الإشاعة يتأثر بها الأمي والعالِم مع الأسف

سالم سمسم مهدي

جاء في محكم الكتاب الكريم ( وجئتك من سبأ بنبأ يقين ) هذا ما رد به الهدهد على تهديد نبي الله سليمان بالذبح أو العذاب الشديد وهنا يتسائل المرء لم أكد الهدهد على يقينية النبأ ؟ من ذلك نستشف أن الثرثرة والقيل قال والكلام الكاذب ليس بالشيء الجديد بل أن له جذور في عمق الـتأريخ فأراد هذا الطائر أن يثبت براءته من جريمة الغياب ولقد عالج الباري عز وجل ذلك عندما خاطب النبي قائلاً ( إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) وهو تحذير من نقل الخبر غير الصحيح لمعرفة الرب الكريم باستعداد بعض البشر على ممارسته …

الإشاعة تدخل ضمن هذا الإطار لأنها تستند على أشياء افتراضية غالبا ما تكون بعيدة عن الحقيقة وأساسها الثرثرة والكذب والافتراء ولقد استخدمت في الحروب وعند الأزمات ففي معركة أحد مثلا أشاع أبو سفيان والكفار أن النبي قد قُتل وحصل هذا بعد الالتفاف الذي قام به خالد بن الوليد حول جبل الرماة وهزيمة المسلمين وهو ما أدى إلى هبوط معنوياتهم فأشاع أعدائهم هذا الخبر الكاذب من أجل النيل من ثباتهم وإيمانهم …

أجاد جنكيزخان الاعتماد على الإشاعة كثيرا في تحقيق أهداف غزواته الوحشية وكان يرسل فرق متخصصة قبل المباشرة بالزحف العسكري تعمل على بث الرعب داخل صفوف الجيوش المقابلة والسكان المحليين عموما يتحدثون فيها عن بطش المغول وذبح الاطفال وبقر بطون النساء الحوامل وكل هذا يدخل ضمن مفهوم الحرب النفسية حالياً لتخويف المقاتلين وأشغال تفكيرهم بما سيؤول اليه مصير عوائلهم …

هذه هي الحرب التي يتعرض لها الشعب العراقي حالياً حتى وصل الأمر أن البعض أخذ يكتب عن سيناريوهات محتملة لما سيحصل في العراق في القريب القادم وكأن هؤلاء مشتركين في اجتماعات مراكز القرار الأمريكي أول بأول …

أننا كنا وما زلنا ضد أي تصرف يسيء إلى أي طرف أو مكون عراقي لأن من شأن ذلك أن يعمق الهوة بين أبناء الشعب التي أججتها ظروف الاحتلال ولكننا نبقى نؤكد على أن محاكمة هؤلاء المسيئين يجب أن تكون بأيادي وإرادة عراقية خالصة لأن الأجنبي هو السبب ببروز كل الظواهر الشاذة التي أصابت الدولة العراقية …

لا أحد ينكر أن الوطن يمر بظروف صعبة جداً وأن مثل هذا يكون مجالا خصبا لترويج الإشاعات وحياكتها لأن الأوضاع تساعد على اختلاقها لذا ليس من المستغرب أن نراها نشطة هذه الأيام وخاصة بين وسائل الأعلام وأوساط المثقفين الذين تحولوا إلى عناصر ناقلة لها ولا أتحدث هنا عن المأجورين الذين يقبضون ثمن تلفيقاتهم مقدما بل أتحدث عن الذين سيكونون من أوائل الضحايا إذا ما تدهورت الأمور لا سامح الله …

أن ما يثار واضح النوايا والغايات أهمها أشغال الشعب عن رفد الإجراءات التي من شأنها أن تقود إلى إعادة ما يمكن من حقوق أولاً ومن ثم أشغاله عن متابعة تلك الإجراءات وأن كانت بطيئة خاصة وأننا أخذنا نشاهد رئيس الوزراء يجوب الشوارع في بغداد والبصرة وهي نقلة تستحق الاهتمام لم نشهدها من قبل باعتبارها متابعات ميدانية ضرورية في التواصل مع المواطنين وسيؤدي تطورها حتما إلى نتائج إيجابية في مجال إيقاف التدهور المستمر بالاقتصاد والوضع العام للبلد والحد من استفحال المفسدين …

أن أقل ما علينا القيام به هذه الأيام هو عدم الانسياق وراء الإشاعة الكاذبة فتجعل منا تبعا لها وأن نُحكم عقولنا بكل ما يقال ونفصل بين المعقول عن اللامعقول وان لا نتحول الى جسد آلي يردد ما يصب لصالح من يريدون بنا شراً .

سالم سمسم مهدي

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here