مخاطر انتاج النفط على المياه في البصرة

الدكتور حسن خليل حسن
(( انا على يقين بأن من سيكتبون التاريخ بعد مئة عام سيقولون ان النفط لم يحقق الثروة للعرب ألا التعجيل في هلاكهم)) أمين معلوف
لطالما وجدت البصرة شرور النفط قبل خيره منذ ان كان وراء استعمار العراق بدوافع اقتصادية، والى عهدٍ قريب عكزت الحروب على عوائد النفط في تمويل الترسانة العسكرية، وتشهد البصرة حالياً مشكلة كبرى تتمثل بالاستهلاك المائي الكارثي للشركات النفطية الاجنبية والصناعات الاستخراجية والتكريرية في البصرة، اذ أن العراق ثاني أكبر منتجي منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، وهو يضخ معظم إنتاجه اليومي من حقول النفط في جنوب البلاد، وهي حقول( الرميلة الشمالية والجنوبية- غرب القرنة 1 و2- الزبير – مجنون – نهران عمر – – والسيبة- اللحيس- الطوبة – الصبا – الحلفاية) الشكل (1). وتحتل البصرة نسبة كبيرة من انتاج العراق النفطي، وقد ساهمت بنسبة 94% من مجموع صادرات النفط العراقي لشهر تشرين الثاني 2018.
وسوف نبين بلغة الارقام كارثية استهلاك الشركات النفطية على انهار البصرة، اذ تتطلب عمليات الحقن وتفتيت الصخور الرسوبية وتوليد الكهرباء والتقطير وضخ كميات كبيرة جداً من الماء، فأن انتاج برميل واحد من النفط يحتاج ما بين (3-5) برميل من الماء لكل برميل نفط واحد منتج (حسن، 2015) علماً ان سعة البرميل الواحد يساوي 159 لتر، مع الاخذ بنظر الاعتبار ان هنالك زيادة مستمرة في حجم انتاج النفط تتطلب زيادة الضخ لرفع مستويات الضغط في المكامن النفطية ولتجنب انحسار الضغوط عند محاولة انتاج كميات اضافية من النفط المُستخرج، الشكل (2)، لذا يتم مضاعفة كميات المياه التي يتم حقنها في الابار باستمرار للحفاظ على المستويات الانتاجية المطلوبة، اذ يعتبر نظام دفع الماء أكثر الأنظمة  فعالية من  الناحية الإنتاجية في زيادة الضغط في المكمن والتي تعوض خمول الضغط في بعض المكامن نتيجة لفعالية الإزاحة للنفط بواسطة الماء المتقدم، اذ ان كمية المياه المتحركة مساوية إلى كمية السائل المنتج. والكميات المستهلكة في الصناعة النفطية في البصرة هي من مياه نهر الفرات في المديّنة ومياه شط العرب ومياه نهر الصلال (احد فروع نهر كرمة علي).

الشكل(1) كثافة وتركز حقول النفط الكبرى في محافظة البصرة.
وبهذا الصدد نشير الى زيادة كميات الحقن في مكمن الرميلة الذي يعتمد على مياه نهر كرمة علي وهو اكبر الحقول المنتجة للنفط في العراق، فقد ازدادت معدلات حقن المياه فيه الى أكثر من 720,000 برميل ماء يومياً في العامين 2016 و 2017، بالمقارنة مع شهر آيار من العام 2013، حيث كان معدل حقن الماء 60,000 برميل يومياً حيث كان معدل حقن الماء سابقاً 60,000 برميل يومياً ، وبهذا فأن ما يستهلكه هذا المكمن من المياه العذبة من محطة المعالجة على نهر كرمة علي (ومصدرها شط العرب) حسب الارقام المعلنة يبلغ 457.920 متر مكعب يومياً (167.140.800 متر مكعب سنوياً)، وهو يمثل بنسبة 14.5% من الحصة المائية الكلية لمحافظة البصرة من نهر دجلة.

