أميركا لن تحارب إيران في العراق

إياد الدليمي
22 يناير 2019
كاتب وصحفي عراقي

تضج مواقع التواصل الاجتماعي العراقية بعشرات الأخبار عن وصول أرتال عسكرية أميركية إلى قواعد عسكرية في مناطق غرب العراق وشماله، بل وأكثر من ذلك، بدأت مواقع إخبارية، بعضها كبير، بث أخبار عن نشاطاتٍ أميركية تتعلق بالنفوذ الإيراني في العراق، ومنها ما جاء بشأن تسليم وزير خارجية أميركا، مايك بومبيو، بغداد لائحة بأسماء مليشيات مدعومة من إيران، على حكومة العراق أن تتعامل معها قبل أن تتخذ واشنطن إجراءاتٍ بحق تلك المليشيات، وغيرها الكثير والكثير، حتى وصل الأمر بحالمين وطامحين إلى الحديث عن تشكيل الولايات المتحدة حكومة منفى عراقية، وتحضير الوضع في بغداد لتنفيذ انقلابٍ عسكريٍّ، يعطل العمل بالدستور، ويجمد الأحزاب السياسية، وغير ذلك من إجراءاتٍ ترافق الانقلابات العسكرية.
وبعيداً عن تهويل الحالمين، فإن التحرّكات الأميركية أخيرا في العراق تثير تساؤلاتٍ عديدة، خصوصا أن صورا انتشرت لتحرّكات أرتالٍ أميركية بالقرب من القواعد العسكرية المنتشرة في مدن غرب العراق وشماله، فهل كانت تلك التحرّكات جزءًا من مخطط أميركي لمحاربة النفوذ الإيراني في العراق؟
وقد أصدر الجيش الأميركي، قبل أيام، دراسة من ألف صفحة، تناقش تاريخه العسكري في العراق، متضمّنةً مئات الوثائق التي رُفعت السرية عنها، محمّلةً القوات التي غزت العراق ارتكاب أخطاء فادحة، إضافة إلى أخطاء رئيس الوزراء العراقي الأسبق، نوري المالكي. وذكرت الدراسة أن تحسّن الوضع الأمني في العراق بعد العام 2007 يعود إلى خطة زيادة عدد القوات الأميركية، وقد بلغ حينها نحو 150 ألف جندي، مضيفةً أن الجيش الأميركي فشل في الاعتراف بقادة فعالين في ساحة المعركة، بل أظهر ميلاً إلى معاقبة المبدعين منهم، وهي حقيقةٌ لم يواجهها الجيش أو يتعامل معها. وأدّى انسحاب القوات الأميركية من العراق عام
“تدرك واشنطن أن الوجود الإيراني في العراق أقوى وأكثر تمدّداً وتغلغلاً منه في سورية” 2011، بعد الفشل في التوصّل إلى اتفاقٍ مع الحكومة العراقية حول مهمة مستمرّة، إلى ترك الجيش العراقي الذي كان غير مستعدٍ للتعامل مع عمليات التمرّد المقبلة، ما تسبّب بتدهور أمني واضح، بحسب الدراسة.
وقد وجهت الدراسة أصابع الاتهام إلى الحكومة العراقية بقيادة المالكي حينها؛ لارتكابه أخطاء بحق بعض الأوساط السنية، أدّت إلى تفاقم الانقسامات الطائفية، وتسبّبت بعودة العنف إلى البلاد، مؤكدة أن الحرب التي بدأت عام 2003 لم تنتهِ بعد. وذكرت أن “الخطط العسكرية لم تكن تتوقع اتخاذ قرار سحب جميع القوات الأميركية في خريف 2011، بل استندت إلى افتراضاتٍ خاطئةٍ، مفادها بأن وزارة الخارجية ستدعم جهود التدريب، في حين أن الجهود المبذولة لتدريب الجيش العراقي لم تكن كافية”. وجاء في الدراسة أنها لا تُلقي باللوم الكامل على الأخطاء العسكرية أو السياسية، بل كذلك على ما اعتبرته “قلّة وعيٍ لدى قادة الجيش الأميركي حول الديناميكيات الطائفية والاجتماعية والسياسية في البلاد، والتي غذّت كثيرا من أعمال العنف”.
