فنون العراق الجميلة، انواع الفنون،

* د. رضا العطار

الفنون الجميلة كما نسميها اليوم, او الاداب الرفيعة كما كان يسميها العرب قديما, هي :
الموسيقى والشعر والنثر والرسم والنحت والرقص والغناء والتمثيل.
وغاية هذه الفنون جميعها هو الجمال. لكن الجمال ليس شيئا موضوعيا له حقيقة اصلية في الكائنات التي حولنا من حي وجماد, وانما هو ذاتي، في اذهاننا. فالعالم الذي نراه ليس جميلا او قبيحا. وانما الجمال والقبح اعتباران قائمان في اذهاننا فقط.

ويمكننا ان نوضح ذلك بالمقارنة بين صورة فوتوغرافية لحقل من الزهور وبين نفس الصورة يرسمها رسام ماهر. فأما من حيث امانة النقل, فالصورة الفوتوغرافية تطابق الاصل اكثر, ولكننا مع ذلك نستحسن اكثر في صورة الرسام. والسبب في ذلك ان الجمال ذاتي وليس موضوعي. نعني انه في ذهن الرسام وليس في ذات الحقل. فإذا كان الرسام عبقريا, ادرك ببصريته مرامي الفن واستطاع ان ينفذ الى روح المنظر, ما لا تنفذ اليه الالة الفوتوغرافية ؤبذلك يكشف لنا عما خفى عن انظارنا من آيات الجمال .

فنحن نرى في صورة الرسام خياله هو كما نرى ايضا صورة المنظر الأصلي, حيث انه لا يقنع بالمحاكاة وانما هو يفسر ويشرح ويكسب الطبيعة التي ينقل عنها شيئا من خياله في معنى الجمال. ولهذا السبب كثيرا ما نعجب بالصورة التي رسمها الرسام للحقل. اننا ونحن واقفون امام الحقل لا نرى سوى الطبيعة. بينما نرى في منظر الحقل الذي رسمه الفنان جمالا جديدا لم نعهده.

وهذا يجرنا الى البحث عن معرفة الدوافع التي تحثنا على ممارسة الفنون الجميلة, فاننا عند التأمل لا يسعنا الا ان نعترف باننا نمارس الفن الجميل، لاننا نبتغي منه جمالا نرى فيه ما يرضينا اكثر من الحقائق الواقعة التي حولنا, اي اننا نرى في الطبيعة نقصا نحاول بخيالنا ان نكمله بالفن الجميل.

فالفخاري قد يصنع قدرا من الطين يشويها على النار فتخرج سوداء كاحلة, فيعمد الى تزيينها وزخرفتها بالألوان والرسوم. فهو انما يجملها بهذه الزخارف لأنها في الاصل قبيحة. ولكن هب ان صائغا قد صنع كوبا من الذهب الخالص, فهل نحتاج ونحن ننظر الى روعة جمال هذا الكوب الى ان نطلب منه ان يزينه ؟ كلا . فالصائغ وهو يصنع هذا الكوب من الذهب لا يحتاج الى ان يمارس فيه فن الرسم, ولكن الفخاري وهو يصنع القدر من الطين يحتاج الى ذلك.

فالذي يحفزنا على ممارسة الفن, اننا لا نرضى برؤية الطبيعة ساذجة, لأنها في سذاجتها ليست جميلة. فلو كنا ناكل ونشرب في صحائف واكواب من ذهب لما احتجنا الى زخرفتها, ولكن المواد التي نصنع بها ادوات الطعام والشراب ليست جميلة, لذا نقدم على تجميلها بالفنون. ولو كانت الاحجار التي نبني بها منازلنا حسنة تمتع العين برؤيتها لما احتجنا الى ان نكسوها بالطلاء ونجملها بالرسوم.

ولو كان سواد الناس حائزين صفات الجمال الفائق لما سعينا وراء ملكات الجمال و لما احتجنا الى صنع التماثيل ونقش الرسوم للوجوه الجميلة. ولو كنا نتكلم فيلذ للناس سماع كلامنا كأنه الغناء لما تعلمنا الغناء, ولو كان في حفيف الشجر وهفيف الرياح وتغريد الطيور ما يستهوي افئدتنا لما احتجنا الى فن الموسيقى. ان الباعث الذي يحفزنا على ممارسة الفنون الجميلة اننا لا نجد في الطبيعة ما يرضينا ويشبع نفوسنا التواقة لروح الجمال في مختلف انواعه واشكاله ولا نجد في مواد الصناعة ما تشتهيه نفوسنا من الجمال. فهناك مواد جميلة لكنها محدودة لا تكفي. وهي لجمالها لا نحب ان نزينها.

الحرير من الاقمشة الفاخرة ولذلك نعجب به اذا كان ساذجا. والمرأة الجميلة تعجبنا رؤيتها اكثر كلما قلّلت من ثيابها واكثرت من مفاتن انوثتها. كذلك الحال في جميع الفنون حتى النثر والشعر . فأنه اذا كان المعنى عميقا بلغ القلب وعكس صورته الواقعية, ولما احتاج الى الزخارف اللفظية التي تسمى البلاغة. وانما نحتاج الى هذه الزخارف اذا سخف المعنى. كما يحتاج القماش العادي الى مختلف صنوف النقش.

نحن والطبيعة من منبع واحد. ولأننا نشترك في وحدة الاصل , نشترك ايضا في الغايات, فما هو راق جميل عند الطبيعة كذلك هو راق جميل عندنا. فنحن نعرف من قصة التطور في العالم ان الجماد سبق النبات وهذا سبق الحيوان. ثم نعرف من تطور الاحياء كيف ان الحياة ظهرت اولا في شكل خلايا منفردة ثم متصلة بلا نظام كالأسفنج, ثم في نظام هندسي مثل نجم البحر, ثم السمك ثم البرمائيات والزواحف, واخيرا في الطير واللبون.

فإذا صحّ اننا والطبيعة نتفق في النظر, وجب علينا ان نرى الجمال في ارق احيائها وفي احط درجاتها. وهذا هو الواقع الذي نحسه به. فأقل المناظر جمالا بل اكثرها قبحا هو منظر الطبيعة الجرداء الخالية من اثر للحياة, كالصحراء القاحلة مثلا. ولكننا نحس بشئ من الجمال اذا رأينا فيها العشب والنبات, ويزداد هذا الاحساس اذا رأينا حيوانا, فكيف بنا ونحن نرى إنسانأ ؟ .

ولكننا نتدرج في استجمال الحيوان . فليس منا من يقول ان صورة الأسفنج جميلة تساوي الجمال الذي نحس به عندما نرى صورة سمكة. وصورة السمكة دون صورة الطاووس. فالنبات اجمل من الجماد, لكنه اقل جمالا من الحيوان, وارقى الكائنات هو الانسان، اجملهم جميعا . فنحن نصنع التماثيل للأنسان حبا في جماله, وقلما نصنع تمثالا لحيوان الا اذا كان من ارقى الحيوان, مثل الفرس او الكلب او الاسد.
* مقتبس من كتاب تاريخ الفنون، للموسوعي سلامه موسى
.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here