الشكل (2) مخطط يوضح عمليات استخراج النفط الصخري.
وهذا الرقم يخص حقل نفطي واحد وهو ليس ثابتاً كما انه يزداد مع التوسعة المتوقعة في حجم الانتاج، وبهذا الخصوص فقد اشار الموقع الرسمي لهيئة تشغيل الرميلة، 2018 الى وجود توجه لتوسعة القدرة على استخدام ما يقارب 1.3 مليون برميل ماء يومياً لأغراض الحقن في هذا المكمن.
وعند اجراء حسابات تخص جميع حقول النفط في محافظة البصرة وفق معدل انتاج النفط لشهر تشرين الثاني من العام 2018 البالغ 3.254.689 مليون برميل يومياً من حقولها (الموقع الرسمي لوزارة النفط، 2018). وباعتماد معدل استهلاك الماء لإنتاج برميل واحد من النفط البالغ 3- 5 برميل ماء (وهو الكمية المستهلكة في الحقول النفطية في دول شبه الجزيرة العربية) يكون مجموع ما تستهلكه الصناعة النفطية في البصرة من المياه يومياً 2.069.982 متر مكعب يومياً اي (755.543.377 متر مكعب سنوياً ) وهو ما يشكل نسبة (66 %) من مجموع الايراد المائي من لنهر دجلة الواصل الى محافظة البصرة ( لم يتم استثناء الكميات المستهلكة في الحقول النفطية التي تعتمد من نهر الفرات).
والمشكلة لا تتوقف عند استنزاف الشركات النفطية لثلثي الحصة المائية للبصرة فحسب، بالرغم من انها من اكبر التحديات التي تواجه الامن المائي في البصرة، بل هنالك مشكلة اخرى تتمثل بالمياه المصاحبة للنفط والمياه الناتجة عن تحلية مياه الحقن ومعالجتها كيميائياً وبيولوجياً، اذ ان انتاج برميل واحد من النفط يقابله 5 اضعاف كميته من المياه عالية التلوث، وان برميل واحد من المياه المالحة قد يلوث 97 برميلاً من مياه المسطحات المائية التي تنصرف اليها المياه الراجعة من عمليات المعالجة او المياه المحلاة، الشكل (3).
لذا من المهم الاسراع بالخطوات التالية:
1- تفعيل الدراسات الاستشارية في مجال استخدام بدائل المياه العذبة في حقن الابار النفطية ومن اهمها التقنيات الحديثة هي عملية حقن غاز ثاني اكسيد الكربون لرفع انتاجية المكامن النفطي او حقن المواد البوليميرية، واستخدام التقنيات الحرارية، بالإضافة الى استخدام طرق مزاج النفط مع بعض المذيبات البترولية لأغراض الحقن.
2. ضرورة اعتماد الشركات النفطية على المياه البحرية لأغراض الحقن او التوجه الى معالجة مياه المصب العام وشط البصرة وتحريم استخدام المياه العذبة في الصناعات الاستخراجية والتكريرية
3. من الضروري الاسراع بإبرام عقود جديدة معها على اساس استخدامها لمياه من مصادر غير انهار دجلة والفرات، واخذ ضمانات على تحملها جزء من مسؤولية نقص المياه وقيامها بتمويل مشاريع تنموية لتعويض الضرر البيئي الذي تحدثه من جراء استخراج النفط والغاز المصاحب والملوثات التي تطلقها الى البيئة المحيطة والتي تسببت بكوارث صحية اشارت اليها تقارير وابحاث اهتمت بتداعيات العمل الاستخراجي والتكريري في البصرة.
4. الزام الشركات النفطية بنصب محطات معالجة المياه المصاحبة والعادمة وان تتناسب تلك المحطات بحجم النشاط الاستخراجي في الحقل النفطي، وطبيعة التكوينات الارضية فيه.

4- الاسراع بتشكيل فريق قانوني لمقاضاة الشركات النفطية التي تتسبب باستنزاف موارد الثروة المائية في اعمالها الاستخراجية والتكريرية في البصرة، اذ ان هذه الشركات، تستهلك نسب عالية جداً من المياه العذبة المتاحة لأغراض الحقن وتوليد الكهرباء والتقطير، كما ان اعمالها لا تخضع الى استراتيجية واضحة من حيث الاعتماد على المصادر غير التقليدية والتي يجب ان تعتمد بشكل كامل على تحلية مياه البحر ويكون لها دور في تزويد بعض مناطق البصرة بالمياه المحلاة التي تقوم بإنتاجها .

الشكل(3) استنزاف الموارد المائية بسبب نشاط استخراج النفط
المراجع:
⦁ حسن، جمال قاسم (2015) النفط والغاز الصخريين وأثرهما على أسواق النفط العالمية، صندوق النقد الدولي. 31 صفحة (⦁ www.amf.org.ae/ar/content).
⦁ الخولي، رشيد (2009) الاستخلاص المعزز للنفط بحقن المياه في الطبقة، عالم النفط والغاز/ https://sites.google.com/site/sypeteng/research/24
⦁ عبدالجبار، احمد (2014) أدلجة النفط: دور النفط في الصراعات المشرقية، مستقبل الشرق للدراسات والابحاث، .https://www.falsharq.com
⦁ الموقع الرسمي لوزارة النفط، 2018.
⦁ الوائلي، حوراء (2017) 15 مليون برميل ماء يوميا لاستخراج النفط الكويتي، صحيفة القبس الالكترونية، 18 مارس 207(⦁ https://alqabas.com/371406⦁ /).
⦁ صحيفة القبس الكويتية(2006) حقن الآبار بغاز الكربون بدل الماء وتعاون كويتي – ياباني لتحسين النفط.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here