وتأتي أهمية الدراسة من أنها تنشر في وقت يتزامن مع خطط الانسحاب الأميركي من سورية، وما أثاره من جدل بشأن إمكانية عودة تنظيم داعش، وأيضا أنها تأتي في وقتٍ يشهد فيه العراق استقطاباً أميركياً إيرانياً حاداً، خصوصاً بعد تشكيل حكومة عادل عبد المهدي التي ما زالت غير مكتملة، في أجواء تجاذب سياسي بشأن مرشحي وزارتي الدفاع والداخلية. وترجع أهمية الدراسة أيضا إلى طبيعة ما تضمنته من اعترافٍ صريح ونادر بمسؤولية الولايات المتحدة عما آلت إليه الأوضاع في العراق، بعد عقد ونصف العقد من الغزو والاحتلال الأميركي، وهو ما قد يشير إلى أنها محاولة لتصحيح خطأ قرار سحب القوات الأميركية من سورية، وعدم تكرار تجربة العراق.
تدرك أميركا جيداً أن عملية تقليص النفوذ الإيراني في العراق معقدة، وليست صعبة فقط، وأنها، إن كانت جادّة في ذلك، تحتاج سياسة واستراتيجية واضحتين، ما زالتا غائبتين حتى اللحظة عن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التي تمضي في تخبطها في ملفاتٍ كثيرة، وخصوصا الخارجية. وتدرك واشنطن أن الوجود الإيراني في العراق أقوى وأكثر تمدّداً وتغلغلاً منه في سورية، فإيران اليوم موجودةٌ في كل مفصل من مفاصل الدولة العراقية، والعلاقة التي تربطها ببغداد لم تعد علاقة بين دولتين جارتين، تربطهما علاقات مميزة، وإنما اليوم باتت علاقةً بين تابع ومتبوع، فلا حراك لسلطة بغداد وجهاتها وعناوينها السياسية والحزبية، ولا حتى العسكرية، من دون إشارة من طهران، وهو ما يؤكّده مراراً ساسة
“بحث جواد ظريف في زيارته إلى العراق توسيع قاعدة نفوذ إيران لتشمل ساسة عراقيين من مختلف الطوائف” عراقيون، تعاملوا عن قرب مع تلك الأوضاع.
تهدف التحركات الأميركية أخيرا في العراق إلى إرسال رسالة طمأنةٍ إلى الساسة العراقيين، وتحديداً الراغبين منهم في الاصطفاف مع واشنطن، فقد أدركت واشنطن أنها قاب قوسين أو أدنى من الفشل في الحصول على حليفٍ سياسي في العراق، بعد الإحباطات الكثيرة والمتكرّرة التي مني بها ساسةٌ عديدون ممن كانوا يعتقدون أن لأميركا كلمة في مستقبل العراق السياسي، ولعل جديدها الانتخابات الأخيرة، حيث فشل المبعوث الأميركي السابق، بريت ماكيغورك، في أن يفي بوعوده الكبيرة والكثيرة التي قطعها لبعض الساسة.
في المقابل، بحثت إيران، في زيارة وزير خارجيتها جواد ظريف العراق، عن توسيع قاعدة نفوذها لتشمل ساسة عراقيين من مختلف الطوائف، من أجل الوقوف بوجه الوجود الأميركي المتنامي في العراق، وقوفا تدرك طهران أن أفضل ساحاته ستكون قبة البرلمان العراقي، والمشاريع الاقتصادية التي تعود بالنفع عليها لمواجهة العقوبات الأميركية، ولكنها قد لا تمنح العراق مزايا كثيرة، وهو ما تدركه واشنطن جيداً. وبالتالي، ستأخذ معركتها المقبلة مع إيران في العراق شقاً اقتصادياً أولاً، وسياسياً ثانيا، أما عسكرياً فليس ذلك ممكنا في ظل معطيات الواقع العراقي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here