نتنبأ بيقين بدون أي خطئ بكل النتائج المباشرة . وهذه ، إذا لم أكن على خطأ عظيم ، هي وجهة النظر التي يجب أن يأخذ بها من كل إنسان ما لم يكن عقله منحاز لنظام فكري ، وكل إنسان يشكل أفكاره وفقاً إلى الدليل الفعلي الذي أمامه . وإذا ، مثلاً ، أنا كنت على معرفة حميمية مع إنسان أياً كانت شخصيته ، فأني أستطيع مراراً أن أخبر كيف سيعمل تحت ظروف معطاة . ويمكن أن أخطى في هذا التنبأ ، فيجب عليه أن لا أعزو خطائي إلى أعتباطية ونزوة حرية الأرادة ولا إلى أرادة قوى عليا ، لانه ليس لدينا على كل من هذا الأشياآ أقل برهان ، فيجب علي أن أكون مقنتنع بأن افترض في فيما علمت خطئ على بعض الظروف والتي كان فيها ، أو في حالة آخرى ، هي أني لم أدري العمليات العادية لعقله . وعلى أي حال ، إذا ، أنا ، كنت قادر على تصحيح الأستناج ، وإذا ، في نفس الوقت ، ، أكملت معرفة كلا من مزاجه وكل الأحداث التي تحيط به ، فأني سكون قادر أن تنبأ بمسار سلوكه ، والذي هو نتيجة تلك الأحداث ، قد تبناه. .

(١٧) وحتمي آخر ، وهو ، عالم نفس أمريكي مشهور ، مؤوسس المدرسة السلوكية بأمريكا ، يدعو ، ب ، ف ، سنكر . أنكر ، كذلك ، حرية الأرادة ، ودعا البشرية إلى ، هي ، وما كان يسميه ، الأستقلال الداخلي للأنسان ، أو ما كان يعرف باروح ، النفس ، والتي عدت ، هي المسؤولة عن كل أفعال الإنسان . فهو ، يقول ، بأن إذا أريد لعلم السلوك البشري ، أي تقدم مهم ، فأن عليهم أن يتبنو النموذج الحتمي ، وأن يجدوا أسباب أفعال الإنسان بالبيئة والجينات التي تحد سلوك البشر . وهكذا ، فأن سنكر في أنكار الأستقلال الداخلي للإنسان ، يزيل الشرعية التي كانت تضع المسؤولية ، والمدح ، والذم على أفعال الإنسان . فكيف يحق لنا من بعد ، حسب سنكر، إذا كان الإنسان ، محكوم من قبل البيئة والوراثة ، أن نبرر أحكامنا في المدح والذم ، على شخص لفعله هذا أو ذاك من الأفعال ، إذا هي تتعلق في البيئة والوراثة ؟ فالمسؤولية يحب أن تزاح من الإنسان الغير مستقل داخلياً أو روحياً ، عن البيئة والوراثة . ولهذا يجب أن ينظر له على أنه بيدق يتلاعب به من قبل القوى التي خارج سيطرته . ومن هنا يكتب ” في التراث الغربي ، لنظر لفرد على أنه حر ، وأنه مستقل ، بمعنى ، أن سلوكه بلا سبب . ولهذا فهو عد مسؤول عن ما يفعل . وعليه ، يعاقب بعدل عما يفعل ، إذا أسيء التصرف . وهذا النظر ، مع تبعتها العملية ، يجب أن يعاد النظر بها، حين بين التحليل العلمي بما لا يقبل الشك عن سيطرت العلاقات بين السلوك والبيئة والوراثة . فاعفاء سلوك الإنسان من الحتمية اللغاء من قبل التحلي العلمي كخطوة متقدما ، خصوصاً في سلوك الإنسان . ”

وهكذا ، نرى هولباخ ، وباكل ، وسنكر ، يرفضون الحرية في سلوك الإنسان ، ويقرون بالحتميّة . وهم رأوا في سلوك شيء معقد ، لا يمكن أن يفسر بالحرية ، وإنما بالحتميّة . وهذه وجهة النظر الحتمية كما قدمها لنا هولباخ ، وعليه سنظر في الجزء الآخر من هذه المقالة ، في رأي جان بول سارتر في حرية ، والذي بها بشكل مطلق ، وكذلك رأي ولتر ستيس في التوفيق بين حرية الأرادة والحتمية . يتبع

ترجمة / هاني الحطاب

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here