التعليم والتحطيم!!

التعليم يصنع أجيالا ذات وعي متنور تسعى لتكوين رأي , لأن التعليم يساهم بإعمال العقول وتحفيزها , وحثها على المشاركة في الحياة بضروبها ومنها السياسية , ويبث في الناس روح المطالبة بالحقوق , والحرص على مصالحهم الوطنية , ونبذ التبعية والإذعانية والإستعباد.

وهذه الحالة تصبح عبئا على الأنظمة الإستبدادية والفردية والتحزبية والفئوية وغيرها من أنظمة السيطرة على البشر , ولا يمكن إستيعاب المجتمعات المتعلمة إلا بدساتير وطنية وقوانين فاعلة , تنظم السلوك وتحرص على المصالح بأنواعها , وتوفر المنافذ المُنظمة بأساليب ديمقراطية للتعبير عن الرأي وصون الحق , وإحترام قيمة الإنسان وحقوقه ودوره في بناء الحياة الحرة الكريمة.

وبعض المجتمعات العربية ظهرت فيها أنطمة سمّت نفسها ثورية , فأحدثت تغيرات ثقافية وتعليمية متميزة , وبعد عقدٍ من الزمان وجدت نفسها أمام تهديد خطير بسبب الأجيال المتعلمة المعبرة عن رأيها والمصرحة بحقوقها ومصالحها , وبما أن تلك الأنظمة متشبثة بكراسي السيطرة والإمتهان , فأنها شعرت بالخوف الشديد ووجدت نفسها أمام خيار مصيري عليها أن تنتصر عليه بزج الأجيال المتعلمة في أتون الحروب العبثية الظالمة القاهرة , فأهلكتها فيها , وبقيت تستبد وتطغى حتى تهاوت عن عروشها وأصيبت بأعجب الإذلال.

وقد كتبَ العديد من المفكرين الأجانب في حينها عن تلك الثورات وبأنها تصنع أجيالا ضدها , لأن المجتمعات المتعلمة عليها أن تعيش في أنظمة ديمقراطية ودستورية لكي يتحقق الإستثمار الأمثل لطاقاتها , ولتساهم في البناء والإبداع والتطور والنماء.

لكن تلك الأنظمة أغفلت الحقيقة الدامغة , وقررت أن تتنتقم من الأجيال التي علّمتها , وإندفعت نحو إستنهاضها من الجهل والأمية وضخها بأدوات المعرفة والتعليم المعاصرة.

ولا تزال المجتمعات العربية لا تستوعب العلاقة الصميمية بين التعليم والديمقراطية , فهي تنطلق في مشاريعها التعليمية وتشدد قبضتها وتحكم سيطرتها على الواقع الذي تهيمن عليه , فتحصل المواجهة القاسية ما بين الشعب والكراسي المسيطرة عليه.

والظاهرة تتكرر , وستتفاقم لأن المجتمع العربي سيزداد تعلما ومعرفة في زمن التفاعل العولمي والتواصلي السريع , ولا يمكن للكراسي أن تخنق الناس , وعليها أن تدرك بأن حرية الرأي والنقد والتفكير المشترك من ضرورات النجاح , فما عاد البشر قطيعا أو مسلوب الإرادة ومصادر المصير.

فلن تستقر المجتمعات العربية من غير وعي ثاقب لهذه الظاهرة الفاعلة في مجتمعات الدنيا قاطبة , والتي ترسم خرائط الحكم وتجبر القادة على سلوك الطريق الجماهيري المُرام , وإلا فأن المنطقة ستندفع نحو حروب دائمية ذات خسائر خيالية وغير مسبوقة.

فهل سيكون للشعب دور في تقرير مصيره؟!!

سؤال على طاولة المداولات , لكنه خطير!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here